قضايا وآراء

مصالح الأردن الحيوية تمرّ عبر حيّ الشيخ جرّاح والقدس

1300x600
أعلنت وزارة الخارجية الأردنية في 29 نيسان (إبريل) الماضي تصديقها على 14 اتفاقية كانت وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية عقدتها سابقاً مع وكالة "الأونروا" وأهالي حي الشيخ جراح عام 1954، قضت بتعاقد الأردن مع وكالة "الأونروا" لإعمار 28 وحدة سكنية للفلسطينيين المهجّرين إلى حيّ الشيخ جراح بعد نكبة العام 1948. ولكن بسبب حرب العام 1967 والتي أدت لسقوط الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي، لم تتمكن الأردن من إتمام إجراءات التمليك للفلسطينيين.

بناء على ذلك، وبحكم أن الضفة الغربية كانت تحت السيادة الأردنية، وبحكم أنها الآن أراضٍ تحت الاحتلال؛ فإن العديد من الحقوقيين والمختصين في القانون الدولي يرون أن المملكة الأردنية الهاشمية تستطيع التوجه بمفردها أو بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية للادعاء على الاحتلال الإسرائيلي بمخالفته واقعة الملكية المذكورة، وبارتكابه جرائم ضد الإنسانية.

وإذا كان مستوى الثقة في السلطة الفلسطينية يكاد يكون منعدماً بضعفها وعجزها وضحالة مصداقيتها الوطنية بحكم التجربة، فإننا سنأخذ النقاش في البحث عن الفرص للدفاع عن حي الشيخ جراح في سياق الحديث عن مصالح الدولة الأردنية؛ فالأردن كما تحدثنا في المقدمة يُعدّ طرفاً في الأزمة ويقف على زاوية قانونية صلبة، كما أنّ له مجموعة من المصالح الداخلية والخارجية بالتقاطع مع ملف القدس وحي الشيخ جراح تحديداً، وذلك على النحو التالي:

أولاً ـ من المعلوم في السنوات الأخيرة، سيّما فترة الرئيس ترامب، أنه جرت محاولة لمعاقبة الأردن على رفضه صفقة القرن، بسعي الاحتلال الإسرائيلي لإضعاف رعايته للمسجد الأقصى لصالح بعض الأنظمة الخليجية في سياق التقارب الذي حصل بينها وبين الكيان المحتل. ولعل تخوف الأردن على دوره ورعايته للمقدسات الإسلامية والمسيحية دفع العديد من مسؤوليه، وفي أكثر من مناسبة، للتحذير من المساس بالدور التاريخي للأردن في القدس.

ثانياً ـ الأردن وبحكم علاقاته التاريخية بفلسطين، لعب أدواراً متعددة في الإقليم عبر البوابة الفلسطينية، أدواراً لها وعليها، لا سيّما مسار التسوية السياسية، والموقف من صفقة القرن، ورفض التوطين وفكرة الوطن البديل. وأمام تراجع دور الأردن في حقبة الرئيس ترامب المنصرف، فإنه بات من مصلحته الآن العمل على استعادة دوره ووزنه في الإقليم عبر القضية الفلسطينية في ظل ولاية الرئيس جو بايدن الذي حرص على التواصل مع الملك عبدالله والتأكيد له على تمسك واشنطن بحل الدولتين. ولعل القدس هي أحد أهم المداخل لتفعيل دور الأردن في الإقليم.

ثالثاً ـ تراجع دور الأردن الإقليمي بالتوازي مع تزايد المشاكل الاقتصادية الداخلية خاصة مع انتشار وباء كورونا في العالم وتعاظم نسب الفقر والبطالة، إضافة إلى التباينات الداخلية الحاصلة عقب أزمة العلاقة مع الأمير حمزة، بات النظام الأردني بحاجة لاستعادة زمام المبادرة وثقة الجماهير عبر وصفةٍ تشكل نقطة إجماع لدى الشعب الأردني، وأعتقد أن فلسطين والقدس والدفاع عن المسجد الأقصى تشكل أحد أهم تلك النقاط.

من هنا فإن تفعيل الأردن لدوره في الدفاع عن القدس، وحي الشيخ جرّاح، خاصة بعد انصراف الرئيس ترامب، وضعف بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد والعاجز عن تشكيل حكومة عقب انتخابات برلمانية رابعة في أقل من سنتين، يُعدّ فرصة سانحة للأردن لتعزيز حضوره الإقليمي والمحلي، كما هو فرصة للفلسطينيين للدفاع عن حقوقهم الوطنية بدعم عربي.

وهذا يستدعي من الأردن الذهاب باتجاه تحذير الاحتلال من مغبة الاستمرار بسياساته التهويدية في القدس وصولاً للتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية دفاعاً عن ملكية الفلسطينيين لحي الشيخ جرّاح، ما يُشكّل رادعاً وسبباً لتراجع سياسات الاحتلال العنصرية ضد الفلسطينيين في القدس، والتي إن استمرت فإنها لا محالة ستفجّر الوضع في المنطقة والتي لن ينجو أحدٌ من آثارها وفي مقدمتها الأردن.