"الإهمال،
الفساد، الفشل".. ثلاث كلمات تلخص الحالة
المصرية تحت حكم
السيسي خلال الأسبوع الماضي.
خلال الأيام الماضية عاشت مصر حالة غير مسبوقة من الأزمات الداخلية والخارجية أيضا، جعلت منها خبرا رئيسيا في شريط الأخبار العاجلة في العديد من القنوات الإخبارية العالمية؛ بعد توقف
الملاحة في قناة السويس، ووفاة ما يقارب الأربعين مواطنا نتيجة حادث اصطاد قطارين في محافظة سوهاج، وسقوط عقار كبير في العاصمة المصرية، القاهرة.
توقفت الملاحة في قناة السويس، الممر الملاحي الأهم في العالم، والذي تمر منه يوميا 10 في المئة من إجمالي البضائع والسفن حول العالم، والسبب هذه المرة ليس حربا بين دولتين كما حدث في حرب 1976 بين مصر وإسرائيل، ولكن السبب هي تلك السفينة العملاقة إيفر جيفن والتي جنحت ظهيرة يوم الثلاثاء (23 آذار/ مارس) لتغلق الممر المائي أمام أكثر من خمسمائة سفينة لا زالت تنتظر العبور.
"هذه السفينة سيئة السمعة".. يبدو أن هذه الفكرة التي
قالها أحمد موسى، وهو أحد الإذرع الإعلامية المصرية المقربة من النظام، تلخص لنا طريقة تعامل النظام المصري مع أزمة توقف الملاحة في قناة السويس. البيانات الرسمية في البداية تحدثت عن عاصفة بحرية وأن الرياح هي المتسبب الرئيس في انحراف السفينة، ولكن سرعان ما تغيرت الرواية لتشير الى احتمالية وجود خطأ بشري، ثم انطلقت الأذرع الاعلامية لتتحدث عن نظرية المؤامرة وبأن تلك السفينة والشركة التي تملكها لديهما تاريخ أسود من الانحرافات والحوادث.
أزمة توقف الملاحة في قناة السويس كشفت ضعفا كبيرا يعاني منه الإعلام المصري المقرب من نظام
السيسي، فعلى الرغم من الدعم المالي والسياسي الذي يحصل عليه هذا الإعلام، إلا أن التجرية أثبتت فشل هذا الإعلام في تغطية ما يحدث من توقف الملاحة في قناة السويس. غياب الشفافية كانت السمة الغالبة على تغطية هذا الإعلام، وظهر هذا بوضوح في مانشيتات العديد من الصحف الموالية للنظام، والتي تحدثت منذ أيام عن إعادة قتح الملاحة مرة أخرى في قناة السويس وأن الأزمة قد انتهت بفضل مجهودات النظام متمثلا في هيئة قناة السويس.
في الوقت الذي كانت قنوات وصحف العالم تتحدث عن توقف الملاحة في قناة السويس والسعي وراء تقديم حلول منطقية وغير منطقية، كما فعلت شبكة سي إن إن في استطلاع آراء مجموعة من الأطفال عما لديهم من حلول وأفكار لإعادة تعويم السفينة، كان الإعلام المصري يتحدث عن عظمة وأهمية موقع مصر الجغرافي الذي ظهر جليا في اهتمام العالم بأزمة توقف الملاحة في قناة السويس.
ربما كان مبرر النظام أن ما حدث في قناة السويس هو أزمة عابرة ولن تتكرر مرة أخرى، ولكنه لم يستطع تبرير الكارثة الأكبر التي حدثت في أقل من أربع وعشرين ساعة عندما اصطدم قطاران بمحافظة سوهاج، وراح ضحية هذا الحادث 32 شخصا وأصيب أكثر من 150 آخرين.
