نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية، الإثنين،
تقريرا تحدثت فيه عن توثيق تقرير إحدى منظمات حقوق الإنسان المحلية
المصرية حالات
الاختفاء اليومية التي أصبحت ممارسة منهجية على مدى السنوات الخمس الماضية في
البلاد.
وقالت
الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إنه في 11 نيسان/ أبريل 2019، خطط يحيى، وهو شاب مصري يبلغ من
العمر 24 سنة، لزيارة صديقه الذي كان مريضا في أحد مستشفيات المعادي، أحد الأحياء
الراقية في جنوب القاهرة. قبل وصوله بقليل تحدث الاثنان عبر الهاتف، علما أنه
كان على بعد خمس دقائق فقط من المكان. لكن الشاب المصري لم يظهر قط منذ تلك اللحظة
مما أثار قلق وخوف عائلته.
ونقلت الصحيفة عن شقيقة الشاب المختفي أنهم حاولوا
الاتصال به في البداية عبر الهاتف، لكن هاتفه الخلوي كان خارج التغطية. ثم حاولوا
البحث عنه في منزل أحد أصدقائه، لكن لم يره أحد. بعد يومين، أبلغوا عن اختفائه.
وقد أخبرتهم السلطات أنها لا تعرف شيئا أو رفضت مباشرة استقبالهم.
وأوردت الصحيفة أن عائلة يحيى لم تعلم بمكان اختفاء
ابنهم حتى تشرين الثاني/ نوفمبر. في ذلك الشهر داهمت الشرطة منزل والد الشاب، الذي
وقع نقله إلى معتقل غير رسمي في القاهرة، حيث احتجز لمدة 11 يوما. ولحسن الحظ، كان
ابنه محتجزا في نفس المكان. في تلك اللحظة، تمكن يحيى من أن يوضح له أنه تعرض
للاعتقال في ذلك اليوم في منتصف شهر نيسان/ أبريل في الشارع واختفى في مركز
الشرطة.
وتجدر الإشارة إلى أن الرقم المذهل للأشخاص
المفقودين يعادل حوالي 10 أشخاص كل أسبوع لمدة خمس سنوات كاملة. وفي 20
أيلول/سبتمبر، في الذكرى الأولى للاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اندلعت في
العديد من المدن المصرية في سنة 2019، وثقت جماعات حقوق الإنسان تصعيدا جديدا في
هذه الممارسة.
وبينت الصحيفة أنه في آذار/مارس من السنة الماضية،
بعد ما يقارب سنة على اختفاء الشاب قسريا من قبل الشرطة، ظهر رسميا في سجن طرة
شديد الحراسة في القاهرة. بحسب شقيقته، لم يتمكن يحيى بعد من التواصل مع عائلته
ولم ير ضوء الشمس منذ أكثر من 500 يوم. تشكو شقيقته قائلة: "أصبح الناس مجرد
أرقام ويمكن لقوات الأمن معاملتهم كما يحلو لها لأنك إذا ذهبت إلى مكان ما لتسأل
عما إذا كان الشخص الذي تبحث عنه موجودا هناك سينكرون ذلك وينتهي الأمر".
في هذا السياق، يوضح محمد لطفي، مدير المفوضية
المصرية للحقوق والحريات التي تعتمد على معايير الأمم المتحدة لإعداد تقاريرها عن
حالات
الاختفاء القسري أنه "في أوقات الدكتاتور المخلوع حسني مبارك كانت هناك
حالات اختفاء قسري، ولكن بنسبة أقل من الآن. وفي معظم الأوقات، يتلقى أهالي
المعتقلين تأكيدا رسميا بمكان وجود المعتقل، بينما الآن يتمثل الرد الافتراضي
للسلطات في إنكار معرفة مكان وجوده".
وأبرزت الصحيفة أنه عادة ما تحدث هذه الاعتقالات
غير القانونية عند الفجر. في معظم الحالات الموثقة، يكون ذلك عندما يعتدي ضباط
الشرطة، برفقة ضابط من جهاز الأمن الوطني المخيف، على منزل المشتبه به لاعتقاله
دون تقديم إذن. منذ تلك اللحظة، يختفي أثر المعتقل، ويقع نقله إلى مركز احتجاز،
أحيانا بشكل غير رسمي، حيث يقع تعذيبه عادة لإجباره على الاعتراف.
بعد ذلك، سيكون مصيره في أيدي الضابط المسؤول عن
الأمن الوطني، الذي تعتبر ثكناته وجهة متكررة جدا في هذا النوع من الاعتقالات.
تشير ياسمين عمر، الخبيرة القانونية في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره
واشنطن، إلى أن "الاختفاء القسري يقضي في النهاية على وجود الشخص ويعقّد وضعه
القانوني".
وأضافت الصحيفة أنه بشكل عام، تستمر حالات الاختفاء
لفترة تتراوح بين يومين وشهر، لكن هناك حالات تستمر فيها لسنوات. لدى المفوضية
المصرية أيضا أدلة على أن هناك حوالي 18 شخصا ما زالوا في عداد المفقودين منذ
مجزرة رابعة في سنة 2013. وفي حالة المثول مجددا أمام النيابة العامة، من الشائع
استخدام تهم ضدهم تستند إلى تحقيق الأمن الوطني. تقول الخبيرة ياسمين عمر:
"السلطات القضائية، وخاصة النيابة العامة، متواطئة في هذه الجرائم، لأنها لا
تحقق وترفض أيضا أخذ شهادة الشخص المختفي حول التعذيب الذي تعرض له لمجرد عدم وجود
آثار ظاهرة على جسده".
وغالبا ما تتزامن المعاناة وعدم اليقين اللذان ينطوي عليهما البحث عن الشخص المفقود مع صعوبات مالية للأسرة. وفي بعض الحالات، يختفي
أيضا محاموهم أو بعض أقاربهم الآخرين.
"صمت الحكومة"
وأوضحت الصحيفة أن السلطات المصرية نفت باستمرار
تطبيق مثل هذه الممارسات في البلاد، ووصفت التقارير المختلفة التي أعدتها منظمات
حقوق الإنسان بالكاذبة. وفي أغلب الأحيان تنسب السلطات حالات اختفاء محددة إلى انضمام
الضحية إلى جماعة مسلحة.
ونقلت الصحيفة عن محمد لطفي من المفوضية المصرية
للحقوق والحريات، أن الدولة تصر على نفي ارتكابها عمليات إخفاء وتزعم أن المختفين
"إرهابيون" فروا من مصر، لكن بعد ذلك، لا ترد على حقيقة أن هؤلاء
المعتقلين أنفسهم يظهرون مرة أخرى في
السجون المصرية أو أمام النيابة العامة
المصرية". ويضيف قائلا: "إذا كان مسؤولو وزارة الداخلية يعرفون مكان
المحتجز على عكس عائلته، فهذا يعني أنه لم يختف لأنهم يعرفون مكانه، وهذا بالضبط
ما يعنيه الاختفاء القسري".