يفاجئنا الحكم العسكري بين الحين والآخر بتنفيذ أحكام إعدام في أحداث لا ترقى الحقيقة فيها لصحة الاتهام لمن نفذ فيهم، وتلك تفاصيل ليس مجالها هنا، ومثل هذه الأحكام وتنفيذها يطرح سؤالا: ما مدى مسؤولية مفتي مصر عن هذه الأحكام؟ هل له دور فيها أم لا؟ وهل يبوء بإثم من يحكم عليه بالإعدام وهو بريء؟ أم لا علاقة للمفتي بذلك؟
رأي استشاري
بداية نعلم أن رأي المفتي في الإعدام في مصر، هو رأي استشاري، أي: أنه للقاضي ألا يأخذ به، وله أن يأخذ به، ولذا سيظل نقاشنا في هذا المقال حول: المسؤولية الشرعية، ومما لا يخفى على أصغر دارس للشريعة الإسلامية: أن الإسلام يحاسب على الفعل، كما يحاسب على القول، كما يحاسب على العمل السلبي تجاه الجرائم، ولذا وجد في الشريعة والقانون: القتل السلبي، فضلا عمن أجاز برأيه شنق إنسان متهم، تخبرنا أوراقه المرسلة للمفتي، وأخبار الأحداث، أنه لا يمكن أن يرقى الحكم لإعدام الشخص.
البعض يبرر لمفتي مصر شوقي علام، أن الأوراق التي ترسل لكل قضية بالآلاف، فكيف يقرأ كل هذا؟ وهذا عذر أقبح من ذنب، إذا كان المفتي لا يتمكن من قراءة الأوراق كلها، فليطلب معاونين له، وهل فقط المفتي يستطيع عمل مرصد إعلامي، يرصد كل ما يقوله معارضو العسكر، ويرد عليهم بأقصى سرعة، بينما دماء الناس تعلق في رقبته، نعتذر له بأن الوقت لا يسمح بالاطلاع الكافي، ولو كان الأمر كذلك، فيمكنه الاعتذار، بقوله: لا أعلم، أو لا تعقيب.
لو رجعنا لتاريخ المفتين في مصر، سنجد أن قضايا الإعدام تحديدا، كانت تشغل بالهم جدا، ويتخوفون منها، ويتحفظون بشدة فيها، وخير شاهد على ذلك، حادثة قتل بطرس غالي، والذي قتله إبراهيم الورداني، بإطلاق الرصاص عليه، وقد ظل بطرس غالي يومين ثم توفي بعدها، فلما جاء تقرير الطب الشرعي، اختلف الأطباء: هل مات بسبب الرصاص، أم لأنه لم يعالج جيدا؟ والمفتي دائما في الإعدام يبني حكمه على إجماع الطب الشرعي، وعلى ألا يدع أي مساحة فيها شك، أو شبهة، فالحدود تدرأ بالشبهات، فرفض المفتي الحكم بإعدامه، لأن وقتها لم يكن المضاد الحيوي قد اكتشف، فجاء تقرير الأطباء متضاربا، وكتبت بعض الصحف الغربية تهاجم المفتي أنه لم يحكم بقتل القاتل لأن القتيل مسيحي، حتى يثني ذلك المفتي عن رأيه، ولم يفعل.
لو رجعنا لتاريخ المفتين في مصر، سنجد أن قضايا الإعدام تحديدا، كانت تشغل بالهم جدا، ويتخوفون منها، ويتحفظون بشدة فيها،
وعندما حكمت محكمة مصرية على رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى بالإعدام لقتله الفنانة اللبنانية سوزان تميم، بتحريض ضابط أمن دولة سابق بالقيام بالجريمة، فوجئت في مؤتمر في إسطنبول في سنة 2009م، وقد حضر فيه الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية وقتها، وقد استشار شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي، وأن هناك محاولات للتصالح مع أهل القتيلة، ويستشيره ماذا يفعل؟ فعندما يكون القاتل رجل أعمال يبحث له عن مخرج، أما عندما يكون المتهم معارضا سياسيا، فلا نحتاج سوى لقاض معدوم الضمير، ومفت أكثر انعداما منه، لنحكم عليه.
كتب دار الإفتاء
والعجيب أن شوقي علام ودار الإفتاء، أصدروا كتابا بعنوان: (فتاوى الإمام محمد عبده) الجزء الأول، وهو عمل مشترك بين دار الإفتاء، ودار الكتب والوثائق القومية، وكتب مقدمة الكتاب: اثنان من أكبر داعمي حكم العسكر، ومؤيدي ظلمه: حلمي النمنم وزير الثقافة الأسبق، وشوقي علام المفتي الحالي، يعني كلاهما اطلع على فتاوى محمد عبده.
العجب الأكبر، أن الإمام محمد عبده له في الكتاب: (24) فتوى في قضايا إعدام أحيلت إليه، من ص: 123 إلى ص: 133. رفض المفتي (محمد عبده) الحكم بالإعدام في (7) قضايا، وكان مبرره في معظمها كالتالي: كثرة القرائن لا تكفي بالحكم بعقوبة الإعدام، و: إذا كانت القرائن مما توجب غلبة الظن بصحتها فلا يحكم على المتهم إلا بعقوبة تعزيرية.
ومن هذه القضايا قضية قتل، القاتل والقتيل مسيحيان، وكان القاضي الذي حكم فيها، وأحال الأوراق للمفتي هو: قاسم أمين، وكان جواب محمد عبده: برفض الحكم بالإعدام، لأن القرائن المذكورة توجب غلبة الظن، فلا يحكم على المتهم إلا بعقوبة تعزيرية.
وفي كثير من القضايا التي أفتى فيها محمد عبده، نجد مع القضية مرسل أوراق القضية، والتي بلغ في بعضها (71) ورقة، وفي كل قضية يكتب محمد عبده أنه اطلع على كل الأوراق المرسلة، ويستخرج منها ما يفيد اليقين إما بالإعدام، أو بعدم ثبوت اليقين، وغلبة الظن، فيرفض الإعدام، ويحيل لعقوبة أخرى تعزيرية.
فلا حجة إذن لشوقي علام، ولا لأي مفت، يوقع على إعدام أحد، ما لم يطلع على أوراق القضية، وينظر فيها كأنما المتهم ابنه، أو هو شخصيا، ثم ينظر فيها وكأن القتيل ابنه أو هو شخصيا، ليكون منصفا في حكمه، فهل يفعل ذلك شوقي علام؟ الحقيقة الثابتة حتى الآن: لا، فلا الرجل مؤهلاته العلمية تنبئ عن فقه رشيد، ولا مواقفه تنبئ عن شخص صاحب موقف، يمكن أن يلقى الله عز وجل به يدفع عن نفسه التهمة.
ويظل السؤال الأخير: هل يفرق شوقي علام مفتي العسكر، عن أي مفت داعشي؟ في الحقيقة النتيجة والحكم واحد، لا فرق بينهما، الفرق أن هذا مفت مع سلطة، والآخر مفت بلا سلطة، كلاهما يجيز القتل، خارج القانون والشريعة، الفرق الوحيد: أن المفترض أن شوقي علام تخرج في الأزهر، ودرس المذاهب والفقه والشريعة، وهذا وحده كان كافيا لأن يتقي الله في قضايا الإعدام.
Essamt74@hotmail.com
وسيم شحادة وخدمة الصهاينة والبيادة!
حراك المصريين في سبتمبر.. دلالات وإلهاءات