خرج مؤتمر المانحين للسودان بتعهدات دولية بلغت قيمتها 1.8 مليار دولار، لمساعدة الخرطوم بالتغلب على الأزمة الاقتصادية الخانقة، في ظل المرحلة الانتقالية التي تقودها حكومة عبد الله حمدوك، بموجب اتفاق انتقالي عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير في ثورة شعبية العام الماضي.
وقال مسؤولون في المؤتمر إن
الاتحاد الأوروبي تعهد بمبلغ 312 مليون يورو (350.13 مليون دولار) وقدمت الولايات المتحدة
356.2 مليون دولار وألمانيا 150 مليون يورو وفرنسا 100 مليون يورو لمشروعات مختلفة
في السودان، ومن المشروعات تحويلات نقدية مزمعة لأسر فقيرة وذلك بمساعدة البنك الدولي،
وتعهدت بريطانيا بتقديم 150 مليون جنيه استرليني (186.17 مليون دولار).
ورغم أن هذه الأموال لم
تلبي طموحات الحكومة السودانية، إلا أن حمدوك أعرب عن شكره لمنظمي المؤتمر، والذي استضافته
ألمانيا عبر الإنترنت، برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبمشاركة دولية
واسعة، انتهت بدعم عربي محدود.
وحول كفاية مخرجات المؤتمر لإنقاذ الوضع السيء بالسودان، قال المحلل السياسي خالد الإعيسر إن "المؤتمر فتح للشعب نافذة على العالم، وخلق ترحيبا دوليا لما حققته الثورة الشعبية (..)، وهناك اعتراف دولي بالثورة، وهذا يعد عنصرا إيجابيا".
واستدرك الإعيسر في حديثه لـ"عربي21": "لكن على الصعيد الاقتصادي لم تلبي مخرجات المؤتمر طموحات الدولة، التي كانت خاضعة تحت نظام دكتاتوري لسنوات"، مؤكدا أن المؤتمر لم يركز على الشركات البناءة، وإنما اقتصر على تقديم مشاريع إغاثية، والتعاطي مع أزمات طارئة مثل كورونا.
اقرأ أيضا: دول تتعهد بـ1.8 مليار للسودان لدعم الانتقال السياسي والاقتصاد
وشدد على أن "المبلغ
الذي رصده المؤتمر، لا يغطي ما كانت تأمل الحكومة السودانية في الوصول إليه،
للنهوض بواقع البلاد والخروج من العزلة الدولية".
وحول ضعف الدعم العربي،
أوضح الإعيسر أن "ذلك يعود للإشارات السيئة التي وصلت بعض الدول العربية من
بعض الشرائح السودانية عقب الثورة"، مشيرا إلى أهمية تبني الحكومة السودانية
لخطاب سياسي، "يكسب جميع الأطراف سواء الأفريقية أو العربية".
عدم التناغم السوداني
ولفت إلى أن السودان مرتبط
تاريخيا بمحيطه العربي، وتلقى معونات عربية ضخمة من الكويت والإمارات وقطر
والسعودية، مضيفا أن ضعف الدعم في هذا المؤتمر يعود أيضا، إلى الواقع السياسي
بالسودان، والذي يمر بحالة عدم اطمئنان للمجمع الدولي وأفريقيا والعرب، مع حالة
عدم التناغم الداخلية.
وبشأن فرص تنفيذ مخرجات
المؤتمر، قال الإعيسر إن "المؤتمرات الدولية لا يمكن أن يبنى عليها، لكن لا
بد من التنويه إلى أن المبالغ المرصودة في هذا المؤتمر في معظمها مشاريع إغاثية،
وتأتي في ظل التفاهمات مع منظمة التنمية الأمريكية، والتي تعتمد على دعم الأسر
الفقيرة بشكل أساسي، وكذلك دعم الشرائح المختلفة في القرى والأرياف".
ورأى أن "المؤتمر افتقر
إلى الدعم الاقتصادي للبنية التحتية، التي يمكنها إحداث نقلة نوعية في الواقع
الاقتصادي السوداني"، متطرقا إلى ما أسماها "الكارثة" المتعلقة
بربط وزير المالية السوداني إقرار الميزانية العامة بمخرجات المؤتمر.
وتابع الإعيسر: "لذلك
وبعد عدم تلبية المؤتمر لطموحات الحكومة، فالسؤال يدور حول ماذا ستفعل الحكومة أمام
التحديدات الاقتصادية الكبيرة".
