ما الفرق بين القاتل المُستأجر ومن يستأجره ويحرضه ويدعمه ويساعده على الإفلات من العقاب؟! في النتائج هناك تقارب يرقى إلى مستوى التماثل، وفي التفاصيل هناك فروق في الأساليب والأدوات والمُجْريات.. وكل يتحمل عبء الجريمة وفق حكم قضاء متمكِّنٍ ونزيه ومنصف، ولا نتكلم هنا عن الضمير فضمائر المجرمين من في حكمهم خَرِبة.
وحين يكون هناك تكوين عنصري مشترك بين القاتل والمُحرض على القتل والحامي من العقاب، وهدف مشترك لهم، وتواطؤ تام بينهم في التخطيط والتنفيذ ومواجهة التَّبِعات، وتوزيع للمهام والأدوار بين الآمر والمنفذ والمساعد والحامي من العقاب.. فإن الجريمة بكاملها وتكاملها، "نهجاً وأمراً وتخطيطاً وتنفيذاً ودعماً"، تقع على عاتق شركاء متماثلين متكاملين.
وترقى الجريمة إلى مستوى الإبادة "المادية ومعنوية، الجسدية والروحية"، حينما تتم ضد شعب ووطن وقضية وحق تاريخي باستهداف منهجي فهي في هذه الحالة إبادة جماعية بكل المفاهيم والمقاييس، تقوم بها قوة، " دولة أو سلطة" وتساندها في ذلك قوى أُخرى.
وهذا ما نحن بصدده في سياسات وممارسات العنصريين الصهاينة وشركائهم الاستعماريين ومؤيديهم الأمريكيين والأوروبيين وغيرهم.. وهي جريمة منهجية مسلسلة مدروسة وتُنفذ منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل/سويسرا يوم ٢٩ آب ١٨٩٧.. فتلك سياسات إجرامية تنطوي على إبادة مادية ومعنوية، مستمرة منذ ذلك التاريخ بتواطؤ استعماري غربي وإرهاب صهيوني منظم ضد الشعب الفلسطيني ووطنه التاريخي فلسطين وهويته وذاكرته وحقوقه ووجوده وضد الأمة العربية..
وقد دفع الفلسطينيون خاصة ثمناً فادحاً وتعرضوا لما لا يُحتمل أو يُطاق، ولم يبق لهم من وطنهم شبر واحد غير محتل ولا شخص غير مُستهدف، وشُرِّد أكثر من نصف ذلك الشعب والباقي في المعتقلات والسجون الصغيرة والكبيرة بحجم وطن، يرزحون تحت الاحتلال ويمارس ضدهم الاضطهاد والإرهاب والتصفيات الجسدية والمادية والمعنوية أمام العالم كله.
إن شعب فلسطين، رغم النكبات والاحتلال والاضطهاد والحصار والمعاناة لم يتوقف عن التمسك بحقه المقدس في وطنه، وعن أن القدس عاصمته الأبدية ورمز قضيته العادلة، وعن حقه في تقرير مصيره في وطنه التاريخي المحرَّر فلسطين بحرية تامة..
وفي القدس خاصة وفي فلسطين عامة تتنامى العنصرية الصهيونية المدعومة بعنصرية أمريكية "الإنجيليين وغيرهم من العنصريين"، ويستمر الإرهاب والقتل وسلب الأرض والحق ضد الشعب الفلسطيني، ويتسارع برنامج الإبادة المنظمة ويتوسع ويؤقَّت ويوظَّف لحلَّ الأزمات وحسب حاجة الأحزاب والحكومات الصهيونية المتعاقبة، وحسب رغبات وطموحات شرائح المتطرفين، ووفق مصالح الزعامات الصهيونية والمتطلعين إلى الزعامة والطامحين للقيادة..
