انتفض المذيع باسم يوسف غضبا من اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكونغرس الأمريكي في كانون الثاني/ يناير الماضي، وكتب عدة تغريدات غاضبة حول ما حدث، يدعو فيها إلى القبض على كل من شارك في الاقتحام، وملاحقتهم في كل زاوية. كما دعا للتعامل مع كل من يرفع علم ترامب على أنه "خائن"! متهما جميع مؤيدي الرئيس المنتهية ولايته، وعددهم أكثر من 70 مليون أمريكي، بأنهم شاركوا في الوصول إلى هذا الموقف! وفي تغريدة أخرى، دعا باسم بقوة إلى محاسبة معاقبة ترامب وأنصاره وإلا "ستزول الديمقراطية الأمريكية كما نعرفها من الوجود" على حد قوله.
حماسة باسم يوسف للدفاع عن الديمقراطية الأمريكية أمر محمود بالطبع، وإن كانت تشوبه شائبة التحريض على معاقبة ملايين الأمريكيين من أنصار ترامب، والتعميم الفج عبر اتهام كل من يؤيد ترامب بأنه خائن، وهو خطاب يوضح أن باسم لم يتعود بعد على ممارسة الديمقراطية بشكل راق، كما يفترض من مذيع أيد ثورة يناير ويتابعه الملايين. كما يدل على أن باسم لم يتعلم بعد الدرس من تورطه في تأييد ما حدث في
مصر بعد 3 يوليو/ تموز 2013، وأنه لم يراجع مواقفه ولم تتطور آراؤه حتى الآن.
انتفاضة باسم "الديمقراطية" تبدو معاكسة تماما لما كان يكتبه ويصرح به عقب الانقلاب العسكري في مصر، والذي كان من أكبر مؤيديه. فقد شن حملة شرسة على معارضي الانقلاب، واتهمهم بأنهم يتعمدون نشر الفوضى في أرجاء البلاد، حتى تقتلهم قوات الأمن من أجل نشر دعاية سلبية عما حدث في مصر! ففي الخامس من تموز/ يوليو 2013، وبعد مقتل خمسة متظاهرين أمام دار الحرس الجمهوري، قال حينذاك في تغريدة باللغة الإنجليزية إن قيادات الإخوان يرسلون شبابهم للموت أمام مقرات الجيش ليحولوا أنفسهم إلى ضحايا. وإن دماءهم التي أسيلت هدفها الدعاية، مختتما التغريدة بوسم "ليس انقلابا". كما حفلت مقالات باسم يوسف في صحيفة "الشروق" المصرية بكلام من هذه النوعية، فقد اتهم الإخوان في إحدى هذه المقالات بتعمّد أداء الصلاة في رمسيس حتى تأتي الشرطة وتعتدي عليهم حتى يكتسبوا تعاطف الجماهير!
هاجم باسم بعد ذلك عددا من سياسات النظام الجديد، الذي أجبره بعد ذلك على إنهاء برنامجه ومغادرة مصر، وهو أمر يحسب له، لكنه لم يقدم كشف حساب لما تورط فيه طوال أشهر، ولم يعتذر أو يقر بأي خطأ ارتكبه، ويرد على كل من يدعوه لذلك باستعراض أخطاء الإخوان، وكأن كل من ينتقده ينتمي للجماعة، وكأن أخطاء الإخوان تبرر ما قام به.
قدم باسم عام 2016 برنامجا جديدا بعنوان "كتيب الديمقراطية"، ينتقد فيها عددا من السلبيات في المجتمع الأمريكي، لكنه في نفس الوقت رفض الحديث عما يحدث في مصر من انتهاكات صارخة، بحجة أنه لا يريد الحديث عنها وهو خارجها، وكأن وجوده في الخارج يعطيه المبرر للانسحاب وعدم الكلام عن المشهد الذي ساهم في صناعته.
تقمص باسم دور
الإعلامي الموضوعي الذي يقف على مسافة واحدة بين كافة الأطراف، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، فقد انضم لقناة "الشرق للأخبار" ليقدم برنامجا فيها من دبي، وكان قد عمل سابقا في قناة "إم بي سي مصر" السعودية، وقبلها قناة "سي بي سي" المملوكة لمحمد الأمين، الممول خليجيا كذلك، وأحد كبار رجال الأعمال في عهد المخلوع مبارك. كل هذا لم يجد فيه باسم أي غضاضة، ولم ير فيه أي تحيز واضح، لكنه يعتبر أن الحديث عن مصر وهو خارجها خط أحمر لا يجب أن يتجاوزه، وكأنه جريمة.
