أثار قرار وزارة
الأوقاف المصرية بحظر جمع أي
أموال أو
تبرعات، أو مساعدات نقدية بالمساجد، ومنع وضع أي صناديق للتبرعات داخل
المسجد أو خارجه، حالة من الجدل، كما أمهلت الوزارة القائمين على
المساجد في
البلاد كافة 10 أيام، لإزالة الصناديق.
وأصدر وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، الوزير
الوحيد الباقي في مكانه منذ أول حكومة مصرية بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013، قرارا
وزاريا الجمعة، بشأن قواعد وضوابط وحوكمة عملية التبرعات العينية والنقدية
بالمساجد، يتضمن تنظيما دقيقا لعمليات التبرع بها.
وحظر القانون، في مادته الأولى، للمرة الأولى
في تاريخ البلاد، جمع أي أموال أو تبرعات أو مساعدات نقدية بالمساجد لأي سبب كان
ويُمنع منعا باتا وضع أي صناديق للتبرعات داخل المسجد أو خارجه من أي جهة أو
أفراد، وتضمنت المادة تحديد جهة التبرع، وهي حسابات تابعة لوزارة بالبنك المركزي.
ولكن القرار استثنى صناديق النذور التابعة للطرق الصوفية المختلفة
في مصر، ونص في مادته الثانية على أن يصدر رئيس القطاع الديني قرارا بمساجد
النذور، التي يسمح فيها بوضع صناديق النذور على مستوى الجمهورية خلال أسبوعين من
تاريخه.
القرار المفاجئ الذي ينهي وضعا استمر لقرون
بالتبرع داخل المساجد نقدا وعينا، الذي كانت تشرف وزارة الأوقاف عليه مباشرة من
خلال لجان تابعة لمديريات الأوقاف في كل مدينة، انتقده البعض باعتباره ضربة لجهود
التكافل والتضامن، بينما أيده البعض الآخر؛ لأنه ينظم عمليات التبرع عبر مسارات
رسمية ومراقبة وشفافة.
عزوف وإثناء عن التبرع
وتساءل محمد عبدالله، خطيب وإمام بأحد مساجد
الأوقاف بمحافظة الجيزة: "ماذا عن الفقراء وعابري السبيل والمرضى الذين
يلجؤون إلى المساجد لطلب التبرعات بعد أن انقطعت بهم السبل، وحبال المساعدة من
الناس والحكومة، هل يموتون جوعا ومرضا أم ماذا؟"
واعتبر في حديثه لـ"عربي21"؛ أن
مزاعم الأوقاف بوضع آلية تنظم التبرعات وتحقق الشفافية "مردود عليه، بأنها هي
من تشرف على تلك الصناديق، ولا تفتح إلا في وجود لجان بمديرية الأوقاف، وأي عمليات
فساد أو إهدار تسأل عليه الأوقاف، وعليها أن تمنع أولا ما يشوب فتح الصناديق من
عمليات اختلاس وسرقة، لا أن تمنع التبرعات نهائيا".
ورأى الشيخ محمد أن "فتح حسابات للتبرع
بالأوقاف يقضي تماما على رغبة التبرع لدى الناس؛ لأن المتبرع لن يذهب إلى البنك من
أجل وضع جنيه أو أكثر، والتبرع نشاط مرتبط بالذهاب إلى المسجد والاستماع إلى حلقات
الدروس التي تشجع على التصدق والبذل والعطاء".
تفريغ المساجد من الخير
من ناحيته؛ قال مستشار وزير الأوقاف السابق،
الشيخ سلامة عبد القوي: "لا أستغرب مثل هذا القرار؛ لأنه يتماشى مع سياسة
النظام العسكري، الذي دأب على سحب الصلاحيات من وزارة الأوقاف، وأهم قضية تهم
العسكر هي قضية الأموال، ومنذ عدة سنوات قامت الحكومة بتشكيل لجنة للإشراف على
هيئة الأوقاف المصرية للسيطرة على ممتلكاتها، بالمخالفة للدستور".
مضيفا لـ"عربي21": "يجب أن ننوه
إلى أن نسبة بسيطة من تبرعات الأوقاف تأتي من المتبرعين المصريين؛ لأنهم عزفوا عن
التبرع خلال السنوات الماضية لغياب الثقة في الأوقاف، النصيب الأكبر من التبرعات
يأتي من خارج مصر سواء حكومات أو شركات أو رجال أعمال، ويتم توجيهه لإدارة البر
بديوان عام الأوقاف".
وحذر عبد القوي من أن "إزالة صناديق
تبرعات الأهالي، سوف يجعل نحو نصف المساجد مهملة؛ لأنه كان يتم الإنفاق على أنشطة
المسجد واحتياجاته منها، وأذكر أن هناك 115 ألف مسجد تابعين للأوقاف تغطي الوزارة
نفقات أقل من خمسين بالمئة منها، الباقي من صناديق التبرعات، وهي خطوة نحو تقليل
عدد المساجد بعد إلغاء الزوايا".
وبررت وزارة الأوقاف قرارها بأنه يعمل على
تعزيز عمليات الدفع غير النقدي وحوكمة عملية جمع التبرعات من المساجد، في إطار خطة
مصر للتحول الرقمي.
التفريط في أموال الفقراء
وصف الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة،
الدكتور جمال عبد الستار، مسألة صناديق التبرعات في مصر بأنها "مثيرة للجدل؛ فالأموال التي كانت تحصل منها تعتبر مغنما للنهب والسرقات داخل أروقة الأوقاف، ولم
تكن تؤدي الغرض منها في عمارة مساجد الله، إلا بنسبة ضئيلة".
واعتبر في حديثه لـ"عربي21" أن
الأولى في هذه الحالة أن يتوجه المتبرعون بأموالهم إلى الفقراء والمساكين
والمحتاجين مباشرة دون الحاجة إلى صناديق أو حسابات، ولا أعتقد أن تصل الأموال إلى
مستحقيها عبر حسابات أو صناديق وزارة الأوقاف".
وأشار عبد الستار إلى "أن لدى وزارة
الأوقاف مليارات الجنيهات للفقراء، ولكن يعبث بها ولا تنفق في مصارفها التي حددتها
الشريعة الإسلامية، وحجم العبث والنهب بأموال الأوقاف التي هي أموال المسلمين أكبر
بكثير مما يتخيله البعض".