أقر
البرلمان المصري قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب، وهو الغرفة الرئيسية للسلطة التشريعية بمصر، قسم القانون النظام الانتخابي على نظامين الأول الفردي وله 284 مقعدا في 143 دائرة انتخابية، والثاني قائمة مغلقة أو مطلقة خصص لها 284 مقعدا على أربع دوائر انتخابية. شكلا، القانون التزم بحكم المحكمة الدستورية بخصوص الثقل الانتخابي للمقعد.
منذ أن بدأ الحوار المجتمعي بين الأحزاب التي كان أبرزها الذي عقد حزب "مستقبل وطن" الذي يقود الأغلبية البرلمانية في ما يعرف بائتلاف دعم مصر، والتي كانت أبرز نقاط الخلاف فيه هو قوانين
الانتخابات.
فبعيدا عن حالة التضييق الأمني لأحزاب المعارضة، وخاصة أحزاب الحركة المدنية، والتي يقع أبرز قياداتها ما بين الاعتقال والمنع من السفر أو الظهور في وسائل الإعلام وملاحقة كوادر هذه الأحزاب في المحافظات، ظلت قوانين الانتخابات واحدة من أبرز الخلافات، والتي من المرشح أن تستمر طويلا طالما لا زال النظام الحاكم في مصر حاليا يتعمد عدم تمثيل الشرائح الاجتماعية تمثيلا حقيقا.
شكلا، القانون استجاب لمطالب أحزاب المعارضة بزيادة مقاعد نظام القائمة، لكن حقيقة القانون تأتي من خلال تطبيقه في تقسيمات الدوائر الانتخابية. فالمقاعد المخصصة لنظام القائمة 284 مقعدا، تم تقسيمهم على أربع دوائر، الأولى سبع محافظات لقطاع القاهرة الكبرى، وخصص لها 100 مقعد، والثانية 11 محافظة بقطاع الصعيد مع 100 مقعد، والثالثة سبع محافظات بقطاع شرق الدلتا، ولها 42 مقعدا، والرابعة ثلاث محافظات بقطاع غرب الدلتا ولها 42 مقعدا.
وفقاً لإمكانيات أحزاب المعارضة التي تتعرض للتنكيل لن تتمكن من تشكيل أي قائمة انتخابية، وخاصة أن الأجهزة الأمنية تتعقب تحركات كل الكوادر والقيادات وأي شخصية عامة، وعلى رأسهم أصحاب الرأي المخالف لنظام الحكم، بالإضافة لرفض الأحزاب شكل النظام الانتخابي الحالي، وخاصة في ما يتعلق بالقائمة المطلقة، وتطالب بالقائمة النسبية، والتي ستتفادى العيوب الحالية لنظام الانتخابي الحالي القائم على الفردي والقائمة المغلقة.
الجميع ظن أن الدولة المصرية استوعبت الخطأ الكبير الذي حدث في انتخابات مجلس الشيوخ، والتي مرت منذ أيام قليلة، مع عزوف الناخبين عن المشاركة لغياب كل عوامل المنافسة، لكن من الواضح أنها مستمرة في تهميش المواطنين في اختيار ممثليهم من المشرعين ومنع الأحزاب من العمل العام، وهو مبرر وجودها.
تعجيز الأحزاب على تكوين أي أغلبية برلمانية هو مخالفة دستورية، كما أن التبرير بتمثيل الفئات الضعيفة، كالمرأة والأقباط وذوي الاحتياجات الخاصة، كلها شعارات للتغطية على عدم السماح للأحزاب والعمل السياسي بالاستمرار في مصر.
وهذا ما ينطبق أيضا على الدوائر الانتخابية للنظام الفردي التي اتسعت بما يعجز معها أي مرشح عن تغطيتها، بالإضافة لجمع متناقضات المصالح الاجتماعية والاقتصادية لأبناء الدائرة الواحدة، نظرا لجمع أكثر من تجمع سكاني، وبطبيعة الحال تختلف وتتعدد مطالبهم واحتياجاتهم لدرجة التناقض.
يؤكد ذلك أن الأجهزة الأمنية سوف يكون لها الدور الحاسم والفاصل لحسم المقاعد لصالح المرشحين المفضلين لها، على غرار انتخابات مجلس الشيوخ.
إن هذا المستوى من التفكير وصل لأدنى مستوياته، ويفوق انتخابات 2010 التي تسببت في ثورة يناير أو كانت أحد عواملها الرئيسة.. إنه التطبيق الحديث لما كان يحدث وقت الاتحاد القومي والاشتراكي قبل عودة الحياة الحزبية.
القانون معيب دستوريا بكل تأكيد، والتفاف واضح على الدستور، ويعكس رغبة الأجهزة الأمنية في السيطرة على الحياة السياسية جملة وتفصيلا، بداية من إقرار القانون مرورا بتقسيم الدوائر، فاختيار المرشحين، انتهاء بالفائزين.
البرلمان القادم بهذه القوانين سيتناقض تماما مع كل المعايير الدولية لانتخابات ديمقراطية؛ التي أهمها تنظيم عملية اتخاذ القرارات، وتمكين الفرد أو المؤسسات من المشاركة في صناعة القرار، وتنظيم علاقة المؤسسات المنتخبة بالمواطنين.