ويكون الثمن دائماً دم فلسطني وأرواح بريئة وقتل وجراح عميقة واستيلاء على الأراضي والممتلكات، وتهويد وترحيل وتشتيت وقمع، وتعذيب في معسكرات اعتقال وسجون يقضي بعض الداخلين إليها حياتهم ويخرج من السجن إلى القبر.. وكلُّ ذلك مسكوت عنه ويُغطَّى من دول كبرى وأخرى تابعة ومنافقة وخائفة تتلطَّى تحت عبارة بائسة تجافي الواقع والعدل والحق تقول بلسان القوة الأمريكية العمياء والإدارات العنصرية الحمقاء "إن لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها"؟! ويتضمن هذا الموقف المشين الذي يتبناه "المجتمع الدولي بالسكوت على الأقل" أنه ليس من حق الفلسطيني الدفاع عن نفسه ولا رفع الصوت بالشكوى مما يتعرض إليه.. وهكذا يرين الصمت على الدم المُراق والضحايا الأبرياء وتستمر الجريمة / الإبادة.. وتحلِّق في فضاء السياسة والدبلوماسية والإعلام العالمي ذرائع ومواقف تحمي القَتلة والإرهابيين والعنصريين، وتغطي مسلسل الإبادة المستمر منذ قرن وربع القرن من الزمن ضد شعب وتضحياته وبطولاته وتمسكه بأرضه ووطنه وحقوقه، وضد أعدل قضية من قضايا العالم المعاصر.
هذه الأيام الرمضانية، وفي أحداث "باب العمود أو باب دمشق" في القدس، أراد الإرهابي الصهيوني بنيامين نتنياهو وحزبُه وحكومته ومتطرفوه وشرطته وجيشه المُجرد من الأخلاق.. استنزاف دمٍ فلسطينيٍّ جديد في القدس وغزة التي ناصرت شباب القدس في وقفة شبابها المشرفة التي وقفوها دفاعاً عن وجودهم في مدينتهم وعن الأقصى في موقع باب العمود.. ونتنياهو المجرم يقدم الدعم المطلق لإرهابيين عنصريين منظمين ويحركهم في القدس والضفة والخليل، وهم جهة وواجهة من الجهات والواجهات العنصرية التي تستخدم لتنفيذ المشروع الصهيوني المستمر..
وقد تنامى دور هذه المنظمات الإرهابية في كل فلسطين المحتلة. وفي القدس على الخصوص تنامى بشكل ملحوظ دور منظمة " لاهافا أو ليهافا= حراس الكرامة اليهودية؟!؟!" بزعامة الحاخام الإرهابي "بنتسي غوفشتاين" الذي يحيي دور مئير كاهانا، وأيد ودعم وأعلى شأن المجرم باروخ غولد شتاين مُرتكب المذبحة ضد المصلين المسلمين وهم ركَّع سجود في صلاة الفجر في الحَرَم الإبراهيمي في الخليل، ويدعم ويحرك مجرمين إرهابيين عنصريين من هذا النوع، وهو معروف بذلك ولا يوقفه أحد، وقد قال فيه المحامي اليهودي أوري نيروب: "إن تصريحاته عنصرية ومحرضة بشكل ممنهج ضد العرب، ويصفهم بالسرطان الذي يجب استئصاله، ويطالب بمنع تشغليهم أو تأجيرهم لبيوت، ويحارب أي إمكانية للعيش المشترك".. وغرفشتاين هو وريث الحاخام المجرم "مئير كاهانا" الذي أسس منظمة "كاخ".. ومعه قادة سابقون من "كاخ" منهم محاميه الخاص "إيتمار بن غفير"، و"باروخ مارزيل" اللذين كانا من قادة تلك المنظمة الإرهابيّة التي شعارها "طرد الفلسطينيين"؟! أي طرد ما تبقى منهم في وطنهم التاريخي فلسطين.
و"لاهافا" وغيرها من المنظمات الإرهابية المدعومة من نتنياهو والحكومة والشرطة كلٌّ منها تقوم بجولة من جولات الاضطهاد والقتل لطرد الفلسطينيين من وطنهم وتنفذ مسلسل الإبادة الصهيوني ضدهم. والشرطة سمحت لـ "لاهافا" بفعل ما فعلت في باب العمود، وقد أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى هذا في مقال لغيورا آيلاند بتاريخ ٢٦/٤/٢٠٢١ جاء فيه "تسمح الشرطة لمنظمة عنصرية مثل لاهفا، بإشعال شرارة في منطقة باب العامود في شهر رمضان، فلا غرو أن يؤدي الأمر إلى اضطرابات وعنف"..
ونشرت ها آرتس بتاريخ ٢٦/٤/٢٠٢١ مقالاً لروغل ألفر جاء فيه: " يجب على مواطني إسرائيل النظر مباشرة إلى حرب الشوارع الفاشية في العاصمة التي تحمي فيها شرطة الابرتهايد الفاشيين اليهود: هذا هو مستقبلكم. وأضاف: " القدس ـ رام الله ـ غزة مثلث أضلاعه مرتبطة مع بعضها بشكل قوي. مثلث مجموع زواياه يشكل جهنم.".. وحمل نتنياهو مسؤولية حماية الإرهابيين ودعمهم.
