قديما وفي مطلع الثمانينيات كتب شاعر الكرامة والصدق أحمد مطر.. قصيدته التي استبق بها كل من كتب واستشرف الحال العربي، حيث لهث كثيرون تجاه الصهاينة المحتلين على اختلاف مستوياتهم، فمنهم من هاب أنْ يجاهر بولائه لهم ومنهم من كان ولاؤهم ثمناً لاعتلائه العرش ككافور مصر أنور السادات، فراح خاضعا ذليلا لكامب ديفيد، طالبا الغفران مصليا في محراب العبودية، راغبا في عفو من إلهه الأمريكي الإسرائيلي، فثار بعض العربان إرضاءً لشعوبهم المغفلة، وصدقت الشعوب القصة وأن للقدس أنصارا من وكلاء المحتل، فكان شاعرنا بنظرته الاستشرافية محل صدق إذْ قال:
اﻟﺜﻮﺭ ﻓﺮ ﻣﻦ ﺣﻈﻴﺮﺓ ﺍﻟﺒﻘﺮْ،
ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻓﺮْ
ﻓﺜﺎﺭﺕ ﺍﻟﻌﺠﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻈﻴﺮهْ
ﺗﺒﻜﻲ ﻓﺮﺍﺭ ﻗﺎﺋﺪ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮهْ،
ﻭﺷﻜﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺛﺮْ
ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻭﻣﺆﺗﻤﺮْ
ﻓﻘﺎﺋﻞ ﻗﺎﻝ: ﻗﻀﺎﺀٌ ﻭﻗﺪﺭْ
ﻭﻗﺎﺋﻞ: ﻟﻘﺪ ﻛﻔﺮْ
ﻭﻗﺎﺋﻞ: ﺇﻟﻰ ﺳﻘـﺮْ
ﻭﺑﻌﻀﻬﻢ ﻗﺎﻝ ﺍﻣﻨﺤﻮﻩ ﻓﺮﺻﺔ ﺃﺧﻴﺮهْ
ﻟﻌﻠﻪ ﻳﻌﻮﺩ ﻟﻠﺤﻈﻴﺮهْ
ﻭﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮْ
ﺗﻘﺎﺳﻤﻮﺍ ﻣﺮﺑﻄﻪ، ﻭﺟﻤﺪﻭﺍ ﺷﻌﻴﺮهْ
ﻭﺑﻌﺪ ﻋﺎﻡ ﻭﻗﻌﺖ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻣﺜﻴﺮْ
ﻟﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﺍﻟﺜﻮﺭُ
ﻭﻟﻜﻦ ﺫﻫﺒﺖ ﻭﺭﺍﺀﻩ ﺍﻟﺤﻈﻴﺮهْ
حقا.. الثور لم يرجع ولكن الحظيرة ذهبت وراءه، تلملم العلف لكي تحظى بوعود الرياسة والتثبيت في كراسي عروشها المهترئة، وما هو الثمن الذي قدموه؟ إنها فلسطين والقدس والمقدسات وأراضي أمة حافظنا عليها ١٤٠٠ سنة، ففرط فيها عربان اليوم الخائبون، ولكم كان لنا في هذه الأرض من تاريخ وذكريات، فكل زاروب في القدس يشهد بعدل أمة باذخة المعالم، فذاك الفاروق وثوبه المرقع وإقراره لنصارى بيت المقدس وكنائسهم، لوعةٌ أي لوعة.. فهاهم العربان اليوم وقد أصبحوا آباء رغال القضية الفلسطينة الأسيفة باعوا فيها واشتروا من غير تفويض من الشعوب الخائفة الذليلة، وهاهم يعلنون صفقات بيعهم للقدس عبر مايسمى بـ "دولة الإمارات العربية" زورا وبهتاناً، وكان ولي عهدها ابن زايد عونا للصهاينة من سنين على أهالي بيت المقدس يشتري عقاراتهم بحجج ملتوية قذرة، ومن ثم يسلمها حلالا زلالا للصهاينة المحتلين..
