في الوقت الذي صوتت فيه أغلبية الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو إيران لاحترام حقوق الإنسان، فضلت مصر الامتناع عن التصويت في موقف يخالف حلفاءها في الخليج، السعودية والإمارات.
وصوتت الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية الأربعاء الماضي، على قرار يدعو إيران لاحترام حقوق الإنسان لجميع مواطنيها، بأغلبية 79 صوتا بينها السعودية والإمارات، مقابل رفض 32 دولة بينها العراق وسوريا ولبنان وعُمان، بينما امتنعت 64 دولة عن التصويت بينها مصر.
ودعت الأمم المتحدة إيران للإفراج عن مسجوني الرأي والحريات، وإلغاء أحكام الإعدام والسجن طويل الأمد بحق المحتجين، فيما وصفت الخارجية الإيرانية القرار بـ"غير المقبول، والمفتقر للشرعية القانونية".
"رسالة جيدة"
وفي رؤيته لأسباب عدم تصويت مصر ضد إيران، قال الكاتب والمحلل الإيراني عبد السلام سليمي، إن "هذا القرار لم يحصل على إدانة عدد من الدول التي كانت تصوت ضد طهران من قبل، لعدة أسباب، أبرزها أن الاقتراع تم تقديمه من قبل كندا فقط وليس من قبل أمريكا والدول الأوروبية حول ملف داخلي إيراني (حقوق الإنسان)، وهو ملف لا ينال أهمية دول كثيرة ومنها مصر".
وتابع لـ"عربي21": "أيضا القرار يأتي إثر الانتخابات الأمريكية وقدوم إدارة جديدة بالبيت الأبيض؛ ولم تفهم كثير من الدول وبينها مصر ماذا يحدث من تغير في سياسات أمريكا ضد إيران، وما يصحب ذلك من احتمالات أن يتصالح بايدن مع طهران، وهو الموقف الذي يترقبه الكثير من الدول".
وقال المحلل الإيراني إنها "رسالة جيدة من القاهرة؛ وتعني أنها لا تريد إزعاج إيران بتصويت يضايقها، وأنها رأت أنه ليس هناك اتفاق دولي كبير ضد إيران بهذا القرار"، مشيرا إلى أن "مصر اليوم، تصوت لصالح إيران إيجابيا وطهران ستصوت مستقبلا لصالح القاهرة التي تعاني انتقادات الديمقراطيين لملف السيسي الحقوقي".
ويعتقد أن الموقف المصري يأتي في ظل "محاولات جيدة من كلا البلدين مؤخرا للوصول إلى لغة مشتركة وإصلاح العلاقات بينهما"، موضحا أن "إيران تريد بناء العلاقات مع مصر عبر العراق، والقاهرة تريد ذلك لاستعادة العلاقة والروابط مع طهران".
ولفت إلى أن "مصر حازت على تقدير الإعلام الإيراني مؤخرا، والذي رأى أن القاهرة تحاول أن تقترب من بغداد لأجل الحصول على الدعم العراقي"، موضحا أن "الوكالة الشيعية للأنباء (شفقنا)، قالت إنها تتوقع قريبا تحسن العلاقات بين طهران والقاهرة".
"تفسيران"
وحول دلالات عدم إدانة مصر لإيران حقوقيا في الأمم المتحدة وتفضيلها الامتناع عن التصويت، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير عبد الله الأشعل: "هناك تفسيران للموقف، الأول: أن مصر تعتبر حقوق الإنسان مسألة داخلية".
الأشعل، أضاف بحديثه لـ"عربي21"، أن التفسير الثاني، هو أن "مصر تدرك أن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، سيتعاون مع إيران في ملفات كثيرة".
ولفت إلى أن "هذا الموقف المصري، لن تغضب منه السعودية والإمارات"، معتقدا أن "هناك مساحة متفقا عليها بينهم وخاصة أن الموضوع ليس بالدرجة الكبيرة من الأهمية".
ونفى أن تكون مصر بعدم إدانتها ملف إيران تهدف للرد على تقارب السعودية الأخير مع تركيا، بمكالمة الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام"، مؤكدا أنهم "جميعهم سيتقاربون مع تركيا لأن بايدن أشاد بدورها".
