عقد مجلس الأمن بالأمم المتحدة يوم الأربعاء، الموافق لـ24 حزيران/ يونيو 2020، جلسة خاصة حول خطة "الضم" الإسرائيلية عبر دائرة تلفزيونية، على مستوى الوزراء وبحضور أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووزير خارجية
فلسطين رياض المالكي. وكعادتها وجهت واشنطن عبر مندوبتها كيلي كرافت انتقادات لاذعة إلى مجلس الأمن، واتهمته بتقويض أي فرصة لسلام حقيقي ودائم بين الطرفين.
ليس من المستغرب تصريح كرافت، فهي تمثل دولة الانحياز الكامل والدائم لمصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولاتها الخبيثة بفرض صفقة القرن على الفلسطينيين وكأنها فرصة السلام الأخيرة.. نعم إنها فرصة، ولكنها فرصة الاحتلال الذهبية لإنهاء حلم الفلسطينيين في إقامة دولة حرة مستقلة وتحقيق عودة اللاجئين إلى ديارهم وأراضيهم، وفي ظل تآمر أمريكي وتخاذل عربي، وفشل ذريع لقيادات المنظمة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية المتعاظمة.
ولكن المستغرب حقاً كان رد المالكي على سؤال أحد الإعلاميين خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد الاجتماع، حيث سأله حول إمكانية عقد
انتخابات لمجلس وطني جديد وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، فأجابه المالكي: "إن الأولوية الآن ليست للانتخابات بل لإفشال صفقة ضم الأراضي، ويجب ألا نبعد انتباهنا عن هذا الخطر ونتجه إلى مسائل غير قابلة للتحقيق". وأكد على صعوبة إجراء أي انتخابات في أي دولة، ثم أضاف: "إما أن نحمي مشروعنا الوطني في إقامة دولتنا المستقلة أو سنخسر هذا المشروع لسنوات طويلة قادمة. علينا أن نجمع قوانا، كلنا بدون استثناء، منتخب أو غير منتخب، من داخل منظمة التحرير أو من خارجها، علينا أن نقف معا ونواجه التحدي. التحدي ليس موجها ضد أبي مازن أو ضد رياض المالكي، بل ضد كل الشعب الفلسطيني ووجوده، وضد سردية الشعب الفلسطيني، وضد مستقبل الشعب الفلسطيني. لذلك علينا أن نضع كافة جهودنا معا لهزيمة مشروع ضم الأرض الفلسطينية. وبعد ذلك يمكن بحث كل شيء".
وأتساءل هنا: يا معالي وزير الخارجية لدولةٍ لم تتحقق إلاّ على الورق، متى كان الوقت مناسبا لإجراء انتخابات حقيقية تعيد الحياة لمجلس وطني فلسطيني أغلب أعضائه (مع كل الاحترام لهم ولتاريخهم) إما قد توفاهم الله أو فقدوا الذاكرة، أو لا يملكون القدرة الصحية على متابعة الأخبار وتقييم الأحداث وإصدار القرارات، وأصبح من يتحكم فيه أفراد من فصيل واحد؟
إن التحدي الحقيقي الذي يريده الشعب الفلسطيني هو اعتراف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها
محمود عباس وصائب عريقات وآخرون، بفشل مسيرة أوسلو التي دافعوا عنها سنوات طويلة وحاربوا كل المعارضين لها. لقد قدمت المنظمة بقيادتها الحالية منذ اتفاقية أوسلو الآمال والأحلام لشعبنا، فما أصابه إلا الهم والغم وأغرقوه في وحل لوثوه بقراراتهم واستراتيجياتهم الفاشلة.
إن الواجب الآن على الوطني الصادق منهم أن يقبل التحدي، ويعلن تحمله لما وصلنا إليه اليوم من ضياع للحقوق الفلسطينية وعلى رأسها القدس وترك أهلها لمصير مجهول. وعلى قيادة المنظمة أن تتحمل أيضا تهميش شعبنا في الخارج وقد تجاوز عددهم السبعة ملايين، وتعمدت إبعادهم عن القرار الفلسطيني عبر تمثيلهم ديمقراطيا في المجلس الوطني، وتمسك القيادة الحالية بكل مراكز القرار الفلسطيني وكأنها قيادة أبدية لا بديل عنها. هذه الحالة أسقطت شعبنا في شرخ وانقسام لم يشهده تاريخنا النضالي، بل يعتبر وصمة عار على كل من كان سببا فيه.
لقد عاش شعبنا في خارج فلسطين على أمل العودة إلى ديارهم ورؤية كيان حر يمثلهم، ولكن للأسف كان التشتت في أصقاع الأرض والبعد عن بلادهم وتفرقهم عن أهلهم في تزايد مستمر وكأنه نزيف لا ينقطع، لا سيما المقيمين منهم في مخيمات اللاجئين، هؤلاء الحائرون في الأرض هم من دفعوا أبهظ الأثمان وتجرعوا مرارة العيش وألم الغربة وذل الحياة، في سبيل تحقيق حلمهم بالعودة إلى بلادهم.
التحدي الذي تطلبه يا معالي الوزير سيتحقق أمام الاحتلال عندما يعود قادة المنظمة إلى شعب فلسطين، ويلتفون حولهم ويكونون حماة لهم في كل الميادين، ويعترفون بنتائج ما اقترفت أياديهم بحق أسمى قضية عرفها الوجود، ألا وهي قضية فلسطين.
حينها الشعب الفلسطيني سيقبل معهم التحدي الذي تريده، ويخوضون غمار المواجهة متحدين ضد الاحتلال، وقد وضع الشعب حينها ثقته فيمن هم أهل لها، بإرادتهم وخيارهم.
فهل سيقبل الرئيس محمود عباس ومن معه من قادة المنظمة هذا التحدي!!!