اقرأ أيضا: نشطاء سودانيون ينتقدون ضعف الدعم السعودي بمؤتمر المانحين
من جانبه، رأى الكاتب
السوداني ياسر محجوب الحسين أن "المؤتمر جاء مخيبا للآمال من ناحيتين، الأولى من حيث
حجم الأموال التي تم الالتزام بها، والثانية من حيث فكرة أن المؤتمر للمنح والعطاء
وليس للشراكة الاستثمارية".
وأوضح الحسين في حديثه
لـ"عربي21" أن "تبرعات المانحين لم تتجاوز المليار و800 مليون
دولار، منها 26 بالمئة تذهب كميزانية لإدارة المنحة، و20 بالمئة تدريب ورفع قدرات،
والباقي مواد عينية يتم شراؤها من شركات عالمية لفريق إدارة المنحة".
وأشار إلى أن "المانحين
للسودان سبق أن تعهدوا في عام 2008 بنحو 8 مليار دولار، وكانت الدولة في وضع
اقتصادي أفضل، وتصدر البترول وحجم الديون وفوائدها أقل بكثير"، معتقدا أن
"تجارب الدول مع مؤتمرات المانحين أيا كان حجم المنح، فاشلة من حيث الالتزام
بتنفيذ الوعود".
وتطرق الحسين إلى أكثر من
مؤتمر دولي انعقد وحصل على تعهدات مالية لم يتم تنفيذها، منها مؤتمر
أوسلو المخصص للسودان، والذي تعهد بتقديم ما يزيد على 8 مليارات دولار، منوها إلى انعقاد مؤتمر دولي خاص بمصر وتعهد المشاركون فيه بتقديم 100 مليار دولار دون إيفاء بذلك.
فرص استثمار
ورأى أن المؤتمر الأخير كان
من الممكن أن يكون مؤتمرا للشراكة، يهدف إلى تحقيق فوائد لجميع المشاركين، مبينا
أن "السودان دولة بها فرص استثمار غير محدودة".
وبحسب الحسين، فإن السياسيين
السودانيين لم يثبتوا للعالم حتى الآن، قدرتهم على تأسيس نظام سياسي ديمقراطي
شفاف، يكون جديرا بإقامة شراكات استثمارية معه، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن
المانحين لم يهتموا بمسألة الرفع غير المشروط للعقوبات.
وأرجع ضعف الدعم العربي إلى
سياسة المحاور والتدخل في الشأن السوداني، موضحا أن "الدعم عبر المؤسسات
الدولية، قد لا يسمح للطرف العربي الداعم بفرض رؤاه السياسية، مثلما يحدث بشكل
مباشر، ما يسمح بالابتزاز والضغط".
ونوه إلى أن الاتحاد
الأفريقي ليس لديه فوائض مالية لزيادة دعمه للسودان، إلا أن دعمه يمكن أن يكون
سياسيا وفنيا، معتقدا أن "أفريقيا غير مرتاحة للتغيير السياسي الذي تم في
السودان، وتشعر بالقلق والتوجس تجاهه"، وفق تقديره.
وقدمت السعودية، التي قالت إنها منحت السودان 500 مليون دولار خلال العام الماضي، عشرة ملايين دولار فقط، وقدمت الإمارات 50 مليون دولار.
وكان البلدان الخليجيان تعهدا بمنح السودان ثلاثة مليارات دولار نقدا وفي هيئة سلع وذلك بعدما أطاح الجيش بالبشير في نيسان/ أبريل 2019 لكن لم يتضح ما قدر الأموال التي وصلت إلى البلاد في المجمل.
وقبل انطلاق المؤتمر، قال حمدوك إننا "نهدف إلى تبادل الآراء حول الدعم السياسي والاقتصادي مع شركائنا بصورة قاطعة، لتحقيق التحول الديمقراطي والتعافي الاقتصادي"، مضيفا أننا "في حكومة الفترة الانتقالية حريصون على تحقيق واستدامة السلام الشامل والديمقراطية والتنمية في بلادنا".
وأشار حمدوك إلى أننا "نأمل أن نعالج قضية الديون والتي تبلغ 60 مليار دولار، ونتوصل إلى معالجة مع الدول المعنية"، معربا عن سعيه لخلق وظائف للشباب، إلى جانب تعزيز التعليم ومساعدة الأسر، التي تأثرت ببرنامج الإصلاح الاقتصادي.
السودان.. مليونية بأهداف مختلفة وتحذيرات من انزلاق أمني
النهضة تؤكد التوقيع على وثيقة الاستقرار الحكومي قريبا