مضت السلطات
المصرية قدما في محاكمة بعض نشطاء المجتمع المدني
وأصدرت أحكاما نهائية وصلت إلى خمس سنوات، رغم المطالب الأمريكية والألمانية ومنظمات
حقوق الإنسان الدولية والمحلية بالإفراج عنهم، ولكن القاهرة قاومت كل تلك الضغوط.
الموقف المصري المتشدد دفع الولايات المتحدة
الأمريكية إلى الإعراب عن "أسفها وخيبة أملها"، بسبب الحكم الصادر عن محكمة
أمن الدولة طوارئ المصرية، الاثنين، بحق ثلاثة من نشطاء المجتمع المدني، من بينهم الناشط
علاء عبد الفتاح، الذي قضى بالفعل خمس سنوات ما بين 2014 و2019 وأكثر من سنتين في الحبس
الاحتياطي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إن
"المسؤولين الأمريكيين أثاروا قضايا حقوق الإنسان مع نظرائهم المصريين، وأبلغوا
القاهرة بأنه يمكن تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر إذا تم إحراز تقدم في مجال
حقوق الإنسان".
المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية رد بالقول:
"ليس من المناسب إطلاقًا التعليق بأي شكل على، أو التطرق إلى، أحكام تصدر من القضاء
تنفيذًا لقوانين واستنادًا لأدلة وأسانيد دامغة وقاطعة في إطار مسار قضائي"، واصفا
إياه بأنه "عادل ونزيه ومستقل".
وقضت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ في مصر، بسجن المدون والناشط
علاء عبد الفتاح خمس سنوات، بعد محاكمته بتهمة "نشر أخبار كاذبة من شأنها تهديد
الأمن القومي"، إلى جانب المدون محمد إبراهيم المعروف بأوكسجين والمحامي محمد
الباقر بالسجن أربع سنوات في الاتهامات ذاتها.
وكانت الخارجية الألمانية قد أصدرت بيانا، تطالب فيه بالإفراج
عن الباقر وعبد الفتاح وأكسجين قبل جلسة النطق بالأحكام أمام محكمة استثنائية لا يجوز
الطعن على أحكامها، لافتة إلى أن تلك المحاكمة هي "إشارة للاتجاه الذي تتطور إليه
حالة حقوق الإنسان في مصر"، وهو ما نددت به الخارجية المصرية بشدة وأعربت عن استيائها
الشديد منه، معتبرة أنه تدخل سافر وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري.
واستنكرت منظمات حقوقية دولية وناشطون مصريون، الحكم الصادر
بحق النشطاء الثلاثة، كما وصفته منظمة "العفو الدولية" بـ"تزييف العدالة
وتذكير ببطش السلطات المصرية بالمعارضين"، فيما قالت منظمة "هيومن رايتس
ووتش" إن "القمع الشرس مازال مستمرا".
"المناورة بملف حقوق الإنسان"
في تعليقه قال البرلماني والسياسي المصري محمد عماد صابر
إن "مصر السيسي تعمل على طريقة العصابات، ليس عندها نظام ثابت تحكمه قوانين ومعايير
إنسانية ثابتة، ولذلك الأمر يحتمل أكثر من تقدير، الأول ربما تم الحكم عليهم ثم يصدر
السيسي قرارا بالإفراج فيظهر وكأنه حامي حقوق الإنسان، والتقدير الثاني أنه ربما مصمم
على سياسة الانتقام من كل من رفع رأسه بمطالب وحقوق ضد العسكر وشارك في تهديد استحواذ
العسكر على السلطة في 2011".
ولكنه استبعد في حديثه لـ"عربي21" أن يكون ذلك
تحديا مباشرا لأمريكا، قائلا: "مصر السيسي لا تجرؤ على الضغط على أمريكا ولكن
تملك الابتزاز أو المناورة من أجل التوصل لتفاهمات في موضوع تحجيم المعونة العسكرية
مثلاً أو غيرها".
وأوضح صابر: "السيسي له اتجاه واحد عبر عنه بقوله (أنا
مش سياسي) ويسير بدبابته في هذا الاتجاه ساحقاً من يعترض عليه بغية إفساح مجال للعمل
السياسي، وهذا لا يمنع أن يستخدم بعض الملفات ويوظفها سياسياً كما فعل في موضوع حسام
بهجت. في النهاية فإن المجتمع الدولي داعم له وغير جاد في حماية حقوق الإنسان إلا من بعض
الأفراد وبعيداً عن تيار الإسلام السياسي".
"دعم إسرائيلي مطلق"
من جهته اعتبر الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبو خليل أن
وقوف مصر أمام الضغوط الخارجية بشأن ملف النشطاء المعتقلين "ليس جسارة ولا تحد
من نظام السيسي، بل هم أكبر الداعمين له، وإنما رسائل إلى تل أبيب بأن القاهرة تمضي
في طريقها في ضمان أمن وسلامة دولة الاحتلال، ولكن على حساب رقاب وحريات المصريين وخاصة
الإسلاميين منهم".
وأشار في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "المساعدات
والمعونات الأمريكية لم تنقطع عن مصر إلا بشكل صوري، كل ما هنالك أن نظام السيسي قرأ
المشهد مبكرا ورأى أن الطريق إلى واشنطن والغرب يمر عبر تل أبيب؛ وبالتالي فإن الرافعة
الوحيدة له هي دولة الاحتلال الإسرائيلي والإمارات ما دام القمع يكرس حكم السيسي ويحول
دون عودة الإسلاميين فله كل الدعم".
وأوضح مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان أن "عدم مقابلة
بايدن للسيسي هي شكلية لأنه مدعوم من قبل اللوبي اليهودي أيضا، بل يمكن القول إن النظام
المصري حصل مبكرا جدا على الضوء الأخضر في مجال حقوق الإنسان ما دامت المصالح الغربية
مضمونة ومستمرة، والإسلاميون خلف الأسوار وعلى أعواد المشانق".