حظيت نتائج الانتخابات في دولة المجر باهتمام واسع في تركيا، مع فوز رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على تكتل ستة أحزاب معارضة في بلاده.
وشبه صحفيون ونشطاء مقربون بحزب العدالة والتنمية الحاكم بتركيا ما جرى بالمجر بالمشهد الذي عليه تركيا الآن، حيث تجتمع ستة أحزاب معارضة تختلف أيدولوجياتها للتوافق على مرشح مشترك بمواجهة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وكما هو الحال في تركيا، اجتمعت ستة أحزاب معارضة، قائلة: "سنجلب الديمقراطية إلى البلاد"، وتقدمت بمرشح مشترك ضد أوربان.
وكانت أحزاب المعارضة المجرية واثقة بالفوز مع الفارق الطفيف في استطلاعات الرأي ما بين أوربان ومرشح تحالف الأحزاب الستة.
لكن نتائج الانتخابات أظهرت فوز أوربان في الانتخابات مرة أخرى بنسبة 53.7 بالمئة، ليجلس على مقعد رئاسة الوزراء للمرة الرابعة.
اقرأ أيضا: هل يجذب "البرلمان المعزز" الناخبين لصالح المعارضة التركية؟
كان البارز في الانتخابات المجرية هو موقف المعارضة تجاه الأزمة الأكرانية، وانتقادهم لأوربان الذي اتخذ نهجا محايدا تجاه الغزو الروسي، والحال ذاته شهدته تركيا مع بداية الحرب ما بين المعارضة وأردوغان.
وفاز حزب "فيديس" الذي ينتمي إليه أوربان بأغلبية مقاعد البرلمان، حيث حصل على 135 مقعدا من أصل 199، وتمكن تحالف المعارضة المكون من ستة أحزاب من الحصول على 56 نائبا فقط.
وقال أوربان بابتسامة كبيرة ليلة الأحد: "سنتذكر هذا الانتصار؛ لأننا لم يكن لدينا أبدا هذا العدد الكبير من المعارضين بين يسارنا الوطني واليسار الدولي والبيروقراطيين في بروكسل، والملياردير المجرى الأمريكي جورج سوروس، ووسائل الإعلام الدولية وحتى الرئيس الأوكراني".
الكاتبة التركية كوبرا بار، في تقرير على صحيفة "خبر ترك"، ذكرت أن التشابه بين الانتخابات المجرية والسياسة التركية لا يقتصر فقط بشأن ستة أحزاب معارضة دخلت الانتخابات من خلال تشكيل تحالف، حيث إن اللغة والحجج السياسية للحزب الحاكم والمعارضة تحتوي أيضا على أوجه تشابه مذهلة.
دروس للمعارضة التركية من التجربة المجرية
وتابعت بأن هناك العديد من الدروس يجب أن تنتبه إليها المعارضة من التجربة المجرية.
وأضافت أنه كما تركيا، اتهمت المعارضة أوربان بالسيطرة على الإعلام وتغيير النظام الانتخابي لصالحه، ونشر الدعاية الانتخابية باستخدام مرافق الدولة، وزعموا أن حزب أوربان أبعد المجر عن القيم الأوروبية، وقوض المعايير الديمقراطية، وأضعف نظام العدالة.
وأشارت إلى أن المعارضة في تركيا اليوم تجتمع حول الديمقراطية في مواجهة "تحالف الجمهور"، وتقول إنها ستوسع الحريات بحكم يسوده القانون، ولذلك اتفقت على العودة إلى "النظام البرلماني" المعزز.
وتابعت بأن خطاب الحرية والديمقراطية في مواجهة اليمين المحافظ القومي في المجر لم يحقق النصر في صناديق الاقتراع.
سياسة التوازن لأوربان تجاه الحرب الأوكرانية
وأشارت إلى أن السياسة الخارجية، لاسيما الموقف تجاه الحرب الأوكرانية، لعبت دورا رئيسيا في انتصار أوربان على مرشح المعارضة المجرية الذي دعا للوقوف إلى جانب الغرب في فرض العقوبات على روسيا، وتقديم المساعدة بالأسلحة لأوكرانيا، وإرسال قوات في إطار مهمة حلف الشمال الأطلسي "الناتو".
اقرأ أيضا: حرب أوكرانيا تزيد شعبية أردوغان.. والأتراك لا يثقون بالناتو
وعلى العكس ذلك، وعد أوربان، الذي تربطه علاقات وثيقة مع بوتين، ناخبيه بعدم إقحام البلاد في الحرب، ورغم إدانته لغزو روسيا لأوكرانيا، وقبول اللاجئين الأوكران في البلاد، إلا أنه لم يشارك في العقوبات، واتبع سياسة التوازن، قائلا إن بلاده بحاجة إلى الغاز الطبيعي الروسي.
الموقف من الغرب وأوروبا
ونوهت الكاتبة التركية إلى أن أوربان طوال حملته الانتخابية، ألقى باللوم على الاتحاد الأوروبي وجورج سوروس.
وذكرت أنه مثلما جلب خطاب "البقاء الوطني" و"القوى الخارجية" في تركيا النجاح الانتخابي لتحالف "الجمهور"، جلبتها أيضا إلى أوروبان في المجر.
وتابعت الكاتبة بار، بأن المعارضة التركية بحاجة لإعادة النظر في نهجها المؤيد لأوروبا والموالي للولايات المتحدة في السياسة الخارجية، مضيفة: "عليهم ألا ينسوا أن القادة الذين يقولون إنهم سيحمون المصالح الوطنية من الخارج ويحددون الأعداء في خطابهم، يقنعون الجماهير بسهولة أكبر".
