قال الكاتب والمحلل السياسي، ماجد مندور، إن رفع الدعم عن الخبز الذي أعلن عنه زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي سيضرب 63 مليون مصري، مشددا على أن "النخبة العسكرية المسنودة بعنف الدولة القمعية لم تعد تشعر بأنها ملزمة برعاية مواطنيها".
وأضاف مندور في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي"، وترجمته "عربي21"، أن ارتفاع سعر الخبز مدفوع باعتبارات سياسية لها علاقة بطبيعة الاقتصاد السياسي المصري الذي يهمين عليه العسكر، والذي يعتمد على الدين بدلاً من استغلال العمل كمحرك للنمو الاقتصادي.
ويتوقع أن تؤدي زيادة سعر الخبز إلى رفع معدلات الفقر ما بين أربعة إلى خمسة بالمائة، وهي الزيادة الثانية في أسعار الخبز التي يفرضها السيسي، بعدما جاءت الزيادة الأولى في شهر آب/ أغسطس الماضي، "متنكرة" من خلال تخفيض حجم الرغيف عشرين غراماً.
اقرأ أيضا: ارتفاع جنوني لسعر الدقيق بمصر بعد تصريحات السيسي
في الثالث من آب/ أغسطس، أعلن رئيس مصر عبد الفتاح السيسي عن نيته رفع سعر الخبز المدعوم، ناكثاً بذلك وعداً كان قد قطعه للمصريين قبل خمس سنين تعهد فيه بأن مثل هذا الارتفاع لن يحصل.
ورأى مندور أن رفع سعر الخبز المدعوم ينتهك واحداً من المحرمات في السياسة المصرية، والتي ما زالت قائمة منذ انتفاضة الخبز الدموية في 1977، حيث اندلعت تلك الانتفاضة بعد أن أقدم أنور السادات، رئيس مصر آنذاك، على زيادة سعر الأطعمة المدعومة، بما في ذلك الخبز، وأجبرت الاحتجاجات السادات على التراجع عن قراره خلال أيام قليلة.
وفي ما يأتي نص المقال:
في الثالث من آب/ أغسطس، أعلن رئيس مصر عبد الفتاح السيسي عن نيته رفع سعر الخبز المدعوم، ناكثاً بذلك وعداً كان قد قطعه للمصريين قبل خمس سنين تعهد فيه بأن مثل هذا الارتفاع لن يحصل.
من المتوقع أن تؤدي زيادة سعر الخبز إلى رفع معدلات الفقر ما بين أربعة إلى خمسة بالمائة، وذلك بناء على توقعات هبة الليثي، رئيس الوكالة المركزية للتعبئة العامة والإحصاء.
وصلت معدلات الفقر الرسمية في مصر إلى 29.7 بالمائة. ولسوف تؤدي زيادة سعر الخبز المدعوم إلى رفع الفقر إلى مستويات غير مسبوقة وسوف يؤثر ذلك على 63 بالمائة من المصريين الذين يتلقون دعماً على المواد الغذائية – والتي تشمل خمسة أرغفة خبز مدعوم لكل شخص في اليوم الواحد.
سوف تكون هذه هي الزيادة الثانية في أسعار الخبز التي يفرضها السيسي. جاءت الزيادة الأولى في شهر آب/ أغسطس من عام 2020، وجاءت متنكرة من خلال تخفيض حجم الرغيف عشرين غراماً.
لن يعود رفع سعر الخبز على الحكومة بفوائد مالية كبيرة، حيث أن دعم الخبز في ميزانية الدولة للعام المالي 2021/ 2022 يصل إلى 44 مليار جنيه مصري (2.8 مليار دولار أمريكي) – أو 2.4 بالمائة من الإنفاق الحكومي الكلي وكذلك 9.4 بالمائة من العجز المتوقع.
كما يشكل دعم الخبز فقط 4.4 بالمائة من إيرادات الضريبة الإجمالية التي تجبيها الدولة. إذا ما وضعنا هذا الرقم في السياق، على سبيل المثال، فإن تكلفة فوائد إعادة دفع القروض تصل 579 مليار جنيه مصري (ما يزيد عن 36 مليار دولار أمريكي)، أكثر من ثلاثة عشر ضعفاً من قيمة الخبز المدعوم.
