أحدث اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة صدمة كبرى لدى العالم المنشغل بأحداث أوكرانيا، وهذا توحد نادرا ما يحدث عالميا.. وللمفارقة حدث في البقعة الأكثر سخونة وتعقيدا بالعالم في فلسطين المحتلة والتي عجز العالم حتى الآن عن إيجاد حل عادل بسبب عالم عربي مفكك ولوبيات صهيونية فاعلة في الغرب.
إن هذه القضية تحتاج منا إلى تحليل عميق لمعرفة أسباب التوحد واستنتاج الدروس المستفادة من هذا الحدث المؤلم حتى نستطيع لاحقا استثمارها في قضايانا العادلة وهذا ديدن العقلاء في التعلم من تجارب الآخرين.
أسباب التوحد والتعاطف العالمي:
ـ عدالة القضية الفلسطينية واستمرارها لعقود مما يجعل الإنسانية تشعر بمظلومية الشعب الفلسطيني الذي ما يزال يعاني رغم ادعاءات العالم أنه يحاول إيجاد حلول لهم، فرغم التنازلات المتكررة المقدمة من الجانب الفلسطيني منذ أوسلو 1991، إلا أن الفلسطينيين لم يحصلوا حتى على جزء يسير من حقوقهم العادلة.
ـ مقدسية شيرين، فالقدس مدينة لها خصوصيتها لدى العرب والمسلمين والمسيحيين والمحاولات المستمرة لتهويدها وتهجير أهلها تجعل العالم يتعاطف مع المنتسبين لها وقضاياهم.
جنازة شيرين أكبر رد على الاتهامات للعرب والمسلمين بالإرهاب ولظاهرة الاسلاموفوبيا التي طالما روج لها الطغاة واليمين المتطرف اتجاه مطالب الشعوب بالحرية والديموقراطية، فعندما تتوحد مشاعر الفلسطينيين والعرب بكافة خلفياتهم الدينية والطائفية، فهو أكبر رد عملي على ذلك.
ـ البصمة الخاصة لشيرين إعلاميا، فكل من تابعها منذ عملها في قناة الجزيرة عام 1997 يستطيع تمييزها على صعيد الصورة والصوت والمفردات التي تستخدمها وموسيقاها الخاصة التي لن ينساها العالم.
ـ خلطة شيرين السحرية العجيبة، فهي تجمع بين الأنوثة والشجاعة والجرأة والهدوء وشغف المهنة مع إيمان قوي بقضيتها وقليلا من البشر من جمع هذه الصفات معا.
إذا ما انتقلنا إلى استخلاص الدروس والعبر في قضية استشهاد شيرين وهي كثيرة إلا أن أهمها:
ـ العمل المهني المحترف مقدر وطنيا وشعبيا من أي دين أوطائفة أو عرق كنت، وعلى القيادات السياسية المراهنة على تنمية الحالة الوطنية وليس دغدغة المشاعر الدينية والطائفية والعرقية لكسب الأصوات بشكل سريع.
ـ الصحافة المهنية المحترفة مقدرة إنسانيا وعاملا مؤثرا في تعاطف العالم بقضيتك وزيادة الاهتمام بها، فلا تستخدم الأخبار الكاذبة والملفقة لكسب تعاطف العالم معك بل المطلوب توظيف الأحداث بشكل صحيح وطرحها على العالم بطريقة تكسب المزيد من المؤيدين لقضاياك.
ـ القضايا العادلة لا تموت مهما تأخر النصر، فالشعوب قد تأخذ قسطا من الراحة في قضايا تحررها من الاحتلال والاستبداد لكنها لا تستسلم مهما حاولت الأنظمة كبتها وحرفها عن المسار المطلوب.
ـ لا تحيد عن الهدف في قضيتك الأساسية، أحيانا يحاول البعض أن يحرفك عن ذلك عن حسن أو سوء نية من خلال استحضار الفتن وبعض القضايا الاشكالية فتنسى قضيتك الرئيسة مما يجعل قوى الاحتلال والاستبداد يحققون هدفهم في تمييع الموضوع وإنهاء الإشكالات بدون خسائر تذكر.
ـ التأسيس الفكري والثقافي والديني المتوازن هام في بناء وطن حضاري، فما يقوم به المفكرون والعلماء والمثقفون ببناءه معرفيا خلال فترات الراحة تحصد نتائجه الأوطان في اللحظات المفصلية والحاسمة.
