نشرت "فورين أفيرز" مقالا لكل من هارورو إنغرام، الباحث في جامعة واشنطن، وكريغ وايتسايد، من الكلية الحربية البحرية الأمريكية، عن مشاكل تنظيم الدولة والفراغ في القيادة، وما سيترك هذا من آثار على عملياته الدولية.
ففي شباط/ فبراير، كان نشطاء تنظيم الدولة، الذي عانى من عام صعب، يرقصون فرحا لعملية اقتحام سجن بشمال- شرق سوريا، عندما علموا أن زعيمهم الغامض أبو إبراهيم الهاشمي القرشي قتل في عملية أمريكية جريئة.
وقبل مقتل القرشي، كان هناك قلق متزايد من عودة التنظيم، فإلى جانب العملية التي سيطر فيها المقاتلون على السجن لعدة أيام، وبرغم الدعم الأمريكي القوي للقوات الكردية، كانت هناك إشارات أخرى تدعو للاحتراس، فبحسب تقرير نشره فريق رصد العقوبات التابع لمجلس الأمن، أشاروا فيه إلى زيادة نشاطات التنظيم في عدد من دول وسط أفريقيا، وظهوره المتكرر في أفغانستان بعد خروج الامريكيين من هناك. أما في سوريا والعراق، فهو وإن شن هجمات أقل، إلا أنه يخوض حرب عصابات وسط انقسامات سياسية وطائفية وضغوط مناخية ومصاعب اقتصادية لمرحلة ما بعد وباء كورونا، ما يؤشر إلى عودة التنظيم.
وبمقتل القرشي، فمنظور عودة التنظيم في أي وقت يبدو أقل. ويعترف الكاتبان أن القتل المستهدف لا ينهي في العادة حركات مثل تنظيم الدولة. ولكن عملية القتل أدت لعملية انتقال قيادات داخل المنظمة الإرهابية.
ومع أن الولايات المتحدة قتلت عددا من قادة التنظيم في الماضي، إلا أن توقيت هذه العملية جاء في وقت سيئ له؛ فهو يعاني من شح الأموال، وصف قليل مرشح للقيادة، وانخفاض عملياته في معقله الرئيسي بالعراق. ويجب على قيادة التنظيم في العراق وسوريا إقناع المنظمات الموالية له حول العالم بسبب بقاء زعيمه مجهولا مثل القرشي.
فشلوا أم نجحوا، فهذا سيقرر مصير تنظيم الدولة كمشروع دولي يربط الجماعات الجهادية من غرب أفريقيا إلى آسيا. وسواء كان على المستوى المحلي والدولي فما يوحد أعضاءه قبولهم العام لشرعية قادتهم. ويواجه تنظيم الدولة تحدي انتخاب زعيمه الرابع، ومن دون شك سيكون هذا هو الأصعب؛ ففي عام 2004 أقسم أبو مصعب الزرقاوي الولاء لتنظيم القاعدة، وصار يعرف بتنظيم القاعدة في العراق، وبعد مقتله في عام 2006، أعاد أتباعه تشكيل التنظيم باسم "تنظيم الدولة في العراق"، حيث وسعوه لاحقا ليشمل سوريا.
وبعمل هذا، أقامت القيادة ممارسات للخلافة لا تزال قائمة حتى اليوم، ووضح القادة هذا في منشور أصدروه عام 2006، وبرروا فيه تسمية زعيمهم بالخليفة، مستندين على أراء علماء الدين والمؤرخ ابن خلدون. وبحسب المعلومات التي وردت في المنشور، فقد أنشأ قادة تنظيم الدولة لجنة اختيار القادة مكونة من ممثلي عدة جماعات اندمجت في التنظيم.
ووافقوا على أن المعيار الرئيس لاختيار "الخليفة" هي المعرفة الدينية العالية. وكشرط غير مكتوب، فقد اتفقوا على أن يكون الخليفة المختار منحدرا من قريش، قبيلة النبي محمد. وكان الهدف من هذا هو بناء الشرعية في مسألة الخلافة، وربطها بالخلفاء الأربع الأوائل بعد وفاة النبي. وكان خليفة الزرقاوي هو أبو عمر البغدادي، أحد قدامى المحاربين في العراق، ولديه نسب يعود إلى قبيلة النبي محمد. وقتل في عملية للقوات العراقية الخاصة في عام 2010.
وانتخب أبو بكر البغدادي القرشي بنفس الطريقة، وبعد فترة صمت استمرت أسابيع، وقاد التنظيم في حملته التوسعية في العراق وسوريا، وأعلن عن الخلافة. وقتل هو الآخر على يد القوات الأمريكية الخاصة في سوريا عام 2019. وبعد خمسة أيام، حل محله أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.
وبناء على السوابق التاريخية، فمن المتوقع انتخاب الزعيم الجديد للتنظيم في غضون أسابيع، وستكون لديه نفس الصفات التي كانت لدى سابقيه: عالم دين، مجاهد وبنسب يعود إلى قبيلة قريش ومن الدائرة الضيقة في التنظيم. وسيتبع هذا سلسلة تجديد الولاء للخليفة الجديد من الجماعات المنضوية تحت لواء التنظيم على مستوى العالم.
وفي النهاية، فشرعية الزعيم الجديد تنبع من اعتراف وقبول الأتباع لقيادته. لكن تنظيم الدولة قد يواجه هذه المرة معوقات خلال عملية اختيار الخليفة، وفي ضوء ما رافق فترة القرشي، فمثل سلفه، تولى القرشي قيادة التنظيم وسط تراجع في نشاطه، ودون أن يسجل أي نجاح يذكر. ويقال إن القرشي صعد سريعا في صفوف التنظيم عام 2007، وبحلول عام 2014 أصبح أهم مستشار للبغدادي، والذي دفع باتجاه قتل الإزيديين.