فيا عجبا من حالنا التي وصلنا إليها وها نحن نرى مذ وُلدنا أننا نقاسي صنوف ذل ومهانة، ويعتمل بين جوانحنا ألم وقهر تجاه أم القضايا، قضية فلسطيننا وقدسنا، وحُرمنا من صلاة طيبة مباركة في رحابه، ولولا شباب مجاهد مخلص يافع وأمة هناك في أكناف بيت المقدس لكانت صُفِّيَتْ القضية برمتها من زمن بعيد:
ولا حجارة أرض الطهر ما عرفوا طعم العقاب ولا أصغوا ولا هانوا
ثـارت تزمـجر والتكبير يرفعهـا وهز نخوتها قهر وعدوانُ
هؤلاء الصبية هم قطرة الشرف في بئر الدعارة العربي، وهم الذين يصدون ومازالوا نكايات جبارة عن أمة خاملة، ران عليها الاستبداد والطغيان، واستبد بها هوى الوكلاء المحتلين، ولا غرو فمن أسلم قياده للأنذال فلا يسل عما سوف يحيق به من الأهوال.. واليوم يفاجئونا قادة الإمارات في خطوة اختلفت عما قبلها بإعلانها ليس إلا، بأنهم حدِبون على القدس وأنهم أوقفوا كذبا وزورا ضم ما تبقى من الأراضي الفسطينة!! فمن الذي فوضهم ليتكلموا باسم الشعب البطل المجاهد؟
فحتى خدناء الإسرائيليين "جماعة أبي مازن" لم يرتضوا الخطوة، ولكن على طريقتهم في النكير فقالوا: إن هذا العمل فيه عدوان.. ولم يقولوا "إن الإمارات ترتكب خيانة بفعلها هذا" لأنهم شركاء من قبل، في مدريد وأوسلو وأخواتها..
المهم أن بن زايد في الفجور والنكور والخيانة، اجترأ وأعلن هذا من غير تفويض لا من الشعب ولا من السلطة المسلَّطة على شعبنا الفلسطيني في الداخل، ولم تكن له مع الصهاينة أصلا حرب حتى يعلن السلام، والمقصود ليس البحرين ولا الكويت ولا قطر ولا عمان بل المقصود بلاد الحرمين الشريفين.. تلك البلاد التي يعرف جيدا الصهاينة ما معنى أنْ تطبع علاقاتها أوْ عفوا تعلن تطبيعها مع الكيان الصهيوني في قدسنا العزيز.
وها نحن وقد بات واجبا علينا أنْ نقوم بكل ما في وسعنا وإمكاناتنا الفردية والمؤسسية للحيلولة دون إتمام هذه العملية المهينة أولا لأمتنا، ثم لكرامة أجيالنا من ورائنا، فيا لها من أمة هانت على أعدائها وبلغ منهم أنْ يهينوها بأموالها وفي عقر دارها وبيد أبنائها، وحينما نبوح عما في صدورنا عن هذا الخطب الجلل والألم الموجع، ندرك أننا لازلنا على قيد الكرامة، ولذلك نشعر بوخز الضمير، ولكن هذا وحده لايكفي، بل ينغي على الأمة أفرادا وجماعات أنْ تهبَّ لتستأصل شأفة الحكومات العملية والتي كانت ولازالت تنخر في جسد أمتنا..
وأخيراً:
يا مسجد الأقصى جزيرتنا بها شوقٌ إليك، وقلبها لا يغفلُ
مدَّتْ إليك بكفها، وأمامها ووراءها من مجرميها جحفلُ
نظرتْ إلى جيرانها فرأت يداً عربيةً يهتزُّ فيها المعولُ
ورآتْ جيوشاً عن حماك تراجعتْ غدراً، وعنك الواهمون تحولوا
تركوك للباغي العنيد فريسةً وبصدِّنا عما نريد تكفلوا
هذي جزيرتُنا تقدم عذرها والعذرُ عند ذوي الشهامة يُقبلُ
ياويح أمتنا يُمزقُ ثوبها بيد إبنها الباغي الذي لايعقلُ
ياويح أمتنا بخنجر بعض من نُسبوا إليها تُستباح وتُقتلُ
ورأيتُ قوما يهدمونك جهرة والعذر فيما يصنعون"الهيكلُ"
أنا مارأيت سوى مؤامراة الردى نُسجت، ونسج خيوطها يستكملُ
جبُنوا وربك عن مواجهة الذي يجني عليك، وفي الخداع استبسلوا
قريبا سنلقاك يا قدس..
ضررٌ وضرار.. محطّة التطبيع الإماراتية
عندما يُستخدم التسامح مع الآخر كسلاح للتستر على قمع المواطن الإماراتي