اقرأ أيضا: سيف العرب.. مناورات عسكرية عربية في مصر ما رسالتها؟
"موقف الدول المرتبكة"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري ياسر عبد العزيز، إن "الامتناع عن التصويت لا يعني عدم الموافقة على القرار"، موضحا أن "التصويت بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية يكون على 3 مراحل بالإيجاب ثم بالرفض وأخيرا الامتناع".
القيادي بحزب "الوسط" المعارض، يرى بحديثه لـ"عربي21"، أن "الامتناع هنا يكشف خوف مصر من أن يأتي الدور على ملفها السيء بحقوق الإنسان، فكل عام تتم مراجعته ويخرج عن مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ملاحظات وتوصيات سنوية".
ويعتقد أن "الموضوع هنا أن مصر امتنعت عن إدانة إيران وأنه أصبح على طهرات هي الأخرى الامتناع عن إدانة ملف القاهرة مستقبلا"، مضيفا: "لكن لم تكن مصر تستطيع رفض القرار وتظهر أنها ضد الرغبة الأمريكية".
عبد العزيز، أوضح أنه "وفي نفس الوقت لا تستطيع مصر تأييد قرار إدانة إيران حتى لا تؤيد إيران هي الأخرى إدانة ملف مصر، ولهذا فضلت الامتناع عن التصويت وهو موقف الدول المرتبكة أو الحساسة".
وحول مخالفة مصر موقف الإمارات والسعودية يعتقد أن "النظام يحاول الإمساك بورقة يقول فيها للرياض وأبوظبي وخاصة في ظل علاقات متراجعة معهما قبل فترة؛ أن لديه استقلالية بالقرار ويمكن أن يشذ عنهما".
وقال السياسي المصري، إن "السيسي فعلها قبل ذلك بالتلميح بفتح علاقات مع إيران بداية حكم الملك سلمان، حينما أرادت المملكة أن يكون الجيش المصري نواة للحرب في اليمن، فاستخدم السيسي إيران ورقة ضغط فكان الرد السعودي بإمداده ببعض الأموال".
وأوضح أنه "يكررها اليوم بشكل آخر؛ ويريد أن يقول للسعودية أنتم لم تقدموا لي شيئا منذ فترة، وقد يكون لي الآن استقلالية بالرأي، وهو ما يأتي في وقت بدأت فيه السعودية وتركيا تنفتحان باتصال بين سلمان وأردوغان".
وأجمل عبد العزيز، رؤيته بالقول إن "موقف مصر قانونيا ليس معناه تأييد إيران؛ ولكنه أراد إمساك العصا من المنتصف، وإمساك ورقة ضغط على السعودية، ويقول إنه يملك قراره، وقد يشذ عنك لو لم تستمر بالدعم، وأنت تتواصل مع تركيا وأنا أغازل إيران".
"لا تمشي في الركاب"
من جانبه قال مدير "مركز حوار للدراسات والأبحاث"، الكاتب الصحفي حمادة إمام، إن "المواقف السياسية مثل قطع الشطرنج تتقابل وتتاقطع ولا يوجد فيها عداء دائم ولا صداقة دائمة؛ تحكمها فقط المصلحة".
إمام، أضاف بحديثه لـ"عربي21"، أن "السياسة المصرية الخارجية سياسة مستقلة؛ وليس معنى وجود تحالفات وصداقة بين مصر وبعض دول الخليج أن تؤيد القاهرة مواقف بعض الدول".
وأكد أن "قرار مصر بالامتناع قرار يعرفه من أصدره، وبعض الدول التي أدانت إيران يوجد بها مصالح واستثمارات إيرانية كبيرة؛ ومصر على سبيل المثال لا يوجد بها استثمارات إيرانية مثل بعض الدول التي أدانت إيران".
وختم حديثه بالقول: "محاولة البعض تصوير مصر على أنها دولة تابعة كلام هدفه تقزيم الدولة المصرية؛ فمصر لا تمشي في ركاب أحد، ولكنها تختار ما يناسب سياستها الخارجية ومصالحها".
مصدر يمني لـ"عربي21": تعزيزات سعودية جديدة إلى سقطرى
لماذا تحذر قوى عراقية موالية لإيران من استثمارات السعودية؟
لماذا يهاجم إعلام السيسي حملة مقاطعة البضائع الفرنسية؟