إن الارتفاع في السعر مدفوع باعتبارات سياسية لها علاقة بطبيعة الاقتصاد السياسي المصري الذي يهمين عليه العسكر، والذي يعتمد على الدين بدلاً من استغلال العمل كمحرك للنمو الاقتصادي.
نهاية العقد الاجتماعي
ينتهك رفع سعر الخبز المدعوم واحداً من المحرمات في السياسة المصرية، لم يلبث قائماً منذ انتفاضة الخبز الدموية في 1977. اندلعت تلك الانتفاضة بعد أن أقدم أنور السادات، رئيس مصر آنذاك، على زيادة سعر الأطعمة المدعومة، بما في ذلك الخبز. أجبرت الاحتجاجات السادات على التراجع عن قراره خلال أيام قليلة.
القضية بالغة الحساسية من الناحية السياسية. وذلك أن العائلات المصرية تنفق في المتوسط 37.1 بالمائة من اقتصادها على الغذاء، علماً بأن العشرة بالمائة الأفقر من السكان تنفق 49.7 بالمائة. فحتى الارتفاع الطفيف في الأسعار سيكون له أثر كبير على مستويات المعيشة.
إضافة إلى ذلك، يعتبر الخبز المدعوم واحداً من البقايا المتبقية من العقد الاجتماعي المبرم بين الدولة المستبدة بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر وعموم المصريين، حيث كان يتوقع من الدولة أن توفر الخدمات الأساسية والأمن الاقتصادي مقابل الإذعان السياسي.
في هذا السياق، يعلن السيسي عن نيته التخلص تماماً من كل ما تبقى من هذا العقد الاجتماعي، وإنهاء التعاون المشترك، وبدلاً من ذلك يلجأ إلى استخدام جهاز الدولة الجبري والقمعي لإكراه الناس على الإذعان السياسي. على الرغم من السخط الشعبي الذي سيولده هذا الإجراء، لابد أنه يشعر بالثقة والحصانة الكافية لكي يبدأ بالهجوم على ما تبقى من أوجه الرعاية العامة ومن دعم السلع والخدمات، وهو هجوم أبشع بكثير مما شهدته الجولة السابقة من تخفيض الدعم.
عزم النظام على تخفيض الإنفاق العام وتقليص العجز في الميزانية مدفوع باعتبارات الاقتصاد المصري الذي يهيمن عليه الجيش الذي ساعد على تحقيق النمو الاقتصادي من خلال الاستثمار المكثف في قطاع العقارات والبنى التحتية والنقل. يشمل ذلك العاصمة الإدارية بكلفة 58 مليار دولار شرق القاهرة وخط سكة حديد جديد بتكلفة 23 مليار دولار وقناة جديدة في السويس بتكلفة 8 مليار دولار.
طبقاً للسيسي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، بلغ مجموع هذه الاستثمارات 200 مليار دولار. يتم تمويل الإنفاق الحكومي بمستويات عالية من الدين، وخاصة الدين الخارجي، الذي بلغ 36 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2021/ 2022، أي ما يقرب من 134.8 مليار دولار – زيادة ضخمة مقارنة بنسبة 14.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015.
اقتصاد كبير غير رسمي
بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 90 بالمائة في عام 2020، الأمر الذي وضع عبئاً كبيراً على ميزانية الدولة، حيث ستستهلك تكلفة فوائد الديون 31.5 بالمائة من الإنفاق في سنة 2021/ 2022. وهذا يمارس ضغطاً كبيراً على إدارة السيسي حتى تقلص الإنفاق الحكومي من أجل الوفاء بالتزامات الدين والحفاظ على سمعتها الاعتمادية فتتمكن بذلك من الاستمرار في الاقتراض.
يزيد من تعقيد هذا الوضع تراجع أداء القطاع الخاص غير النفطي، والذي ما لبث ينكمش على مدى السنوات الخمس الماضية بسبب ضعف الطلب المحلي وتراجع الطلب على الصادرات. ينجم عن ذلك إضعاف القاعدة الضريبية للدولة، مما يفاقم من الضغوط عليها لتقليص الإنفاق الحكومي.