ودور نتنياهو وحكومته في هذا ليس جديداً فقد كشف تقرير "إسرائيلي"، أعدته المحامية نوعم فيلدر، وصدر في آذار ٢٠١٧ عن منتدى "شارة ثمن"، ونشره موقع يسرائيل بالس، "أن حكومة بنيامين نتنياهو تقدم دعماً مالياً لمنظمات يهودية إرهابية على رأسها منظمة "لاهفا" التي يتزعمها الحاخام بنتسي غوفشتاين".. ولاهفا هي التي اعتدت على الشبان الفلسطينيين في باب العمود وقامت بالأحداث الأخيرة في مدينة القدس مدعومة من الشرطة وهي ترفع شعار" الموت للعرب".
وجاء في التقرير المشار إليه أن "لاهفا" نفذت عمليات اعتداء ممنهجة على الفلسطينيين في المدن المختلطة، ومما قامت به حملة ضد سائقي الحافلات من الفلسطينيين تحت عنوان: ليس من الأفضل ألا يكون المِقوَد بين يدي محمد.".
وتقدم الحكومة الإسرائيلية دعمها السخي لهذه المنظمة ولغيرها من المنظمات الإرهابية في الضفة الغربية والقدس وغيرها من مدن وبلدات..". وممن يتلقى الدعم الحكومي لتنفيذ سياسات "إسرائيل" عدا المستوطنيين وشباب التلال في الضفة الغربية الذين يعتدون على الفلسطينيين ويستولون على الأرض ويقومون بأبشع أعمال الإرهاب والتخريب والقتل والنهب. وممن أشار إليها التقرير من مؤسسات إرهابية أخرى تتلقى الدعم الحكومي: [ مدرسة "عود يوسي فحاي" التي يديرها الحاخام إسحاك شابيرا الذي يجيز "قتل الأطفال الرُّضع من العرب".. ومنظمة "حنينو"، التي تقدم الدعم لنشطاء التنظيمات الإرهابية الصهيونية الذين يتم توقيفهم، وضمنهم عامي بوبر الذي قتل تسعة من الفلسطينيين، ولتنظيم "بيت عاين"، ولعوائل الإرهابيين الصهاينة، ولمنظمات اليمين المتطرف التي تحرض على العنف والكراهية ضد العرب. وقالت فولدر "إن المعطيات تقدم صورة قاتمة جداً حول دور الحكومة في تمويل أنشطة منظمات إرهابية تعمل ضد التعايش المتشرك مع الفلسطينيين.
يعيش الشعب الفلسطيني محنة مستمرة تحت الاحتلال الصهيوني الذي يفتَك به في وطنه المحتل فلسطين، ويلاحقه في الشتات، وفي القدس عاصمته ورمز قضيته وقدس أقداسه.. ويدفع ثمن التآمر عليه وعلى وطنه وأمته من قوى ودول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، شريك الصهاينة العنصريين في اضطهادهم وإبادتهم للفلسطينيين جسدياً
منذ قرن من الزمن والفلسطينيون يتعرضون للاضطهاد ولمسلسل الإبادة الجماعية البطيئ الممنهج الذي ينفَّذ ضدهم، ويدفعون من دمهم وأرواحهم وحياتهم ثمن العدوان والاضطهاد والتآمر والاستلاب والتمييز العنصري الذي يحاصرهم ويفتك بهم..
ومنذ ثلاثة وسبعين عاماً وكيان الإرهاب الصهيوني العنصري "إسرائيل" يرتكب المجازر ويدمر المدن والقرى الفلسطينية ويستهدف الوجود الفلسطيني والهوية والتاريخ ويكذب ويفتري، ويجد من يناصره ضد شعب أعزل يُستَهدَف وطنُه وعقيدته وانتماؤه ووجودُه..
