يستعد الثوار الشباب السودانيون وقوى سياسية متخاصمة لتظاهرة كبيرة باسم (مليونية 30 يونيو) الجاري، بيد أن للداعين للتظاهر أهدافا مختلفة ومتناقضة، ما يثير مخاوف من انزلاق أمني خطير، فالثوار يرفعون شعار "تصحيح مسار الثورة" التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير في كانون أول (ديسمبر) العام الماضي، بينما يأمل المعارضون للوضع السائد أن تشكل التظاهرة ضغطا لإسقاط حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط تمهد لإجراء انتخابات عامة.
ولاحظ شهود عيان في العاصمة الخرطوم اليوم السبت، تعزيزات أمنية فوق العادة، وشوهدت أرتال من السيارات العسكرية تجوب شوارع العاصمة، وانتشار شرطي مكثف، وذلك بصورة أكثر تشددا مما هو متبع منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية لمواجهة انتشار مرض كورونا المستجد، حيث من المقرر انتهاء حظر التجمعات قبل يوم من موعد "مليونية 30 يونيو".
ودعت لجان المقاومة وهي التنظميات الأساسية للشباب الثائر غير المنتظم حزبيا في غالبيته، إلى التظاهرة المليونية من أجل تحسين الأوضاع المعيشية وزيادة فعالية الحكومة الانتقالية، واستكمال أهداف ثورة كانون أول (ديسمبر)، في حين سعت القوى السياسية المختلفة بما فيها التي تمثل الحاضنة السياسية لحكومة حمدوك، إلى تأييد مطالب المتظاهرين، وأعلنت بعضها تأييدها ومشاركتها في التظاهرة.
بيد أن حزب الأمة القومي الذي يُعد من أكبر الأحزاب السياسية المؤسسة لقوى الحرية والتغيير، رفض الخروج مع المتظاهرين، ودعا في بيان تسلمت "عربي21" نسخة منه لإلغاء تظاهرات يوم 30 يونيو، دفعا للحلول العملية، وإغلاقا للباب أمام قوى الردة وحفاظا على سلامة المواطنين في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد.
وحمل الحزب الذي يتزعمه الصادق المهدي، المسؤولية لأجهزة الدولة في حالة تفشي حالات الإصابة بالفيروس من جراء هذه التجمعات، وأدان أي تحركات مشبوهة مما وصفها بـ "قوى الردة والظلام" لإستغلال هذه المناسبة لافتعال إضطراب وفوضى لتحقيق أجندتها الخبيثة، على حد قول البيان.
بيد أن أحزابا أخرى في قوى الحرية والتغيير من بينهم الحزب الشيوعي والأحزاب الاتحادية المناوئة للحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني، أكدت دعمها واشتراكها في التظاهرة، ما يوحي بخلافات داخل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية.
وحسب المحلل السياسي والكاتب الصحفي خالد التجاني، فإن مسارعة عدد من القوى السياسية الأساسية في قوى الحرية والتغيير إلى إصدار إعلانات تزايد بها في الدعوة إلى المشاركة في مظاهرات 30 يونيو، محاولة استباقية لتخفيف الاحتقان وسط القواعد الشبابية قبيل موعد الـ 30 من يونيو، عسى أن يتخذ مساراً مختلفاً لا يصب في تحميل قوى الحرية والتغيير والحكومة الانتقالية أوزار التقاعس والعجز عن الوفاء بتطلعات الشارع بنتائج محسوسة على أرض الواقع، وليس بمجرد شعارات أو سوق مبررات لهذا التقصير المريع جراء تطاول حالة الفراغ القيادي، وغلبة صراع الأجندة الحزبية الضيقة، الذي يسيطر على المشهد.
وتسلم رئيس مجلس الوزراء، عبد الله حمدوك، مذكرة من ممثلي عدد من لجان المقاومة، تطالب بتحقيق السلام ومحاربة الغلاء والتضخم وندرة السلع الاستهلاكية، وحل مشكلات القطاع الصحي.
وأعلن تجمع المهنيين السودانيين في بيان، أن (مليونية 30 يونيو) ليست مجرد استعادة لذكرى تلك الملحمة العظيمة من العام الماضي، وإنما تجيء هذه المواكب كتعبير عن رغبة الشارع في إصلاح مسار الفترة الانتقالية وتحسين تصديها لقضايا الانتقال، وعلى رأسها تكوين النقابات، ملف السلام، وإكمال هياكل السلطة، وأزمة الدواء.
ونقلت صحيفة السوداني عن الناطق باسم الحزب الشيوعي فتحي فضل، قوله: إن الشعب السوداني سيخرج إلى الشارع للمطالبة بحق شهداء فض الاعتصام حتى لو حاولت السلطات منعه.
وأشار فضل إلى أن البعض يريد تخويفهم بأنه ربما يحدث صدام في 30 يونيو مع أنصار الثورة المضادة الذين أعلنوا الخروج في احتجاجات ضد الحكومة الانتقالية، منوهاً إلى أن 30 يونيو لا يقل أهمية عن يوم 6 نيسان (أبريل) ويوم 11 نيسان (أبريل) 2019م.
