اللغة العربية بما تمتلكه من خصائص ومقومات ذاتية بالغة القوة تمكنها من صناعة أعرق الحضارات، إن هي تلاقت مع مجتمعات بشرية أحسنت استخدامها معرفيا وحضاريا.
كما لها أهمية ومركزية خاصة في واقع الأمة العربية والإسلامية، فهي اللغة التي يتحدث بها ما يقارب 400 مليون عربي تجمعهم منطقة جغرافية واحدة متماسكة من الخليج العربي شرقا إلى المحيط الاطلنطى غربا، تمثل نقطة الارتكاز والأساس لانتمائهم إليها ووحدتهم عليها.
ثم يأتي وحي السماء القرآن الكريم باللغة العربية التي تحفظ لهم وحدتهم إلى نهاية العالم شأؤوا أم أبوا، قووا أم ضعفوا، تقدموا أم تأخروا وتراجعوا.. تلك هي قصة العرب واللغة العربية. وهنا أُجمل أهم الأدوار الوظيفية العملية للغة العربية في بناء وتأهيل وتحضر الإنسان ونهوض المجتمع العربي:
1- العربية من شعائر الإسلام العظيم كونها لغة تلاوة القرآن ولا تصح الصلاة إلا بها.
2- المحافظة على استمرارية وامتداد وفاعلية القرآن الكريم في نفوس البشر، تلاوة وفهما وتعلما لمعاني ودلالات ومقاصد القرآن الكريم والحديث الشريف والسيرة النبوية المعلمة والملهمة لكل إنسان في العالم.
3- مركز وأساس وحدة وانتماء المتحدثين بها في المنطقة العربية وحول العالم.
4- اللغة العربية تعزز الانتماء بالذات والمواطنة العربية لكل المتحدثين بها، خاصة من أبناء الوطن العربي.
5- وسيلة نشر العلوم الإسلامية والمساهمة بحصة كبيرة في بناء الإنسان والمجتمع الحضاري.
6- المحافظة على بقاء وتمدد الهوية العربية والاسلامية، حيث تمثل اللغة الركن الأول من أركان الهوية العربية، والذي يعمل على امتداد القوة العربية والإسلامية الناعمة في العالم وفتح قنوات الاتصال والتعاون مع العالم.
7- حفظ التراث العلمى والأدبى للعرب والمسلمين، والذي يمثل حصاد قورن متتالية من الإنتاج الحضارى العربي والذي تستطيع التعبير عنه ليسفيد منه العالم أجمع
8- تعزيز انتماء الأجيال الحالية والتالية للحضارة العربية والإسلامية والمحافظة على بقائها وعطائها وتمددها واستمراريتها إلى نهاية العالم.
9- أحد ركائز التاريخ الكبيرالمعبر عن قوة ومجد العرب والمسلمين، والقوة النفسية الباعثة والمحفزة على الفعل والإنجاز والتنافس الحضاري لعرب ومسلمي العالم.
10- ضمان التواصل والتلاقح والتراكم بين الأجيال.
11- هي أساس الثقافة والشخصية والهوية العربية والإسلام، وقوة اللغة العربية وتميزها يعني إمكانية صناعة أقوى هوية وشخصية في العالم، وهي العربية والإسلامية، في حال توفرت إرادة وخطة حقيقية لصناعة الهوية العربية، أو حتى هوية لقومية خاصة من الدول القومية التابعة للهوية العربية العامة.
اللغة العربية والمحافظة على الهوية العربية والإسلامية
الهوية هي أصل الشيء وحقيقته ومكوناته وسرقوته وقدرته على الفعل والإنجاز. وتتكون الهوية من أربع مكونات متتالية، متمازجة ومتكاملة؛ أولها اللغة، ثم العقيدة التي يؤمن بها أهل هذه اللغة، ثم القيم التي أنتجتها هذه العقيدة، ثم التراث الذي أنتجته هذه العقيدة عندما تمازجت مع هذه اللغة وما تمتلكه من تراث خاص بها.
بمعنى أن للغة العربية أبعادا استراتجية في تأسيس وبناء وتقوية والمحافظة على بقاء الهوية العربية، أي الوجود الاقتصادي والسياسي العربي، أي وجود الشعوب العربية كشعوب لها قوة وكرامة إنسانية، وليست كقطعان بشرية سهلة الإبادة والتهجير والتشريد من خلال:
1- لا تفهم حقيقة ومكونات وأسرار المكونات الثلاث الباقية للهوية - العقيدة والقيم والتراث - إلا باللغة العربية.
2- اللغة العربية بما تمتلكه من تراث أدبي وعلمي عريق يرجع لآلاف السنين قبل الإسلام؛ مثلث أساس وأرضية ثقافية وفكرية صلبة لبناء الهوية والوحدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية العربية والاسلامية عليها، خاصة أنها تضم ميراث الأنبياء والرسل والكتب السماوية السابقة.
3- العربية تمثل القاسم والانتماء المشترك للغة الأساس لأبناء المنطقة العربية والمتحدثين بها حول العالم، والتي حاولت الدول الاستعمارية نسخها، فأنشأت فرنسا منظمة الفرانكوفونية للدول الناطقة بالفرنسية، وأنشأت إنجلترا منظمة دول الكومنولث للدول الناطقة بالإنجليزية، لكنهما ليستا كتلا جغرافية واحدة كما الأمة العربية، بل مفككة، كما أنهما ليستا اللغتين الأصليتين لهذه الدول بل اللغة الاستعمارية التي تم إحلالها وفرضها عليها بدلا من لغتها الأصلية.
