تم التوقيع على مذكرة التفاهم بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق مؤخرا بغرض حلحلة أزمة المشروعات التركية المتوقفة من 2011م، وعقب وزير خارجية الحكومة المؤقتة في الشرق بأن أولوية الإعمار في ليبيا ستكون لمصر.
ابتداء أقول إنه في حال خرجت ليبيا من أزمتها السياسية والأمنية فإن لتركيا ومصر براح في أن تسهم في إعمار البلاد، وحاجات ليبيا إلى البناء والتطوير أكبر من قدرات وإمكانيات الدولتين، غير أن معيار التقييم والشراكة سيكون الكفاءة والجودة والأسعار.
الاعتراض على مذكرة التفاهم الليبي-التركي، والتي من المتوقع أن تتبعها خطوات تعزز التعاون الاقتصادي وتنقله إلى مستوى الشراكة، انحصر في الجانب السياسي وبعد انحياز أنقرة عمليا إلى جانب حكومة الوفاق ضد مشروع حفتر وداعميه الإقليميين.
صارت تركيا بلدا غازيا في نظر أنصار حفتر، وتعالت أصوات تدعو إلى مقاطعة البضائع التركية، وهو ما لا يمكن تحققه بعد أن صار المنتج التركي الأكثر رواجا في السوق المحلية، ولا يكاد يخلو بيت ليبي من سلع معمرة تركية، فضلا السلع الاستهلاكية وما في حكمها.
كما أنه لا يكفي سببا لرفض المذكرة والشراكة مع تركيا لأن الأخيرة تسعى لتعظيم مصالحها في ليبيا، وهل تدخلت روسيا وفرنسا ومصر حبا في حفتر وغراما بعقيلة صالح؟!
وتكفي مراجعة تصريحات ساسة ومثقفين وصحفيين مصريين لندرك أن المسألة تتعدى ملاحقة المصالح المشروعة إلى الرغبة في الاستحواذ، ومثالها الصريح كلام الناطق الأسبق باسم الخارجية المصرية الذي عبر عن الأسى من حرمان مصر من الثروات الليبية ردحا من الزمن وأن ذلك لن يتكرر.
كما أن إخضاع إعلان مسؤولين في برلمان طبرق والحكومة المؤقتة أن الأولية في إعمار ليبيا لمصر للبحث يكشف أن موقفهم سياسي بامتياز ويأتي على حساب الخيارات الاقتصادية والعوامل الفنية، إذ لا يمكن المقارنة بين الاقتصادين التركي والمصري كما سيظهر في سياق النقاش.
اقتصاد قوي وشركات منافسة
الاقتصاد التركي اليوم يأتي في الترتيب الـ 16 عالميا، فالناتج الإجمالي التركي يقترب من الترليون دولار أمريكي، أي أكثر من ضعفي الناتج الإجمالي المصري، ويتسم بالتنوع، ويحقق درجة عالية من الاكتفاء الذاتي بعد أن شهدت تركيا قفزة مهمة في قطاع الصناعة وصارت السلع التركية تنافس على مستوى عالمي.
والأهم من ذلك هو التطور الذي شهدته شركات الإعمار التركية، فبحسب مجلة إنجينيرنق نيوز "Engineering News" فقد احتلت الشركات التركية الترتيب الثاني بعد الصين من حيث انتشارها خارج محيطها الجغرافي، ونفذت الشركات التركية أكثر من 10 آلاف مشروع خلال العقود الخمسة الماضية توزعت في 125 دولة حول العالم، وبقيمة تخطت الـ400 مليار دولار أمريكي، فيما لم تدخل الشركات المصرية التصنيف.
التطور الأكبر وقع خلال العشر سنوات الماضية، حيث نفذت الشركات التركية ما يزيد على 4100 مشروع خارج تركيا وبقيمة 220 مليار دولار، وتنافس شركات إنشاءات تركية نظيراتها داخل الولايات المتحدة وروسيا والعديد من الدول الأوروبية، في مقابل غياب كلي للشركات المصرية في الأسواق الأمريكية والأوروبية والآسيوية.
شراكة ذات جدوى
العلاقة مع مصر وصلت إلى مستوى شراكة وتحصلت البضائع والشركات المصرية على تفضيل في مرحلة سابقة، إلا أن الأهمية النسبية اقتصرت على توفير العمالة، ولم تتطور إلى تحقيق منافع كبرى وذلك لضعف الاقتصاد المصري وضعف منافسة البضائع والشركات المصرية.
ولأن المنتجات التركية تغزو مناطق وفضاءات عالمية، حيث إن جهازا من بين أربعة أجهزة كهربائية منزلية (ثلاجات، غسالات، أفران، مكيفات، شاشات تلفزيون.. إلخ) يباع في الأسواق الأوروبية هو تركي المنشأ، ولأن المنتجات التركية بدأت الدخول للسوق الأفريقية، ولأن الاقتصادات الإفريقية تشهد نموا ملحوظا يجعل من السوق الإفريقية سوقا واعدة، فإن ليبيا يمكن أن تكون وسيطا للسلع والمنتجات التركية، بحيث تصبح المناطق الحرة الليبية أساسا لشراكة حيوية نافعة للبلدين.
الاقتصاد التركي اليوم يأتي في الترتيب الـ 16 عالميا، فالناتج الإجمالي التركي يقترب من الترليون دولار أمريكي، أي أكثر من ضعفي الناتج الإجمالي المصري، ويتسم بالتنوع، ويحقق درجة عالية من الاكتفاء الذاتي بعد أن شهدت تركيا قفزة مهمة في قطاع الصناعة وصارت السلع التركية تنافس على مستوى عالمي.
اقتصاديا، تعني الشراكة بين الاقتصادين والوساطة عبر المناطق الحرة ودخول استثمارات تركية في شكل فروع لشركات التصنيع المختلفة من منتجات حديد الصلب والأثاث والمواد الكهربائية إسهاما مباشرا في زيادة النمو ومعالجة جزء من الإشكاليات التي تواجه الاقتصاد الليبي والتي من أبرزها تغول القطاع العام وضعف القطاع الخاص وصغر حجمه وارتفاع معدلات البطالة وضيق السوق المحلية ومحدودية الاستثمارات الخارجية.
عليه، فإنه وبحسب معطيات الواقع وحقائق تثبتها الوقائع فإن الشراكة مع تركيا مفيدة أكثر من الشراكة مع مصر وذلك في حال فرض التفضيل والتخيير، غير أني أقول إن ليبيا محتاجة إلى شركات متعددة تركية ومصرية وغيرها لأجل تحقيق نمو وتنمية ونهضة اقتصادية واجتماعية، وإن تغليب العوامل السياسية عند وضع الخطط والاستراتيجيات الاقتصادية مضر بل كارثي وتجربة النظام السابق أكبر دليل على صدق ما نقول.
لماذا ترفض اليونان خفض التصعيد والتفاوض مع تركيا؟
الموقف الأوروبي والأمريكي من النزاع شرق المتوسط
الإسلاميون والتحديات الجديدة: هل آن الأوان لطيّ صفحة الخلافات؟