فتاة ثلاثينية قتلت زوجها!
عشرينية حاولت الانتحار!
تاجر عذب زوجته حتى أفقدها الحياة! وآخر ادعى على زوجته أنها على علاقة بشخص آخر لينتهي منها بفضيحة، وآخر تسبب لزوجته بعاهة مستديمة طوال حياتها، وأخرى تتفق مع عشيقها على قتل زوجها!!
كثيرا ما مر ويمر على مسمعنا قصص كهذه وأكثر، وقد تتصدر عناوين هذه الأحداث المواقع والصحف والشاشات. عند سماعي لهذه الأخبار والقصص أول ما يخطر في بالي للوهلة الأولى: يا الله كيف للعشرة أن تهون؟ وإن هانت، أين أهل الفتاة من ذلك المجرم الكبير؟
لكن يعود بي التفكير لأتذكر ما عليه كثيرون في مجتمعنا الشرقي للأسف؛ من أفكار ظلم بها أفراده ذكورا وإناثا، ونعلم جيدا إن لجأت الفتاة لأهلها تشكو لهم ظلما قد وقع عليها ممن أمنوها عنده، طالبة الخلاص والطلاق منه معتقدة أنهم سندها بعد الله في هذه الدنيا وتقلباتها، هنا تستيقظ على صفعة اسمها ثقافة العيب و"كلام الناس".
وأول ما يتصدر المشهد تكون قصة آسيا زوجة فرعون وجزاء صبرها على أذى وعذاب زوجها. وشتان بين الحالتين، فهناك مفارقات كبيرة وجب عليهم الاطلاع والبحث أكثر فيها، ونحن نتحدث عن فرعون وليس عن رجل من المفترض أن يكون على خلق ودين. ويبدأ الأهل بسرد قصص الصابرات والمحتسبات من عائلتها ومعارفها، حتى وإن كان على حساب حياتها.
فعند البعض لا ضير أن تعيش المرأة في حياة مؤذية، سواء كان أذى جسديا أو نفسيا، لتنتصر كلمة الصبر والعادة "ما في بنت إلا ذاقت"، وأن "عائلتنا لا يوجد فيها طلاق ولا نساء مطلقات"، وان أصرت على طلبها سمعت من الكلام أبغضه ومن التهديد أسوأه ومن الوعيد أشده، وكأنها ترتكب جريمة أو فاحشة والعياذ بالله .
نعم لنشر ثقافة
الطلاق سبيلا للخلاص من الظلم والاضطهاد، ورفضا لحياة قاتمة مع رجل ظالم أو امرأة سيئة، ولولا أن الطلاق فيه خير ورحمة وراحة لما شرعه الله تعالى أو أباحه.
أما حديث: أبغض الحلال إلى الله الطلاق، فقد قال فيه البعض أنه مرسل وضعفه آخرون، وحتى لو أخذنا به فقد شرحه الصنعاني في سبل السلام قائلا: الحديث فيه دليل على أن في الحلال أشياء مبغوضة إلى الله تعالى، وأن أبغضها الطلاق فيكون مجازا عن كونه لا ثواب فيه ولا قربة في فعله.
وعليه من يتخذ الطلاق خيارا يكون قد فعل ما أباحه له الشارع جل في علاه، وكل له خياره في التعامل مع الأمر، فقد تحزن واحدة وتفرح أخرى، وقد يصل بها الأمر للاحتفال بخلاصها من ذلك الظلم.
ولا تعارض بين الحديث الذي رواه البخاري في أن زوجة ثابت بن قيس طلبت الخلع منه، وبين أحاديث نهي المرأة عن طلب الطلاق؛ لأن المنهي عنه هو أن تطلب الطلاق أو الخلع من غير بأس.. أي من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة، أما إذا وجدت في قلبها من البغض له بحيث لم تعد تطيق معاشرته، وخشيت على نفسها كفران عشرته فلها أن تطلب منه الخلع، كما فعلت زوجة ثابت بن قيس.
وعليه فالإسلام منح المرأة الحق في طلب الخلع والرجل الحق في تطليق زوجته، حيث أن غياب المودة والبيت القائم على عدم الانسجام يشكلان تهديدا للأسرة، وتربية مشحونة بالمشاكل والأخطار للأطفال.
وأما ثقافة المسلسلات وتقاليد بعض المجتمعات التي جعلت الطلاق وصمة عار ولاحقت المطلقة فجعلتها محط شك وانتقاص، فليست من المروءة والشهامة فضلا على أن تكون من الدين.
ولكن هذا لا يعني تحويل مسألة الطلاق لمعركة وساحة حرب، وقد قالوا: نادرا ما يكون
الزواج زواج عقل ولكن الطلاق يجب أن يكون طلاق عقل؛ لأن الزوجين يعرف كل منهما الآخر.
وكله يهون أمام الاستقواء بالدِّين لمنع حق شرعه الدين في الانفصال وطلب الطلاق، وإن جادلت أحدهم يقول: في أيام الرسول الكريم ﷺ لم نكن نسمع بالطلاق، وهم يتجنون بذلك على المظلومين في مجتمعاتنا. وهؤلاء أقول لهم: أحضروا أزواجا بخلق صحابة رسول الله ثم حاسبوا
النساء على طلبهن الطلاق.
وحتى في أيام النبي الكريم ﷺ كان إذا ساءت الحال بين زوجين، وساءت العشرة بينهما وأبغضت الزوجة زوجها وصارت لا تستطيع البقاء معه، فإنه يلزمه الطلاق ولا يجوز له تعطيلها والإضرار بها، لقول النبي ﷺ: "لا ضرر ولا ضرار"، وقوله تعالى: "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا".
إذن فالإسلام أوجب على الرجل إذا عرف من زوجه أنها لا تريده أنه يطلقها ولا يضار بها. ولا مانع من طلبه ماله الذي دفعه إليها، كما جاء في قصة ثابت بن قيس. وظاهر هذا الوجوب كما قال العلماء؛ لأن هذا هو الأصل في الأوامر، ولأن في هذا دفعا لضرر، وإحسانا للجميل، وحفظا لحق العشرة والذي كان عشيرا يوما ما، وهذا ما نلمسه بقوله تعالى: "وإن يتفرّقا يغن الله كلا من سعته".
فلا يجوز له أن يمسكها ضرارا، أما إذا تيسرت عودتهما لبعض بحياة جديدة (بعيدا عن هز الفنجان في الجاهات العشائرية ووسطاء لم يشهدوا على حياتهما) فهذا مطلوب ومستحب، فلا أحد يحب (والعياذ بالله) تشتت العائلة وخصوصا عند وجود أطفال، لكن إذا بذلت الأسباب ولم يتيسر الوئام فالواجب عليه أن يفارقها، سواء كان ذلكما قبول رد ماله أو السماح عنه.
وفي النهاية نحتاج أن نصل لمرحلة لا نعتبر بها الطلاق نهاية العالم، وقد يبدل الله الطليقين خيرا من حياتهما السابقة، وكما قالوا: إن لم يكن وفاق ففراق.