وفقد القرشي رجله وهو في خدمة البغدادي، وربما كان هذا نتيجة غارة جوية عام 2015 استهدفت قادة تنظيم الدولة. إلا أن "خلافته" لاحقتها الشائعات والقصص أثناء سجنه لدى الأمريكيين، وبخاصة ما سربته الحكومة الأمريكية عن استعداد للعمل كـ مخبر" ضد زملائه عندما كان معتقلا في معسكر بوكا الأمريكي، جنوبي العراق. بل وكشف عن معلومات ساعدت الجيش الأمريكي على قتل مشرفه والرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبو قسورة عام 2008.
وبطرق ما، فقد تولى القرشي المنظمة التي كانت تعاني من مشاكل في العراق وسوريا، لكن سلفه حضره لإدارة التمرد العالمي. ولهذا قام القرشي بدعم الجماعات البعيدة بالمال والمستشارين، وهو رهان ساهم في الحفاظ على معنويات أتباعه وسط فشله في تحقيق تقدم بمعاقله التاريخية في العراق وسوريا. وكانت مسيرته مخزية في الحياة والممات، حيث كان آخر عمل للقرشي قتل زوجته وأولاده عندما فجر نفسه أثناء المداهمة الأمريكية. ونتيجة لهذا يواجه تنظيم الدولة مسار خطيرا.
وتجد الدائرة المغلقة في التنظيم نفسها أمام وضع محفوف بالمخاطر وبخيارين أساسيين لا اختيار الزعيم الجديد، وكلاهما يفتح الباب أمام احتمالات جديدة. الخيار الأول، هو اتباع شروط الخلافة المتفق عليها ولكن بقرار مختلف، مثل اختيار التنظيم زعيما غير عراقي، ربما كان سوريا، ما سيحمل معه حرف ميزان القوة من العراق إلى سوريا. ومن المحتمل اختياره من الجيل الجديد، ليس كسابقيه، ولا علاقة له بجيل المؤسسين الذين قاتلوا أولا ضد الاحتلال الأمريكي للعراق. وقد يحظى خيار كهذا بدعم من الجيل الجديد والأنصار الذي تهمهم مأساة السنة في سوريا أكثر من الحرب في العراق قبل عقدين.
الخيار الثاني، هو تخلي تنظيم الدولة عن ممارسات انتخاب خليفة للقرشي، بالقول إن القادتين مختلفان ومختبئان. وربما رفض التنظيم الاعتراف بمقتل القرشي. والرد أن أمريكا أخطأت في تحديد هوية زعيم التنظيم. وبطريقة أخرى قد يفرض الزعيم نفسه على التنظيم دون اللجوء إلى عملية تعيين الخليفة، ولو حدث فإن التنظيم يواجه أزمة داخلية.
وعلى أي حال، فسواء ظهر الزعيم من خلال عملية رسمية أو غير ذلك، فسيجد سلطته محلا للجدل. وفي كل هذه السيناريوهات غير النظامية فهناك خطر لجعل التنظيم أكثر تقلبا من تماسكه. وبعيدا عن المصالح الضيقة لمجلس القيادة، فإن الفروع الخارجية تنتظر تسمية الزعيم الجديد، لأن اختياره متعلق بسبب اندماجهم مع تنظيم الدولة- أي وجود خليفة كما في تقاليد الإمبراطورية الإسلامية.
وناقش فرع تنظيم الدولة في غرب أفريقيا، وقبل مقتل البغدادي بعام شرعية زعامته، وتوصل إلى أنها ثابتة نظرا لانتخابه من مجلس محترم. وبعد عام صوت لتجديد البيعة إلى القرشي مع بقية فروع التنظيم حول العالم. وبعد عامين من قيادة القرشي الذي لم يسمعوا منه ولو مرة واحدة، فهل سيضاعفون من دعمهم لخليفته بسبب المعيار الديني الذي سينتخب عبره؟ وهل سيحصلون على نفس الدعم من الزعيم الجديد المجهول؟ وربما قررت بعض الجماعات أن الارتباط بالتنظيم لا تستحق وتقرر المضي وحدها.
وفي الوقت الذي حصل فيه جوي بايدن على انتصار كان يريده بقتل القرشي والذي كانت عملية قتله بمثابة فحص لاستراتيجية مكافحة الإرهاب "من الأفق" فهناك حاجة لاستمرار الضغط على التنظيم الذي يبدو في حالة ضعف أكثر مما كان عليه قبل ثلاثة أعوام عندما خسر مناطقه وعانى من خسارة البغدادي.
وجاء النصر في وقته، فكارثة الخروج من أفغانستان إلى جانب العدوان الصيني فوق تايوان والعدوان الروسي في أوكرانيا جعلت الحلفاء يتساءلون عن قدرة الولايات المتحدة عمل أمرين في نفس الوقت: ردع قوى عظمى وقتال الجهاديين. وبمقتل القرشي، تنفست العواصم الأوروبية الصعداء. فلو كان يخطط لهجمات على المدن الأوروبية، فالفرص الآن هي أقل من تنظيم يحضر نفسه لدراما انتخاب زعيم جديد ومرة أخرى.
إندبندنت: العراق يعتقل أكثر من ألف طفل بزعم علاقتهم بـ"داعش"
اعتقال "أم جبريل" بأمريكا بتهمة قيادة كتيبة نسائية لـ"داعش"
وكالة روسية تتهم أمريكا بفبركة أحداث سجن الحسكة بسوريا