في الوقت الذي تترصد فيه الأوساط الإسرائيلية لنتائج الحرب الروسية الأوكرانية على وضعها السياسي والاستراتيجي، لكن مع مرور الوقت يظهر للإسرائيليين أن هذه الحرب باتت تؤثر على مجموعة واسعة من مجالات حياتهم: الأمنية والاقتصادية، بحيث قد يؤثر الوضع الأمني الناشئ على الجوانب المتعلقة بالواردات والصادرات بين تل أبيب وأوكرانيا، والجوانب الجمركية وضرائب الاستيراد الأخرى.
ويكمن التخوف الإسرائيلي في التأثير السلبي المتوقع للحرب على مستقبل اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين تل أبيب وأوكرانيا في 2019، ودخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني/ يناير 2021، وتنص على تبادل البضائع بينهما فيما يتعلق بمعظم أنواع المنتجات، خاصة الصناعية، وتخفيض الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية، على أن تكون المنتجات الرئيسية التي يستوردها الاحتلال الإسرائيلي من أوكرانيا هي الزراعية والمنتجات الغذائية والمعادن والآلات.
عومير فاغنر محامي الجمارك والاستيراد والتصدير والتجارة الدولية، ذكر بمقاله بموقع "زمن إسرائيل"، ترجمته "عربي21" أن "أحد الشروط الأساسية في اتفاقية التجارة المذكورة أنها تحدد أراضي أوكرانيا، بما فيها مساحة الأرض والمياه الداخلية والبحر الإقليمي والمجال الجوي والمنطقة الاقتصادية البحرية الحصرية والجرف البري، وأينما تمارس أوكرانيا حقوقها السيادية وولايتها القضائية وفقًا للقوانين، وفي هذه الحالة فقد أصبحت شرق أوكرانيا من حيث القانون الدولي خاضعة بالفعل للسيطرة الروسية".
وأضاف أننا "لسنا أمام معضلة أكاديمية نظرية بحتة، لكنه سؤال قد يؤثر بشكل مباشر على مسألة ما إذا كان المنتج سيخضع للرسوم الجمركية على الواردات إلى إسرائيل أم لا، ومن المهم ملاحظة أنه لا توجد اتفاقية تجارة حرة بين روسيا وإسرائيل، رغم أن الأخيرة تفاوضت مع كتلة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي منذ عدة سنوات، ويضم: روسيا، بيلاروسيا، كازاخستان، أرمينيا، قرغيزستان، لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة، لكن الاتصالات لم تنضج بعد لتصبح اتفاقية رسمية".
اقرأ أيضا: غزو أوكرانيا يزرع خوفا إسرائيليا من فشل جاهزيته بدخول حرب
في الوقت ذاته، فإن بعض الواردات من روسيا إلى تل أبيب تخضع لرسوم جمركية بنسبة 12 بالمئة، فيما تخضع الواردات من أوكرانيا لمعدل رسوم مخفض يبلغ 8.5 بالمئة، وتخضع واردات المحركات الكهربائية من روسيا لرسوم 12 بالمئة، أما أوكرانيا فإنها معفاة، وهناك العديد من الأمثلة الأخرى.
أما عند الحديث الإسرائيلي عن العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، فإن الاتفاقيات الثنائية تشمل شرطا أساسيا لمنح الإعفاء الجمركي لكل منتج مصنوع في أوكرانيا، شرط أن يتم إنشاؤه في أراضي أوكرانيا الأوروبية، لكن اليوم وبسبب صعوبة التحقق من الأصل الأوكراني للمنتج، فإن إسرائيل ستكون في هذه الحالة أمام نزاع إقليمي على مناطق معينة في العالم، وأي نزاع من هذا القبيل عادة ما يكون له تأثير على العلاقات التجارية بين البلدان.
من المثير للاهتمام ملاحظة أن الاتحاد الأوروبي، سبق أن أعلن أن أراضي الضفة الغربية، بما فيها مستوطنات "موديعين، مكابيم، ريعوت، وكذلك مرتفعات الجولان"، ليست خاضعة للنفوذ الإسرائيلي ضمن أغراض اتفاقية التجارة، بل هي مستوطنات غير قانونية، لذلك لن يستفيد المنتج المصنّع فيها من مزايا جمركية عند دخوله الاتحاد الأوروبي، فضلا عن نماذج أخرى مثل قبرص التركية أو جزر فوكلاند ذات النزاع بين بريطانيا والأرجنتين، مما يعني تكرار هذه النماذج بين إسرائيل وأوكرانيا.
في سياق متصل، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مجمل الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية من الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة، مشيرة إلى أن ما ستتكبده تل أبيب يقدر بمليارات الدولارات، ويطال كبرى الشركات المتخصصة في السيارات والعقارات والاستثمارات، وتصنيع واستيراد المواد الغذائية.
ثمة تخوف رئيسي آخر في تل أبيب يتعلق باستيراد القمح والحبوب التي تستخدم كعلف للحيوانات من روسيا وأوكرانيا، ويشكل 12 بالمئة من إجمالي وارداتـها في 2021، كما أن ثلثي إلى نصف السلع الإسرائيلية المستوردة تأتي من روسيا وأوكرانيا، لذلك، سيكون للحرب تأثير جوهري على الصناعات الغذائية الإسرائيلية، بجانب فروع الزراعة والمنتوجات الغذائية الأكثر عرضة للتأثر بالتصدير إلى روسيا، بالأساس الخضراوات والمحاصيل الجذرية والفواكه والحمضيات والأفوكادو.
كما تصدر إسرائيل إلى روسيا مواد كيميائية مثل المبيدات الحشرية والأسمدة لفرع الزراعة هناك، والتوقعات الإسرائيلية أن تؤدي العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، إلى نقص في البضائع مقابل رفع للأسعار.
صحيفة "إسرائيل اليوم"، ذكرت أن الفحم الذي يشكل 20 بالمئة من استهلاك الطاقة في "إسرائيل"، ومعظمه مستورد من روسيا، سيتأثر بشكل كبير إثر العقوبات على الأخيرة، إذ ستضطر "إسرائيل" لاستبدال الفحم الروسي بنظيره القادم من أمريكا اللاتينية، مما سيجلب صعوبات، لأنها سلعة ملوثة أكثر، وذات جودة أقل، وأكثر إضرارا بالأجهزة التي تستخدمها، بجانب زيادة المسافة في النقل البحري.
في الوقت ذاته، فإن خروج روسيا من المنظومة البنكية الدولية "سويفت"، سيكون له تأثير في شركات إسرائيلية عدة تدير أعمالاً مع روسيا، بجانب وجود مجموعة من أرباب المال الكبار اليهود، مقربة من بوتين، وكثير من أعضائها يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويميلون إلى المجيء والمكوث في إسرائيل.
تقدير إسرائيلي: وساطة بينيت توقيتها خاطئ وفرصها ضئيلة
مخاوف إسرائيلية من استمرار التأرجح بين موسكو وواشنطن
جنرالان يرصدان مبررات انحياز الاحتلال للغرب ضد روسيا