ـ كن مبادرا، الأحكام المسبقة قاتلة في قضية العلاقات الدولية، البعض يسيطر عليه التفكير المؤامراتي فلا يبذل أي جهد لتغيير المواقف أو تفكيكها وماحصل من مواقف هامة في التنديد من عملية الاغتيال بل وصلت الى حد طلب بعض الدول المؤيدة للاحتلال الاسرائيلي التحقيق الدولي ونقل الملف الى محكمة الجنايات الدولية يستحق الدراسة وإعادة التقييم.
ـ تفعيل دور الجاليات في بلاد المهجر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا هام جدا لدعم قضيتك، إشكالية غالبية المهاجرين واللاجئين أنهم لا ينخرطون في دول اللجوء مما يقلل من فاعليتهم وتأثيرهم خاصة في ملفات أوطانهم الأصلية، فما قامت به النائبة الأميركية الفلسطينية رشيدة طليب وزميلاتها في مجلس النواب الأميركي وطلبها الوقوف دقيقة صمت ومن ثم إصدار بيان بهذا الصدد له نتائجه القادمة.
ـ الأخلاقية المهنية والأداء المتميز والمصداقية العالية تجعلك قائدا ورمزا وطنيا خالدا رغم أنف الاحتلال والاستبداد والظالمين، وما جنازة شيرين أبو عاقلة الغير مشهودة في تاريخ فلسطين الا أكبر دليل على ذلك.
ـ جنازة شيرين أكبر رد على الاتهامات للعرب والمسلمين بالإرهاب ولظاهرة الاسلاموفوبيا التي طالما روج لها الطغاة واليمين المتطرف اتجاه مطالب الشعوب بالحرية والديموقراطية، فعندما تتوحد مشاعر الفلسطينيين والعرب بكافة خلفياتهم الدينية والطائفية، فهو أكبر رد عملي على ذلك.
ـ من الضروري الانتباه للسيناريوهات التي يتبعها الاحتلال والطغاة لتمييع الجرائم المثبتة بحقهم والتي تبدأ من التشكيك وعند عدم اقتناع الرأي العام بذلك ينتقلون في النهاية إلى تحويلها لمجرد حادثة فردية وليست جريمة منظمة اتخذت عن سابق اصرار وتصميم.
ـ المؤسسات الإعلامية المدافعة عن كوادرها تعزز من قيم الانتماء إليها وترفع من مستوى المنتمين لها، فما قامت به قناة الجزيرة من اعلان حالة الطوارئ والاستنفار لكافة كوادرها وقادتها في تغطية الحدث الا دافع قوي لكوادرها لبذل المزيد في سبيل صحافة احترافية حرة ويجعل كافة الاعلاميين يطمحون للإنضمام لها.
ـ إدارة قناة الجزيرة لملف إغتيال شيرين يدرس على الصعيد الاعلامي والسياسي في كيفية التعامل مع الأحداث الهامة وتحويلها الى حدثا عالميا لا يمكن تجاهله.
لا شك أن حادثة اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة بتاريخ 11 أيار/ مايو 2022 أصبح حدثا عالميا على صعيد استهداف الاعلام الحر وستقوم بتدريسه كافة كليات الاعلام والصحافة العالمية وتستفيد منه، إلا أن الأهم على الصعيد الشعوب الخاضعة للاحتلال والأنظمة الديكتاتورية وكذلك قوى التحرر أن تستفيد من هذه الجرائم المرتكبة بكثافة وباستمرار في لفت أنظار العالم إلى واقعها السيء حتى تحظى بتعاطف شعوب العالم الحر لتقوم بالضغط لاحقا على قادتها وأحزابها الحاكمة حتى تفك تحالفاتها مع الانظمة المستبدة ودول الاحتلال فما يجمع بين الشعوب الكثير من المشتركات الانسانية والتي تحتاج الى تثمير وتطوير وليس انعزال ولعن الظلام، فإزالة الظلام يحتاج الى عمل مهني دؤوب وليس فقط تضحيات مؤلمة قد لا يعلمها الا المظلومين، فعدالة قضيتك وشجاعة القادة وتضحياتهم ودفع الشعوب للمواجهة غير كاف لتحقيق النصر.
السوشيال ميديا وغياب الذوق عند الموت
ورحلت أيقونة الإعلام في فلسطين وبقي الأثر
قتلوا شيرين ولم يقتلوا الحقيقة!