يُكثر المصريون مؤخراً من الحديث عن "الأمن القومي"، لكن المفارقة أنّ تخصيص هذا المفهوم يقترن غالباً بالحديث عن الوضع في ليبيا. يحاول المسؤولون المصريون تضخيم خطر غير موجود بدعوى أنّ قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً هي مجرّد مليشيات وجماعات إرهابية، وأنّ هذه الجماعات تشكّل خطراً عابراً للحدود بشكل يُهدّد الأمن القومي المصري.
مبررات ضعيفة
يتناقض مثل هذا الادّعاء مع حقيقة أنّ المليشيات الموجودة داخل الأراضي الليبية على الحدود مع مصر هي المليشيات والمرتزقة التابعة لخليفة حفتر وتضم مقاتلين من تشاد والسودان وروسيا وأوكرانيا وصربيا وسوريا وجنوب أفريقيا وعدد آخر من الدول. هذا يعني أنّه إذا كان هناك من خطر حقيقي على أمن مصر، فلا بدّ أنّه سيأتي من هذه المجموعات التي تتمركز على الحدود مع مصر وليس من أي أحد آخر.
لكن إذا ما افترضنا جدلاً أنّ الادعاءات المصرية صحيحة، فلا يُفسّر المصريون كيف بإمكان قوات حكومة الوفاق الوطني التي تتمركز على بعد يزيد على الـ١١٠٠ كلم عن أقرب نقطة عن الحدود المصرية أن تُشكّل خطراً على الأمن القومي المصري. علاوةً على ذلك، يمكن للمراقب أن يلاحظ أنّ تضخيم المسؤولين المصريين للخطر الليبي المزعوم يزيد مع تزايد المخاطر الحقيقية على الأمن القومي المصري.
حالياً، تواجه مصر تحدّيات كبيرة تتمثّل بشكل أساسي في وضع نهر النيل والعلاقة مع إثيوبيا، والوضع الاقتصادي في البلاد، والوضع الأمني في سيناء. ولإخفاء عجزه وفشله في التعامل مع هذه الملفات الخطيرة والحساسة بالنسبة إلى الدولة المصرية والشعب المصري، يلجأ النظام المصري إلى تشتيت انتباه الناس من خلال اختلاق خطر قادم من ليبيا، والتهديد بتدخل عسكري هناك بحجّة "الأمن القومي"، وهو ما من شأنه أن يزيد من تعقيد التحدّيات التي تواجهها مصر.
هناك شكوك كبيرة في قدرة القاهرة على تحمّل التكاليف والأعباء الاقتصادية التي ستنجم عن تدخل عسكري في ليبيا سيما وأنّها تقوم بالاستدانة الأن من عدّة مصادر لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها.
هناك العديد من المؤشرات التي تقول إنّ الجانب المصري لن يقوم على الأرجح بعملية عسكرية موسّعة داخل ليبيا إذا ما تُرك الأمر له، وذلك لأسباب متعدّدة من بينها أربعة أسباب على وجه التحديد. أولاً، لا مصلحة حقيقية للنظام المصري بسبب غياب التهديد الحقيقي على أمنه الذاتي وعلى الأمن القومي المصري من ليبيا. ثانياً، الانغماس في العمق الليبي سيقوّض قدرات مصر في مواجهة إثيوبيا ويقوّي من موقف أديس أبابا لناحية تحدّي القاهرة وتجاهل مطالبها.
فضلاً عن ذلك، هناك شكوك كبيرة في قدرة القاهرة على تحمّل التكاليف والأعباء الاقتصادية التي ستنجم عن تدخل عسكري في ليبيا سيما وأنّها تقوم بالاستدانة الآن من عدّة مصادر لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها. وأخيراً، لا يوجد غطاء شرعي لتدخّل عسكري مصري لا على مستوى الأمم المتّحدة ولا على مستوى القرار الغربي والأمريكي الذي يرسل مساعدات عسكرية سنوية للقاهرة، ولا على المستوى الليبي.
تحديات التدخل العسكري المصري في ليبيا
لكن بغض النظر عمّا ذكرناه آنفاً، إذا قرّر النظام المصري القيام بعملية عسكرية في ليبيا، فسيؤدي ذلك إلى تعميق الازمة الليبية ـ الليبية، والى تقسيم البلاد. كما أن من المتوقع أن يواجه العمل العسكري المصري سلسلة من التحدّيات لعل أبرزها أنّ الدخول في عمق الـ١١٠٠ كلم يعتبر عمليّة معقّدة من الناحية اللوجستية ويحتاج إلى وقت لكي تقطع الأرتال العسكرية المسافة بين الحدود المصرية وسرت. وإذا ما نجحت في ذلك فإنّ خطوط إمدادها الطويلة جداً قد تصبح عرضة للاستهداف السهل حينها.
التحدّي الثاني هو مسألة التوقيت. إذا بدأت قوات حكومة الوفاق الوطني المعركة، فقد تنتهي قبل وصول القوات المصرية خاصة إذا لم تصمد مليشيات حفتر في المواجهة. أمّا إذا دخلت القوات المصرية قبل بدء أي معركة، فقد تصبح سبباً في تعجيل العمل العسكري، وإذا ما حصل ذلك فقد تستجر دوراً عسكرياً تركيّاً أكبر في ليبيا، مما يزيد من احتمال الصدام المباشر حينها بين أنقرة والقاهرة.
هناك أيضاً تحدّي استخدام القوّة الجوّية، فالمطارات الليبية غير صالحة لاستقدام مقاتلات متطوّرة، وباستثناء قاعدة الخادم التي تستخدمها أبو ظبي فليس هناك قاعدة صالحة تنطلق منها القوات الجوّية المصرية داخل الأراضي الليبية، علماً بأنّ قدرات الأخيرة على استقبال المقاتلات محدودة للغاية. وفي غياب القوّة الجويّة، فإنّ المهمّة المصرية ستصبح أصعب.
يبقى أن نشير إلى أنّ إستخدام القوّة البحرية المصرية قد يكون الخيار الأسهل للقاهرة نظرياً، لكن عملياً يبدو أنّ أنقرة قطعت الطريق على هذا الخيار بسبب الانتشار المسبق للقطع البحرية التركية قبالة الساحل الليبي. إذا قررت القاهرة تجاهل هذا الأمر وشن هجوم عبر البحر، فهذا يعني أنّها تخاطر بتحويل المعركة المفترضة إلى معركة تقليدية مع تركيا، وهذا أمر من الصعب حقيقةً تصوّر حصوله ليس لأنّه لا نيّة عند الطرفين للدخول في حرب مباشرة فقط، بل لأنّ التداعيات ستتجاوز ليبيا حتماً.
ورقة جديدة وخطة بديلة للقاهرة في ليبيا
الجزائر والمغرب وتجربة سوريا والعراق
حول جدل توزيع الإيرادات النفطية الليبية