وخلال كل تلك السنوات المرة يعيش الشعب الفلسطيني محنة مستمرة تحت الاحتلال الصهيوني الذي يفتَك به في وطنه المحتل فلسطين، ويلاحقه في الشتات، وفي القدس عاصمته ورمز قضيته وقدس أقداسه.. ويدفع ثمن التآمر عليه وعلى وطنه وأمته من قوى ودول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، شريك الصهاينة العنصريين في اضطهادهم وإبادتهم للفلسطينيين جسدياً ومادياً ومعنوياً، لأن تلك الدولة العظمى لا تكتفي بتعطيل الإرادة الدولية حين يُراد لها أن تفكّر، مجرد تفكير، في وضع حد لمعاناة الفلسطينيين وإيجاد حل لقضيتهم المُزمنة، بل تعاقب من يفكر بذلك، ومَن ينتقد ممارسات " إسرائيل" المدلَّلة، بل وتعاقب من يفعل ذلك، وقد عاقبت محكمة الجنايات الدولية ذاتها لأن الأخيرة قررت في وقت متأخر جداً، النظر في إمكانية فتح تحقيق في عدوان "إسرائيل" وممارساتها العنصرية ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس؟!
أليس هذا منتهى العار لدولة تزعم أنها، أو تريد أن تكون، قيادة وأنموذجاً للعالم ومدافعاً عن الحقوق والحريات فيه؟! هل نسيت تلك الدولة العُظمى تاريخها؟! أليست وهي سيدة الإبادات لشعوب على رأسها الهنود الحمر، وسيدة التمييز العنصري ضد الأفارقة السود وبقية الملونيين؟! إنه لمما يؤلم ويؤسف أن يسكت العالم على هذا وينساه أو يتناساه، وإنه لمن البالغ حد المأساة أن يشارك عرب، يُحسبون على العرب تلك الدولة وربيبتها "إسرائيل" في التواطؤ ضد الفلسطينيين وقضيتهم، وضد أمتهم العربية وقضيتها المركزية، قضية فلسطين.
إن شعب فلسطين، رغم النكبات والاحتلال والاضطهاد والحصار والمعاناة لم يتوقف عن التمسك بحقه المقدس في وطنه، وعن أن القدس عاصمته الأبدية ورمز قضيته العادلة، وعن حقه في تقرير مصيره في وطنه التاريخي المحرَّر فلسطين بحرية تامة.. وفي كل مواجهة وموقف كان وما زال يدفع الثمن الفادح ويبدي الاستعداد للتضحية في سبيل التحرير والاستقلال والحرية والبقاء والعيش بكرامة، وينعكس عليه العجز العربي والتواطؤ الدولي.. وهو اليوم من معركة إلى معركة، ومن انتفاضة إلى انتفاضة، ومن هَبَّة إلى هَبَّة من أجل الأقصى والقدس التي شهدت منذ أيام انتصار الإرادة الشبيبيّة الفلسطينية على الاحتلال وإراهابه وزعرانه وأجبرته على إزالة حواجزه الحديدية من ساحة باب العمود، كما كانت انتصارات من سبقهم من المقدسيين في باب الأسباط حين أجبروا الاحتلال على إزالة البوابات الإلكترونية من مداخل المسجد، وفي إعادة افتتاح مصلى باب الرحمة عام 2003، وفي معركة النفق تحت الأقصى المبارك التي كلفت مئة شهيد.. وكلها مواجهات بالدم واللحم والعظم لسلاح الهمجية والعنصرية والكراهية، مواجهات العين للمخرز، انتصار الشعب الأعزل الحر على المحتل، انتصاراً يجدد العزم على تحقيق انتصار إلى أن تتحرر الأرض ويتحرر الإنسان.
لقد أجبر شبابُ القدس نتنياهو وحكومته ورعاعه على التراجع في باب العمود، وأظهروا عزماً وثباتاً وشجاعة نعتز بها جميعاً ونهنئهم عليها، ونذكر المحتل الصهيوني بأن الزمن لا يميت القضية بل يحييها بعزم أهلها وتصميمهم على التمسك بالحق والأرض والكرامة.. وينبغى أن تكون مواقفنا مع أهلنا وشبابنا في فلسطين أكثر من الكلام والثناء والاعتزاز.. إن علينا أن نحمل كما حملوا وحمل غيرهم من المجاهدين الفلسطينيين من قبلهم عبء القضية وحلم المستقبل، وأن نذكر عند كل تضحية وموقف صعب وصيَّة ذلك البطل الفلسطيني شبه المنسي أبو جلدة ورفيقه العَرميط، ونردد كلماته حينما قال، وهو يتقدم إلى حبل المشنقة في الثلاثينيات من القرن العشرين، غير آبه بالضابط البريطاني:
" بخاطركم يا شباب.. فلسطين أمانة في أعناقكم.. إيّاكم أن تفرطوا في حَبَّة رمل من أرض فلسطين".