لم يعد تراث
المطربة
المصرية الكبيرة "أم كلثوم" ملكا للجميع، هكذا خاطبت إحدى شركات
الإنتاج الحكومية في مصر الفضائيات ومواقع الإنترنت، وذلك بعد أن منحها حكم قضائي
الحق في الاستحواذ على التراث الغنائي لكوكب الشرق.
ونفذت شركة "صوت
القاهرة" للصوتيات والمرئيات المملوكة للتلفزيون المصري، الحكم التاريخي
الصادر في 15 حزيران/ يونيو 2020، الذي يؤكد أحقيتها باستثمار أغاني أم كلثوم، سواء كانت على دعامات سمعية أو بصرية.
وفي قضية ظلت
بأروقة القضاء المصري نحو 10 سنوات، قضت محكمة القاهرة الاقتصادية لصالح شركة صوت
القاهرة بملكية تسجيلات أم كلثوم، وفقا للعقود المبرمة معها في حياتها، في حكم
نهائي، وعدم الاعتداد بعقود ورثتها مع شركة "استارز" للإنتاج الفني
لصاحبها محسن جابر.
والاثنين،
قررت المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام منع إذاعة أغاني "أم كلثوم" من جميع
فضائيات وإذاعات ومواقع الإنترنت إلا بموافقة كتابية من "
صوت القاهرة".
"حق
مشروع.. وإسرائيل تدفع"
وفي تعليقه
على القرار، قال الناقد الفني طارق الشناوي، لـ"عربي21": "لا يوجد
فن في الدنيا طالما دخل في إطار الاقتصاد إلا وأصبح له حقوقا مادية، وهذه مسألة
عالمية مشروعة".
الشناوي، ضرب
المثل بالأديب الكبير نجيب محفوظ، موضحا أنه "لا يقدر أحد على إعادة نشر أعماله
إلا بالحصول على إذن من الناشر الأصلي الذي تعاقد معه أو مع ورثته على تداول
أعماله، وليس إذن أسرة نجيب محفوظ".
وأكد أن
"صوت القاهرة وطبقا للأحكام الصادرة أصبحت المنوط بها أعمال كوكب
الشرق"، موضحا أن "أم كلثوم وهي على قيد الحياة تعاقدت مع الشركة وما زال
التعاقد قائما".
ولفت إلى "نقطة
تاريخية، وهي أن صوت القاهرة آل إليها تعاقد أم كلثوم مع شركة (مصر فون) المملوكة
للموسيقار والفنان محمد فوزي، والتي تم تأميمها بعهد الرئيس جمال عبدالناصر،
لتتحول إلى اسم (صوت القاهرة)، وملكية الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وظلت أم
كلثوم تحت هذه المظلة وماتزال".
الكاتب
والناقد المصري قال بشأن إذاعة
إسرائيل أغاني أم كلثوم، إنها "منذ زمن طويل
تذيع الأفلام والأغاني المصرية"، مشيرا إلى أن "هناك أمرا سريا يخص إذاعة
إسرائيل للتراث المصري لم يتم الإعلان عنه منذ عهد جمال عبدالناصر".
وأكد أن
"الأمر يتعلق بحقوق الملكية الفكرية في شق المؤلفين والملحنين، وأنه منذ
ستينيات القرن الماضي، يتم تحويل أموال من إسرائيل نظير إذاعة التراث المصري
لجمعية المؤلفين والملحنين بباريس، التي ترسل بدورها أموالا للجمعيات الفرعية
ومنها مصر".
وجزم الناقد
الفني، بأن "هناك أموالا تؤخذ من إسرائيل، ولكن هذا الكلام رغم أنه يخضع
لاتفاقية دولية لم يكن مُعلنا، لأسباب متعلقة بتوجه ذلك الزمن بعدم قول كل
الحقائق".
"قرار
جيد.. ولكن"
من جانبه،
قال المخرج علي أبو هميلة: "الحكم نشجعه والقرار
نفرح به، وأي حريص على تراث وتاريخ مصر يسعده تولي مؤسسات الدولة الحفاظ على
التراث والدفاع عن حقها في تملكه، وخاصة صوت القاهرة صاحبة التاريخ الكبير".
