قضايا وآراء

لا أصدق أن ثورة شعبية تفضي لاتفاق تطبيع!

1300x600
رغم الكم الكبير من الإشارات والإرهاصات التي كانت تملأ وسائل الإعلام، وتؤكد أن السودان سيكون التالي الذي سيركب قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أن ثمة شعورا كان يدفعني لأصدق الإشارات الأخرى التي كانت تصدر عن مسؤولين رسميين بأن المسألة لا زالت بعيدة. ذلك أننا هنا في بلد قامت فيه ثورة شعبية تطالب بـ"الحرية والسلام والعدالة"، وهل من المعقول أن شعبا عربيا حرا يمكن أن يقبل بالتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يمثل نقيض الحرية ونقيض العدالة ونقيض السلام؟

هل من المعقول أن يضع شعب ما لبث أن حطم قيودا كانت تكبله ودكتاتورية جثمت على صدره، وصار يعرف معنى الحرية ويعرف طعمها ورائحتها؛ يده بيد قتلة وقطاع طرق ولصوص، خصوصا وأن أيديهم ملطخة بدماء إخوانهم وأشقائهم؟! هل يعقل أن يضع يده بيد عصابة اغتصبت أرضا عربية واحتلت القدس الشريف؟!

لا أستطيع أن أصدق هذا!! أم أنها ليست ثورة شعبية في الأساس؟!! أم أنها ثورة لكنها لم توصل الثوار إلى الحكم بل أوصلت غيرهم؟!! أم أنها ثورة اختطفت في منتصف الطريق؟!! أم أنها نصف ثورة ولما تكتمل فصولها بعد؟!!

لقد رأينا وعايشنا مشاعر الثوار الحقيقية في ذروة تصديهم للدكتاتورية، وفي ذروة تصديهم لآلات القمع المصنعة غربيا، رأيناهم كيف يهتفون باسم فلسطين، ويرفعون علم فلسطين، وينادون بتحرير فلسطين.. هذه ليست أوهاما أو أحلاما، بل واقع تصدقه مئات مقاطع الفيديو.. تلك الجماهير الهادرة لم يدفع لها أحد.. لم يجبرها أحد.. لم يغرر بها أحد لتهتف حناجرها لفلسطين وللقدس وللأقصى. تلك المشاعر تمثل المشاعر الحقيقية للشعوب العربية كافة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، وعلى من يشكك بذلك فعليه أن يفتح الباب على مصراعيه لاستفتاء شعبي حر.

أزعم أن أي استفتاء حر يجري في أي بلد عربي لن يكون في صالح التطبيع ولا صالح المطبعين. ولكن زعمي هذا يدخل في باب المضحكات المبكيات، أو في باب المستحيلات، فلو كانت هناك حرية أصلا تسمح بإجراء مثل ذاك الاستفتاء لما وصلنا إلى مرحلة بائسة كهذه نطلب فيها استفتاء على فلسطين!!

أليست كل تلك الدماء والأشلاء، وكل أولئك الضحايا، وكل ذلك التدمير والتشريد، وكل ذلك البؤس والكآبة والإحباط، وكل أولئك الغارقين في مياه المتوسط هربا من الجحيم العربي.. أليست كلها ما كانت لتكون لو كنا أحرارا ونستطيع إجراء استفتاء حر؟!!

ما زلت لا أصدق أن ثورة شعبية يمكن أن تفضي إلى اعتراف بكيان دخيل على حساب الحق العربي الأصيل، وعلى حساب المقدسات الإسلامية، حتى لو مورس على الثوار كل أشكال الضغط والابتزاز، فالثورة على الظلم تحمل في طياتها مشاعر نبيلة ومتعاطفة مع كل مظلوم، وتحمل في ثناياها مشاعر غضب وكراهية لكل ظالم.

لا زلنا في البداية، ولا زال هناك ثوار، والمأمول منهم أن يعيدوا إلى الثورة ألقها، وأن يضربوا على يد كل من يريد تضليل الشعب ليشتري كرسي الحكم أو ليهرب من تهمة الإبادة وسفك الدماء.

فهل يُفشل ثوار السودان خطط التطبيع لنشهد أنها ثورة شعبية بامتياز؟