ليس هذا فحسب، بل قرر باسم أواخر العام الماضي، أن يزايد على المعارضين ووسائل الإعلام التي تبث من الخارج، مستعينا بنفس خطاب أنصار النظام المصري تجاههم من تشكيك في نواياهم، عندما كتب على صفحته، واصفا إياهم بأنهم "هاربون" وكأنهم متهمون فعلا بتهم حقيقية وليست ملفقة. ورغم أنه أقر بأن هؤلاء دفعوا ثمنا كبيرا لمعارضتهم، جراء القبض على عدد من أفراد أسرهم، إلا أنه لم يتحدث عن الجهة التي قامت باعتقالهم، ولم يوجه إليها كلمة عتاب واحدة، بل استمر في توجيه النقد واللوم للمعارضين، متهما إياهم بالأنانية لأن معارضتهم أدت إلى القبض على أقربائهم! أي أنه يلوم الضحايا ويترك الجاني، متناسيا أن هؤلاء من حقهم تماما أن يعارضوا، وأن من يقوم باعتقال أقربائهم هو المسؤول، وأن هؤلاء المعارضين إذا صمتوا، فإنهم بذلك سيكونون قد حققوا هدف النظام من تلك الاعتقالات.
كما هاجم باسم من سماهم "مذيعي المعارضة المصرية" في الخارج، قائلا إنه عرض عليه ميزانية مفتوحة لإنتاج برامج تهاجم السلطات المصرية وحلفاءها الإقليميين، إلا أنه رفض أن يتحكم به "المال السياسي"، لكنه نسي أن الانضمام للقنوات التي عمل فيها سابقا وحاليا، هو عين الاستسلام للمال السياسي الذي زعم أنه يرفضه، فتلك القنوات استغلت وتستغل اسمه لتلميع صورتها والادعاء بأنها قنوات موضوعية ولا مشكلة لديها مع الديمقراطية أو ثورة يناير، بينما هي أنشئت في الحقيقة بهدف واحد فقط، هو محاربة أي تطلعات شعبية في كل أنحاء الوطن العربي ومساندة كافة الأنظمة الديكتاتورية.
حاول باسم كذلك تصوير نفسه على أنه بطل قومي، قائلا إنه حاول أن يفعل كل ما يستطيع لمدة عام كامل في مصر قبل أن يقرر مغادرتها، في حين "هرب" الباقون إلى قطر وتركيا منذ البداية! وهنا نحن أمام خليط من النرجسية والتدليس، لأن المعارضين الذين هربوا إلى قطر وتركيا كما يقول باسم، فعلوا ذلك لأنهم تعرضوا لانتهاكات أبشع بمراحل مما يمكن أن يتعرض لها باسم في يوم من الأيام، لأن باسم في النهاية معروف دوليا ولن يفعلوا به واحد على الألف مما فعلوه مع الإسلاميين؛ من قتل وتشريد واعتقالات ومصادرة أموال وتصفيات واعتقال الأقارب ومنع العلاج عن المعتقلين حتى يموتون. وبالتالي فإن "هروب" هؤلاء، هو أمر مفهوم تماما، نظرا لبشاعة ما تعرضوا له أو تعرض له أقربائهم، وبالتالي لا محل هنا على الإطلاق لمزايدة باسم، التي يمكن أن نطلق عليها بضمير مرتاح، أنها "رخيصة" للغاية.
قبل انتفاضة باسم الديمقراطية، كان قد كتب على صفحته، مشتكيا من حالة الهجوم التي يتعرض لها، بعد إعلانه أنه بصدد تقديم برنامج عن الطعام على قناة الشرق للأخبار، محاولا اتهام منتقديه بأنهم يحتقرون المرأة، لكن المعضلة التي لم يستطع باسم مواجهتها، أن برنامجه كان أحد أكثر البرامج هجوما وتشويها وتنمرا على كل من يخالفه في الرأي، وهي سخرية امتدت في أحيان كثيرة إلى مناطق غير مقبولة، مثل السخرية من الشكل أو الهيئة أو الحجم.
وقد وصل الأمر بباسم في برنامجه لدرجة أنه سخر من كبر سن الدكتور الراحل حسين حامد، عضو لجنة صياغة الدستور في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، قائلا إنه موجود على كوكب الأرض قبل بدء البشرية! بالإضافة إلى العديد من المواقف المماثلة التي لا يتسع المجال لذكرها، حتى إن المذيع شريف مدكور سخر من شكوى باسم، قائلا إن الأخير كان دائما ما يتنمر عليه وعلى فقرة المطبخ التي كان يقدمها في برنامجه، مستنكرا ضيق باسم من "حرية التعبير"، وهي نتيجة طبيعية تماما لمكابرة باسم وإصراره على عدم الاعتراف بأي خطأ، حتى وصل إلى هذا المستوى البائس من التناقض.