أبو هميلة،
أكد لـ"عربي21"، أن "صوت القاهرة كانت مؤسسة كبيرة، وتمتلك من
التراث الكثير (غنائي، وثقافي، وأدعية وتواشيح، وقراءات للقرآن الكريم)؛ ولكن تم
تدميرها بشكل منظم منذ 13 عاما، وتقليص أدوارها، وإجهاض قطاع الإنتاج بها بما كان
يقدمه من مسلسلات وسهرات وأفلام".
وأوضح أنها
"إحدى شركات الهيئة الوطنية للإعلام، ولها إدارة مستقلة، وتملك استوديوهات
بالقاهرة في العباسية، واستوديو الجيب بالجزيرة، ومصنعين لشرائط الكاسيت والأسطوانات
المدمجة، ومخازن كبيرة، وكانت مرشحة لأن تكون عملاقة لكن توالى اختفاء دورها كشركة
منتجة للكاسيت والدراما والغناء".
وأكد أبو هميلة، أن "هناك خطة لإجهاض التلفزيون نفسه وتدميره منذ العام 2005، وتلاشى قطاع الإنتاج به
ودور صوت القاهرة، ومنذ عامين تم توزيع موظفي الشركة على قطاعات التلفزيون".
وتساءل:
"كيف نطمئن على تراثنا في أيدي من يديرون الهيئة الوطنية للإعلام؟"،
واصفا إياهم بـ"الأيدي غير الأمينة"، مضيفا: "ولنا أن ننظر على
شاشات التلفزيون لنجده لا ينتج شيئا وذلك لصالح المهيمنين على الإنتاج الإعلامي
والدرامي كشركة إعلام المصريين والمنتج تامر مرسي".
وفي تقديره
لقرار "صوت القاهرة"؛ وهل هو لصالح تراث أم كلثوم وخطوة للحفاظ عليه؟ قال أبو هميلة: "قد يكون في ظاهره جيدا، ولكن في باطنه يصيبني بالقلق أن يصبح
التراث في أيدي هؤلاء المسيطرين على المجال الإعلامي"، متسائلا: "وماذا
عن مصير ما اشترته شركة روتانا من تراث مصري بعهد وزير الإعلام صفوت الشريف عام
2002؟".
وحول مدى
إمكانية أن تمنع حقوق ملكية صوت القاهرة بيع تراث أم كلثوم أو التفريط فيه
مستقبلا، أكد أنه "في ظرف وزمن آخر قد يكون هذا صحيحا، وقد يكون ممرا للبيع
والرشاوي والسمسرة كما حدث مع تراث التلفزيون"، لافتا إلى أنه "إذا كان
التراث تمتلكه أيد غير أمينة، فهو معرض لعدم الحفاظ عليه".
وبشأن إذاعة
الفضائيات العربية والإسرائيلية تراث أم كلثوم، أوضح المخرج المصري، أن
"الفضائيات العربية تمتلك تراثا مصريا كبيرا بطريق البيع والتهريب والسرقة، ولا
أعتقد أن صوت القاهرة تستطيع أن تمنع ذلك".
وأشار إلى أن
"إسرائيل تسيطر على كل تراثنا بالبلطجة كما تسيطر على قراراتنا بالبلطجة عبر
رجالها الكثيرين بمؤسسات الدولة المصرية، وهي ليست بحاجة لإذن لإذاعة أم كلثوم
وغيرها، ناهيك عن توجهات التطبيع المخجلة".
وحول إمكانية
أن تنعش ملكية صوت القاهرة لتراث أم كلثوم مبنى ماسبيرو، وتعوض خسائر التلفزيون
المصري، أكد أبو هميلة، أن "خسائر التلفزيون مخطط لها، وكل ما قُدم من إصلاح
تم دفنه بدهاليز المبنى وقياداته الذين يدينون للأمن بالولاء، وليس من هدفهم تحقيق
مكاسب للتلفزيون، ولا أن يقدم رسالة علمية وثقافية وسياسية".