في عام 2018 بلغت نسبة الضريبة إلى الناتج الإجمالي المحلي (وهو معيار لإيرادات ضريبة البلد بالنسبة لحجم اقتصادها) 16.7 بالمائة، وهذا أقل بكثير من معدل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي البالغ 34.3 بالمائة وأقل مما هو عليه في بلدان الجوار تونس والمغرب، حيث بلغت 32.1 بالمائة و 27.8 بالمائة على التوالي.
وكل هذا يزداد تعقيداً بوجود اقتصاد ضخم غير رسمي، يشكل ما مقداره 30 إلى 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي – وهي نسبة تفوق مع عليه حال الاقتصاديات الأخرى في الإقليم – وكذلك الطبيعة التراجعي لنظام الضريبة المصري وكل أنواع الإعفاءات الضريبية التي تمنح لعدد ضخم من المشاريع المملوكة للجيش، مما يصعب التوصل إلى نظام جباية ضريبي عادل.
تخفيضات عميقة في الإنفاق الحكومي
كما أن الاقتصاد الذي تغذيه الديون، والمدفوع بنمو يهمين عليه الجيش، يعني أيضاً أن الاقتصاد إلى حد كبير لا يتأثر بالمستويات الدنيا من الطلب المحلي والذي لا مفر من أن يتبع أي زيادة في معدلات الفقر.
على سبيل المثال، من 2015 إلى 2018، تراجع مستوى الاستهلاك لكل عائلة في مصر بما معدله 9.7 بالمائة، بينما نما الناتج المحلي الإجمالي بما معدله 4.5 بالمائة. هذا الانفصال للنمو الاقتصادي عن الاستهلاك المحلي يحرر الحكومة ويتيح لها إحداث تخفيضات عميقة في الإنفاق الحكومي.
ولا يتم تعويض الضعف في الطلب المحلي من خلال زيادة في قطاع التصدير، والذي ما لبث أداؤه يتراجع، على الرغم من التخفيض الهائل في سعر العملة في عام 2016.
وأخيراً، لا يحتاج النشاط الاقتصادي لنظام السيسي والذي يتركز على مشاريع الإنشاءات الكبرى التي تحتاج إلى كثافة في الأيدي العاملة مقابل تطوير قطاع التكنولوجيا، على سبيل المثال، إلى قوى عاملة ماهرة، تتناسب مع استثماراته في التعليم وفي التطوير البشري. ولا أدل على ذلك كم الإحصائيات الخاصة بنسب البطالة في أوساط القوى العاملة الأمية، والتي بلغت في 2019 ما نسبته 2.2 بالمائة مقارنة بنسبة 16.7 بالمائة في أوساط خريجي الجامعات.
في هذا السياق، لم يعد الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية ودعم المواد الغذائية من أجل زيادة جودة القوى العاملة شرطاً من أجل تحقيق النمو الاقتصادي. بمعنى آخر، اعتماد النظام على الدين وعلى المشاريع العملاقة يخلق حوافز على عدم الاستثمار لتحسين جودة القوى العاملة بما أن القوة العاملة الماهرة غير مطلوبة لذلك النوع من النشاط الاقتصادي الذي يشجع عليه النظام.
هذا الشكل من النمو إنما يزيد من الفقر ويقلص الطبقة الوسطى ويضعف القطاع الخاص بينما يزيد في ثراء النخب العسكرية. ولسوف يستمر انتقال الثروة من الطبقات المصرية العاملة والوسطى إلى أصحاب الديون من خلال دفعات فوائد الديون، في الوقت الذي تثري فيه النخب العسكرية ذاتها ضمن جهاز الدولة وتعتمد القمع أسلوباً لسحق الاحتجاجات.
وهذا يجعل النظام المالي الدولي ودائني النظام متواطئين مباشرين في إفقار عامة المصريين – ويحملهم المسؤولية المباشرة عن أي اضطرابات قد تنفجر في المستقبل.
أوبورن: مساعدات جُمعت ببريطانيا لغزة لا تزال محتجزة بمصر
التايمز: حروب المياه قاب قوسين أو أدنى بالشرق الأوسط
دول ترغب بالتأثير على تطور أحداث تونس.. ما موقف الإمارات؟