كارثة قطار سوهاج أثبتت مرة أخرى فشل هذا النظام في مواجهة أزماته الداخلية، والسيسي الذي اعترف ببنائه قصورا رئاسية وأنفق مليارات الدولارات في إنشاء عاصمة ادارية جديدة، ورفع ديون مصر الخارجية الى أكثر من 120 مليار دولار في سبع سنوات، ورفع الدين الداخلي إلى ما يجاوز أربعة تريليونات جنيه، هو نفسه السيسي الذي رفض إنفاق ما يقارب عشرة مليارات دولار لتطوير هيئة السكك الحديدة، وطالب بوضعها في البنوك كي يحصل منها على فوائد قيمتها مليارا جنيه في العام الواحد.
قطاع السكك الحديدية في مصر يعاني منذ عقود وهذه حقيقة، ولكن تكرار
الحوادث في عهد السيسي هو مؤشر خطير على الإهمال الجسيم الذي يعاني منه هذا المرفق المهم، والذي يستهدمه ملايين المصريين بشكل يومي. السيسي عيّن ضابطا من أهم ضباط القوات المسلحة على حد قوله، وهو كامل الوزير، وزيرا للنقل. ولم نعرف للفريق كامل الوزير قبل ذلك خبرة في قطاع النقل والمواصلات، فالرجل كان رئيسا للهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، ولكنه من أهل الخبرة والولاء لدى السيسي ولا يهم كثيرا إن كان من أهل الكفاءة أم لا.
المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري نادر سعد أكد أنه تم تخصيص 56 مليار جنيه لتطوير السكك الحديدية، منذ عام 2014 وحتى 2020، نافيا تقصير السيسي وحكومته. ولكن اللافت أن نسبة
حوادث القطارات منذ 2014 وحتى 2021 قد ارتفعت بشكل ملحوظ. ففي آذار/ مارس 2015 وقع حادث تصادم قطار السويس بأتوبيس مدرسة ابتدائية، ما خلف سبعة قتلى و26 مصابا. وفي منتصف 2015 وقع حادث قطار بني سويف والذي أدى لإصابة سبعين شخصا. وفي عام 2016 لم يختلف الأمر كثيرا، ففي كانون الثاني/ يناير 2016 اصطدم قطار العياط بسيارة وتسبب فى وقوع سبع وفيات وثلاثة مصابين، وفي شباط/ فبراير من العام نفسه وقع حادث قطار في محافظة بني سويف، وأصيب 71 شخصا في الحادث..
ظلت حوادث القطارتات في مصر في ارتفاع مستمر حتى وصلنا إلى الحادث المروع في 27 شباط/ فبراير 2019، عندما اصطدم قطار بالحاجز الإسمنتي في محطة القاهرة الرئيسية برمسيس، مما أودى بحياة 30 شخصاً على الأقل، ما دفع وزير النقل هشام عرفات إلى الاستقالة.
لو حدثت هذه الحوادث في ظل رئيس آخر غير عبد الفتاح السيسي لأقام الإعلام المصري ثورة أمام الشاشات، ولدعا المصريين للنزول إلى الشارع لخلع الرئيس الفاشل، وهو ما حدث بالفعل في عهد الرئيس المصري الراحل
محمد مرسي عندما وصفه الإعلام المصري آنذاك بالفاشل العاجز الذي يتحمل مسئولية تلك الدماء ويجب عليه الاستقالة فورا. ولكن يا للعجب، قد خرست ألسنة هؤلاء وسكتوا أمام فشل السيسي الواضح.
أزمات مصر في الأسبوع الماضي لم تتوقف عند هذا، بل امتد الأمر لانهيار عقار كبير في القاهرة مكون من 13 طابقا، ما أدى إلى وفاة ثمانية مواطنين وإصابة العشرات. المشاهد التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي كشفت تأخرا شديدا من المسئولين في الدولة بمساعدة المصابين وانتشال الجثث، ما دفع الكثيرين للسؤال عن أسباب هذا الفشل في التعامل مع كارثة إنسانية كهذه.
أسبوع صعب مر على المصريين كان عنوانه الفشل، والإهمال، والفساد الذي بات أهم ما يميز نظام عبد الفتاح السيسي في السنوات الأخيرة.
twitter.com/osgaweesh