4- العربية هي التي يسمعها كل العرب من المحيط إلى الخليج بأذن واحدة وقلب واحد وعقيدة واحدة وتحديات ومشاكل واحدة، وتطلعات وآمال واحدة في الدنيا والآخرة، ولهذا أنشأت مصر إذاعة صوت العرب في تموز/ يوليو 1953 للتخاطب الفورى المباشر مع كل العرب على غرار الإذاعة البريطانية البي بي سي في 1922 لمخاطبة البريطانيين بها والمستعمرات حول العالم، وهكذا فعلت الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء مدينة هوليود السينمائية لمخاطبة العالم والتواصل معه بلغتها وثقافتها.
5- اللغة العربية وسيلة نقل الإسلام بمفاهيمه وحقائقه وشعائره وأحكامه عبر الأجيال المتتالية لأبناء العرب والمسلمين أولا وللناس كافة ثانيا، وكلما ازداد الفرد فهما وإتقانا للغة العربية ازداد معها فهما لحقائق الدين، والتدين به.
6- اللغة العربية وسيلة نقل المخزون المعرفي العربي الكبير في شتى مجالات العلوم وخاصة العلوم الإنسانية، وتحديدا الدينية منها، وإن ضعف وتقادم ما أنتجته الثقافة العربية من الأرصدة المعرفية للعلوم الكونية والتكنولوجية، ولكن كان للعرب فضل تأسيسه ووضع قواعده ومنطلقاته، وبذلك يمتلك العرب الباعث النفسي الكبير على استكمال مسيرتهم العلمية الكونية والتكنولوجية.
7- اللغة العربية هي الحصن الأمين على أسماع وعقول وهوية الشعوب العربية والإسلامية، حيث تعزز اتصالهم وفهمهم واعتزازهم وانتمائهم واستثمارهم لهويتهم وذاتهم العربية في إنتاج ما يمثلهم علميا وماديا، ويمنحهم الثقة والثبات والقوة أمام الثقافات والهويات العالمية المنافسة التي يعبر كل منها عن ذاته ويحاول إغراء وكسب ود وثقة وإعجاب وانتماء الآخرين إليه ليتحولوا إلى مستهلكين لما ينتج ماديا ومعنويا، ثم تابعين وموالين له دون أن يدروا، متحللين من ذاتهم الخاصة، ضعفاء منهزمين مستهلكين مستسلمين للآخر الذي يتبعونه.
اللغة والهوية والأمن القومي العربي والإسلامي
الهوية هي حماية بقاء ووجود واستمرار وقوة الوطن الكبير الذي يجمع النظام والشعب والجغرافيا والتاريخ وكافة مقدرات الدولة المعنوية والمادية، ويهدف إلى حماية المقومات والأركان الأربعة الأساسية للدولة:
1- حماية وتأمين هوية الدولة.
2- حماية وتأمين مستقبل وحدة واحتشاد المجتمع على مشروعه الوطني وخلف قيادته السياسية.
3- حماية وتأمين سيادة الدولة على قرارها السياسي وكامل ترابها الوطني.
4- حماية وتأمين مجالات وفرص التنمية لكافة أبناء الوطن والعيش الحر الآمن الكريم. من هنا تتأكد لنا مركزية وأهمية الهوية في حماية وتأمين الأمن القومي للوطن من خلال المحافظة على الثقافة والهوية والشخصية الخاصة للمجتمع وتنميتها وتطورها، والتي تعد الأساس لتحقيق الهدف الثاني وهو وحدة واحتشاد المجتمع، واللذان يعززان قوة الدولة في مواجهة التحديات الخارجية للنيل من إرادة وسيادة الدولة، ومن ثمن بقاء الدولة قوية قادرة على المحافظة على مقدرات وثروات شعبها، وفرص تعليم وتأهيل أبنائها وتعزيز فرص ومجالات التنمية.
من هنا تتبين لنا مركزية اللغة في صناعة الهوية ومركزية الهوية في حماية الأمن القومي للدولة.
واجبنا نحو لغتنا العربية
1- اعتبارها لغة عالمية تمثل رصيدا لغويا ومعرفيا للعالم كله، عربب وغير عرب، مسلمين وغير مسلمين، وعدم حصرها أو اختزالها في العرب والمسلمين فقط، حيث تمتلك اللغة العربية قوتها من ذاتيتها، وليس من العرب والمسلمين. فالعرب والمسلمون على مر الأجيال المختلفة يقوون ويضعفون، ويتقدمون ويتأخرون، وتبقى اللغة العربية قوية متقدمة بذاتها وتكريم الله تعالى لها، وليس بأي قوة بشرية ما.
2- المحافظة على تعليم وتمكين اللغة العربية لدى الأجيال الحالية والتالية.
3- تطوير منظومة تعليم وتمكين اللغة العربية في كافة الوزرات العاملة في مجال بناء الإنسان.
4- الاجتهاد في الإنتاج المعرفي العربي في كلا المجالين من العلوم الإنسانية والكونية، وفي تصديرهما للعالم محافظة على اللغة العربية ودعوة العالم إلى تعلم العربية لينهل من أرصدتنا المعرفية المتجددة.
- اللغة تصنع الإنسان والهوية والدولة والأمة والحضارة والحضارة لا تصنع اللغة، بل توسع انتشارها وامتدادها وفاعليتها في الأرض.
اللغة العربية ودورها الوظيفي لإحياء قوة العرب والمسلمين (1/2)