قضايا وآراء

الأشجار تموت واقفة

1300x600
هو أحد فرسان الضحك، أبهجنا كثيراً وأدخل السعادة إلى قلوبنا؛ ولكنه عانى الكثير من نكران الجميل وجحود الزملاء ومعاصريه.

إنه النجم الكبير إسماعيل ياسين؛ بكل بهاء تاريخه الفني الكبير والمذهل. فنان بسيط تلقائي استطاع أن يكون مع توأمه، المؤلف أبو السعود الإبياري، متوافقين ليقدما لنا الكثير والكثير من التحف الفنية؛ سواء كانت سينمائية أم إذاعية أو مسرحية.

هذا الفنان النجم الذي بلغ من الشهرة والمجد ما بلغ منتشراً في كل أرجاء الوطن العربي، حاصداً شعبية جارفة وصلت إلى درجة أن مواطناً مغربياً بسيطاً، نادى على الرئيس جمال عبد الناصر عندما كان في زيارة للمغرب؛ ليرجوه أن يحمل السلام إلى إسماعيل ياسين.

ما أجملها من رسالة، مفادها أن الفن أكثر شعبية من السياسة. بالطبع كان لا بد أن يدفع اسماعيل ياسين الضريبة، وبالفعل بدأ المنتجون يتجاهلونه بحجة أنه لا يجدد نفسه، ولا يطورها. في ذات الوقت أقامت مصلحة الضرائب ضده بلاغات تدعي التهرب الضريبي. اضطر اسماعيل ياسين بعدها، إلى التنازل عن كل ما يملك لمصلحة الضرائب، بعد أن حجزت على ممتلكاته وأمواله التي كانت في البنوك.

أصبح ذاك النجم الكبير بعدها والذي كان يعيش كأسطورة متحركة بكل ما يعنيه هذا الوصف، خالي الوفاض. مع الأسف بدأت حالته الصحية تتدهور بشكل ملحوظ بعد أن أصيب بمرض النقرس اللعين؛ والذي تضافر مع أمراض أخرى، كالسكر والقلب. واضطر إسماعيل ياسين أن يرجع لمهنته القديمة وهي فن المونولوج ليقدمه بالملاهي الليلية، واضطر أيضا أن يتنازل ويقبل بأدوار هامشية لا قيمة لها.

عاش إسماعيل ياسين في نهاية أيامه في شقة أقل من المتواضعة في مصر الجديدة. تجاهلته وسائل الإعلام والصحف، وهو الذي كان ملء السمع والبصر في سابق الأيام.. إسماعيل ياسين الذي كان الممثل الوحيد في تاريخ السينما المصرية والعربية الذي تُسّمى أفلامه باسمه شخصياً..

إسماعيل ياسين في الجيش..

إسماعيل ياسين في الأسطول..

إسماعيل ياسين في الطيران.. إلخ..

لكن يبدو أنه كانت هناك رغبة ملحة في تهميشه ومحاصرته.

رحل إسماعيل ياسين عن عالمنا إثر نوبة قلبية حادة.. رحل وهو يشعر بالجحود والإهمال والخذلان.

لكن إسماعيل ياسين أبداً لم يكن قامةً تنحني، فالأشجار دائماً تموت واقفة.