الجنجويد، على ذمة أهل دارفور في غرب السودان، نفر من الجن على صهوات الجياد ظلوا منذ عام 2003 يمارسون القتل والحرق والاغتصاب والنهب بحق الزرقة من أهل الإقليم، أي من هم سود البشرة، وفي العامية السودانية فالشخص الأزرق هو أسود البشرة، بينما الأسمر يسمى أخضر، وذو البشرة الفاتحة أحمر..
مارست مليشيا الجنجويد التي وصفها الضحايا بالجن عمليات إبادة جماعية بشعة في دارفور، في إطار سياسة حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، التي رأت في سكان الإقليم الزرق خطرا على أمنها بعد أن رفعوا السلاح مطالبين بنصيبهم من السلطة والثروة، فأوكلت أمر القضاء عليهم لتلك المليشيا، ومن أبرز قادتها علي كوشيب الذي يقبع في محبس فاخر في لاهاي في هولندا حاليا، ليمثل أمام محكمة الجنايات الدولية متهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية (اسمه الرسمي هو علي محمد عبد الرحمن، وطلب من المحكمة خلال الجلسة الإجرائية عدم مناداته بكوشيب، رغم أنه كان سعيدا بهذا اللقب لسنوات طوال، وكوشيب هي البيرة الشعبية المصنوعة من السمسم والتي تسمى في السودان مريسة).
واستهداف الزرقة (السود) في الأراضي الأمريكية على أيدي الجنجويد البيض يعود إلى قرابة 180 سنة، فرغم أن البيض هم من استورد السود بقوة المال والسلاح، ورغم أن النهضة الاقتصادية الأمريكية منذ مطالع القرن التاسع عشر كانت بعرق ودماء أولئك السود، إلا أن جزاء إحسانهم كان تعريضهم للإذلال وقتلهم بدم بارد، من أجل "المتعة" أحيانا.
ولعل أشهر جنجويد أمريكا هي منظمة كوكلاكس كلان التي ولدت عام 1860، وابتدعت ما يعرف في التاريخ الأمريكي بـ lynching وهو الإعدام خارج نطاق القانون، شنقا أو بـ "الاصطياد" بالبنادق، أو في أحوال كثيرة، بوضع دولاب سيارة مطاطي حول الأسود المراد إعدامه وإشعال النار فيه ليركض مولولا حتى يحترق بالكامل، وسط التصفيق والضحك الصخاب.
رغم أن البيض هم من استورد السود بقوة المال والسلاح، ورغم أن النهضة الاقتصادية الأمريكية منذ مطالع القرن التاسع عشر كانت بعرق ودماء أولئك السود، إلا أن جزاء إحسانهم كان تعريضهم للإذلال وقتلهم بدم بارد، من أجل "المتعة" أحيانا.
في الولايات المتحدة اليوم 48 مليشيا عنصرية مسلحة، قامت بتوسيع دائرة المغضوب عليهم من غير البيض لتشمل اللاتينيين (السمر) أي الوافدين من أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، وتعمل تحت سمع وبصر السلطات الأمنية الرسمية وتمارس التدريبات في الرماية والطوابير العسكرية علنا وفي مضامير خاصة بها، وقد شوهدت بعض عناصرها وهي تمارس النشاط الجنجويدي في مواجهة المحتجين الذين خرجوا بالملايين إلى الشوارع والساحات رفضا للفصل والاضطهاد العنصري الذي يستهدف السود، بعد مقتل جورج فلويد خنقا من قبل ضابط شرطة جثم على عنقه بركبته حتى أسلم الروح، في 25 أيار (مايو) الماضي، واتضح أثناء التحقيق في الحادثة أن لذلك الضابط سجل حافل في استخدام العنف المفرط بحق السود المشتبه بهم في جنح بسيطة.
في ألمانيا مسقط رأس النازية يجرم القانون التبشير العلني بالأفكار النازية، ولكن بالولايات المتحدة ستة أحزاب نازية، أشهرها وأشرسها رابطة الأخوة الآرية في ولاية تكساس، وجميعها أجندتها وأنشطتها معلنة، وتعمل على تنقية الجنس الأبيض من الشوائب المتمثلة في وجود السمر والسود في "أرض البيض"، وهذه الأحزاب مسنودة بقساوسة يلوون أعناق نصوص الإنجيل ليجعلوا من التمييز على أساس العرق واللون واجبا دينيا مقدسا.
وكما أن جنجويد دارفور في السودان كانوا مسنودين بقوات نظامية، فإن المليشيات الجنجويدية في الولايات المتحدة لها حلفاء يدعمونها على نحو مكشوف، أو يتسترون على جرائمها في أوساط الشرطة، وثبت أن العنصرية الأمريكية مؤسسية عندما اندلعت الاحتجاجات في عديد المدن الأمريكية عقب مقتل جورج فلويد، فازدادت الشرطة وحشية (كاد المريب أن يقول خذوني)، ثم تقدم رجال الشرطة في أحد الأقسام باستقالات جماعية بعد توقيف زميل لهم بتهمة الاعتداء الوحشي المفضي إلى الموت على شاب كان يشارك في الاحتجاجات.
كان صعود دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة مكسبا كبيرا للعنصريين وغلاة اليمينيين، لأنه لم يخف قط أنه واحد منهم، وبلغت به الوقاحة أنه وتعقيبا على مشهد رجل شرطة يدفع شيخا سبعينيا كان يسير منفردا على جانب من الطريق إلى الأرض، مما أدى إلى شج رأسه ونزفه، قال ترامب إن الرجل "بالغ" في أمر السقطة، بمعنى أنه كان يُمثِّل، ولم يكلف نفسه عناء شرح كيف يمثل شخص حدوث شرخ في رأسه وتدفق الدم منه..
ما يسمى باليمين المسيحي في الولايات المتحدة، وهم حماة وسدنة الحزب الجمهوري، يديرون مؤسسات إعلامية ضخمة تبث خطاب الكراهية العنصري، وتعضد جرائم الجنجويد البيض بتوفير غطاء وتبرير ديني لها، وهي من أوحت لجورج بوش الابن أن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية أمر من السماء، ولعل كثيرين منا رأوا نفرا من القساوسة التبشيريين وهم "يرقون" ترامب داخل البيت الأبيض، كي يحميه الله من الكورونا ومن كيد الحزب الديمقراطي.
سياسة القاهرة تجاه ليبيا.. فشل يورث الندامة
الكورونا والعنصرية في مواجهة الجهل والغباء
ذهب مع الريح.. الكابوس الأمريكي