مرشح مشترك فاز برئاسة بلدية لأول مرة منذ عام 1990
وأضافت أنه بالمجر جلبت أحزاب المعارضة السياسي الشاب بيتر ماركي كمرشح مشترك في مواجهة أوروبان الذي يمتلك شخصية كاريزمية، ويصف نفسه بأنه مسيحي يميني وناخب سابق خاب ظنه بحزب "فيديس"، كما أنه فاز عام 2018 برئاسة بلدية "هدمزوفازارهلي" كمرشح مشترك لثلاثة أحزاب معارضة، حيث إنها هي المرة الأولى التي تستطيع فيه المعارضة تحقيق الفوز على "فيديس" في هذه المدينة منذ عام 1990.
واعتبرت مجلة "بوليتيكو" بيتر ماركي عام 2021 أنه واحد من أكثر 28 شخصا نفوذا في أوروبا، ووعد بأنه في حال انتخابه سيزيد من الاندماج مع أوروبا، وسيحافظ على عضوية بلاده بالناتو، وإعداد دستور جديد، وذكرت الكاتبة بأن شخصيته تذكرنا برئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
وذكرت الكاتبة أنه غير معروف من المرشح المشترك الذي ستجلبه المعارضة التركية، لكن من الجيد التفكير حول تأثير موقفهم تجاه "اتفاقية إسطنبول" على الناخبين المحافظين في الأناضول، وأن يعتبروا أن الخلفية اليمينية للمرشح قد لا تكون كافية لإقناع المحافظين.
استطلاعات الرأي
وفي استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات، زعم أن نسبة التصويت للأحزاب الستة المعارضة كانت بفارق طفيف عن أوروبان وحزبه، ونتائج الانتخابات أثبتت خطأ هذه الاستطلاعات.
وقالت الكاتبة التركية، إن المشهد ذاته في تركيا في استطلاعات الرأي التي تبرز تظهر الصورة لصالح المعارضة إذا انضم إليها حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ومع ذلك فإن مثال المحر يظهر أنه قد يكون من المضلل للغاية أن يكون لدى المعارضة يقين بأنها ستفوز بالانتخابات.
اقرأ أيضا: هل تبلور 6 أحزاب معارضة في تركيا تحالفا لمواجهة أردوغان؟
الأصوات في المناطق الريفية
وأشارت إلى أن المشهد في المجر يشابه الوضع في تركيا، فبينما كانت أصوات المعارضة مرتفعة في العاصمة المجرية ومدن كبرى، فإن حزب "فيديس" حقق فوزا في المناطق الأخرى.
وذكرت أن الدرس هنا يؤكد أن الفوز بالعاصمة قد لا يعكس الصورة على مستوى الدولة، ورغم فوز المعارضة التركية ببلديات المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، فإنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن "تحالف الجمهور" حصل على 53 بالمئة في جميع أنحاء البلاد.
خطط لمواجهة غلاء المعيشة
الكاتب التركي مولود تيزال، في تقرير على صحيفة "صباح"، ذكر أنه كما الحال في تركيا، ارتفع التضخم في المجر بسبب الجائحة وأزمة الطاقة.
وأضاف أنه كان يجري الحديث بأن أوربان الذي حكم المجر لمدة 12 عاما سيخسر الانتخابات هذه المرة، لكنه في بداية العام الجاري، انتهج أسلوبا اقتصاديا في مواجهة الغلاء بالسلع الأساسية، حيث فرض قيودا على أسعار السلع.
وأشار إلى أن أوربان وحلفه فاز في الانتخابات العامة في المجر بهامش كبير، وأصيب الائتلاف المعارض المكون من ستة أحزاب بخيبة أمل، حيث كانت تعتقد بأنها ستفوز بمرشحها المشترك.
ورأى أن بيئة الانتخابات في المجر تشبه بيئة الانتخابات المقبلة في تركيا، حيث اتحدت ستة أحزاب معارضة في مواجهة حزب العدالة والتنمية.
وتابع بأن أحزاب المعارضة التركية تعول على الجائحة وأزمة الطاقة وارتفاع التضخم.
وأضاف أن أوربان الذي دافع عن القيم المسيحية التقليدية، حصل على أصوات الناخبين الفقراء وكبار السن الذين يعيشون خارج المدينة، بينما كانت المعارضة التي تتقدم في ثلاث مدن رئيسية خسرت الانتخابات.
وأوضح أنه إذا خرجت المعارضة التركية المكونة من ستة أحزاب بمرشح مثل ماركي، فقد تزداد أوجه الشبه بين البلدين بشكل أكبر، لكن أوربان اتخذ خطوات أهلته بالفوز بالانتخابات، أبرزها خفض معدلات البطالة، وقرارات جذرية خففت من أعباء المواطنين بسبب غلاء المعيشة.
ونوه إلى أن المجر ليست دولة متقدمة مثل تركيا، لكن أوجه التشابه التي ظهرت في الانتخابات الأخيرة توفر فرصة لتحليل الوضع بالنسبة للحكومة والمعارضة في تركيا.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن موقف أردوغان من الحرب الأوكرانية وسياسة التوازن ساهمت في رفع شعبيته.
ورغم اجتماعها على طاولة واحدة، لم تتمكن ستة أحزاب معارضة بتركيا من تسمية مرشح مشترك لمنافسة أردوغان، وسط حديث عن خلافات بينها.
صدع بين قادة أحزاب المعارضة الستة بتركيا.. وأسئلة بلا إجابة
إطلاق آلية استراتيجية بين تركيا وأمريكا.. ما هدفها؟
لماذا يصر أردوغان على عقد لقاء قمة يجمع بوتين وزيلينسكي؟