بالنسبة لقيادات حزب المؤتمر الوطني المحلول والذي هيمن على النظام المعزول، فقد أعلن القيادي إبراهيم غندور أن حزبه لن يخرج في تظاهرة موازية للمليونية التي أعلنت عنها قوى الثورة، بيد أن مناصري الحزب يأملون أن تفلح التظاهرة في الضغط على قوى الحرية والتغيير التي تشكل الحاضنة السياسية لحكومة رئيس الوزراء حمدوك للتخلي عما تصفه بسياسة "التشفي والانتقام" التي تتهم اليسار بأنه يقف وراءها، وأن تحمل التظاهرة الحكومة الانتقالية إلى إيقاف حملات الاستهداف لروافد النظام المعزول ووقف عمليات تطهير منسوبيه في أجهزة الدولة.
إقرأ أيضا: حزب "البشير" يرفض المشاركة بـ"مليونية 30 يونيو"
ويختلف الإسلاميون الذين شكلوا الرافد الرئيسي لحزب المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، عن رؤية قوى إسلامية أخرى لكيفية التعامل مع الحكومة الانتقالية. فقد دعا حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل حسن الترابي، الحكومة الانتقالية إلى تقديم استقالتها، وحذَر من مخطط فوضى في تظاهرات 30 يونيو.
وتحدث مع "عربي21" الأمين السياسي السابق للحزب الدكتور الأمين عبد الرازق، موضحا بأن حزبه لن يشارك في التظاهرة تجنبا للاحتكاك والمصادمة مع قوى سياسية أخرى، وشدد على أن حزبه عندما يطالب برحيل حكومة الدكتور عبد الله حمدوك فإنه لن يؤيد أو يدعم أي تحرك عسكري للانقضاض على السلطة وانما تؤول السلطات إلى المجلس السيادي.
وذكر عبد الرازق أن حزبه يرى انسدادا في الأفق السياسي، ويؤكد على الحق الدستوري للشباب الثوري في التعبير عن الوضع الاقتصادي والمعيشي المتأزم، ما يؤكد فشل حكومة حمدوك في مهام الانتقال، وعجزها عن تحقيق العدالة، فضلا عن ظهور التشفي والانتقام على سياسات النظام الانتقالي على حد قول عبد الرازق.
ودعا كافة التنظيمات السياسية إلى رفع يدها عن "مليونية 30 يونيو" حتى لا تنحرف عن أهدافها وتدعو السلطات لحمايتها، كما دعا الأحزاب والقوى السياسية إلى التفاكر حول مآلات الأوضاع تحقيقا للمصلحة الوطنية والخروج بمشروع وطني يجنب البلاد الكيد وتصفية الحسابات والانزلاق نحو الهاوية.
لكن القيادي في الشيوعي كمال كرار ذكر لـ"عربي21"، أن حزبه يرى بأن المؤتمر الشعبي كان جزءا من نظام البشير حتى لحظة تنحيه، وأن حزبه لن يقبل الحوار مع من وصفهم بـ"سدنة النظام الفاسد"، وأن المؤتمر الشعبي يهدف من تحركاته ضمان استمرار حكم السودان بالإسلام السياسي.
وفي سياق متصل، أعلنت حركة الإصلاح والتجديد بزعامة القيادي الإسلامي الدكتور غازي صلاح الدين المشاركة في (مليونية 30 يونيو)، وحث المواطنين على المشاركة بقوة.
وقالت الحركة في بيان أرسلته لـ "عربي21": "إن مشاركتها في التظاهرة لأجل استثمار التفاعل الشعبي والسياسي الذي تحدثه المناسبة القادمة لوضع مقترحات عملية بناءة ومراجعة الأسس الدستورية التي تجري على أساسها عمليات البناء الوطني بحيث تتم العودة لدستور 2005 في أسرع وقت، دون الإضرار بالإجراءات التي تمت فعلا وفق الوثيقة الدستورية التي تأسست عليها الحكومة الانتقالية. وتدعو الحركة إلى طليعة سياسية بالتوافق بين القوى السياسية تكون مهمتها إجراء الحوار السياسي وفرز الأولويات قبل إحالتها على المعالجات السياسية والقانونية".
من ناحيتها، وصفت رئيسة الحزب الديمقراطي الليبرالي ميادة سوار الذهب "مليونية 30 يونيو" بأنها بدون "أب شرعي" وأن شعاراتها متباينة ولا تحمل هدفا سياسيا موحدا، وأن كلا من القوى السياسية تريد تجيير التظاهرة لصالح أجندتها الخاصة، وأن هذا الوضع "مدعاة لمخاوف أمنية واستقطاب حاد".
وذكرت سوار الذهب التي شارك حزبها في الحكومة التي شكلها البشير قبل رحيله بنحو عام، أن شباب الثورة هم أصحاب المصلحة الحقيقية من التظاهرة، وأن حزبها يؤيد حقهم الدستوري في التظاهر السلمي.
وأكدت في حديث لـ"عربي21"، أن حزبها لم يدعُ ولن يشارك في "مليونية 30 يونيو"، لكنها حذرت من احتمالية حدوث انزلاق أمني خطير بسبب تباين الفصائل والرؤى الداعية للتظاهرة، مشيرة إلى أن بعضها يدعم الحكومة الانتقالية وأخرى تدعو لتغيير راديكالي وإسقاط حكومة حمدوك.
إقرأ أيضا: السودان.. استعدادات لمليونية غضب شعبي في 30 حزيران
هل يكفي مؤتمر المانحين لإنقاذ السودان بمرحلته الانتقالية؟