تزايدت تساؤلات المصريين عن مدى إمكانية تنفيذ عبد الفتاح السيسي وعوده بشأن توفير أمن مائي.
وعلى الرغم من التصريحات الدائمة للسيسي، عن أمن وأمان المصريين التي كان يطلقها دائما بصوت عال وانفعال شديد؛ مازال رئيس الانقلاب صامتا إزاء التصريحات الإثيوبية المثيرة لغضب شعبه ومخاوفهم.
السيسي كان قد قال بشأن أزمة سد النهضة، في كانون الأول/ ديسمبر 2015، مخاطبا المصريين بنبرة حازمة: "وهو أنا ضيعتكم قبل كدة علشان أضيعكم تاني؟!".
وفي سياقات أخرى وبنبرة غاضبة، قال السيسي، في 24 شباط/ فبراير 2016: "قسما بالله: اللي يقرب لمصر هشيله من على وش الأرض".
وفي 18 كانون الثاني/ يناير 2018، قال: "أنا مسؤول أمام الله عن مصر ومن المستحيل إسقاطها مرة أخرى".
وفي 31 كانون الثاني/ يناير 2018، قال: "محدش يلعب في أمن مصر وإحنا موجودين قسما بالله قبل ما حد يلعب في أمنك يامصر ويضع 100 مليون لازم يخلص عليا الأول، أروح و100 مليون يعيشوا، أمنك واستقرارك ثمنه حياتي وحياة الجيش".
وفي المقابل، يتخوف المصريون من عجز سلطاتهم عن فك رموز أزمة المياه، وتعثر أكثر من 40 جولة للمفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم، وتعنت وتسويف إثيوبي في إنهاء الأزمة على مدار سنوات حكم السيسي، وتحديدا منذ توقيعه اتفاقية المبادئ في الخرطوم، 23 آذار/ مارس 2015.
ومع اقتراب موعد حجز إثيوبيا مياه فيضان النيل الأزرق خلف سد النهضة، تتزايد المخاوف من تعرض مصر لموجات جفاف تدمر الأخضر واليابس، وتداعيات سلبية على مياه الشرب والصناعة والملاحة وغيرها، لا تستطيع مصر تحملها أو التعايش معها، حسب وزير الري المصري الأسبق محمد نصرالدين علام.
وفي شباط/ فبراير الماضي، وقعت مصر بالأحرف الأولى، وثيقة ملء سد النهضة وتشغيله برعاية واشنطن، باعتباره اتفاقا "عادلا"، وسط رفض إثيوبي، وتحفظ سوداني، ورغم ذلك قبلت القاهرة العودة لطاولة المفاوضات قبل أيام دون تحقيق تقدم ملموس.
وفي ظل ذلك الموقف، توالت التصريحات الإثيوبية المدافعة عن حق بلادها في هذا الأمر والمهددة بخيار الحرب.
والجمعة، لوح نائب رئيس هيئة الأركان الإثيوبي الجنرال برهانو جولا، بخيار الحرب ضد مصر، مؤكدا لصحيفة "أديس زيمن" الأمهرية، أن أديس أبابا "ستدافع عن مصالحها حتى النهاية".
وقال إن بلاده لن تتفاوض بشأن سيادتها على سد النهضة، وأن "مصر لا تعرف أن الشعب الإثيوبي شعب بطولي لا يخاف من موت بلاده، ويعلم المصريون وبقية العالم جيدا كيف يمكننا إدارة الحرب كلما حان وقتها".
وأضاف أن "جميع مفاتيح النصر في أيدي الإثيوبيين".
ونقلت الصحف والوكالات الإخبارية عن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، قوله في 8 حزيران/ يونيو الجاري، إن "قرار تعبئة سد النهضة لا رجعة فيه".
وتحدثت تقارير صحفية عن حشد الجيش الإثيوبي لقوات ومعدات عسكرية للدفاع الجوي بمنطقة السد.
"خداع للجماهير"
وفي تعليقه على صمت السيسي إزاء الموقف الإثيوبي، قال الكاتب الصحفي والمعارض المصري، حسن حسين، إن "الاتفاق الذي قام السيسي بالتوقيع عليه؛ ليس له معنى سوى أن هناك نية متعمدة في توريط مصر لصالح أطراف أخرى، على رأسها العدو الصهيوني".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "كل المراحل التي تلت ذلك، كان الموقف المصري فيها واضحا وضوح الشمس بتخاذله وتهاونه وإهماله، بل بتآمره الذي لا شك فيه؛ وللأسف كل مؤسسات الدولة بلا أي استثناء مشاركة بهذه المؤامرة مشاركة مباشرة".
وعن كلمات السيسي الدائمة حول حماية مصر، يعتقد حسين، أن "كلماته القوية الغاضبة فارغة من المعنى ومن الجدوى، وهي محض خداع للجماهير، وقد أتت أكلها بالفعل، فشعبنا كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي: (عقله في أذنيه)".
وختم بقوله؛ إن "هذا الرجل لم يف بوعد وعده على الإطلاق، ولم ينتصر في معركة واحدة ولم يقدم إنجازا حقيقيا للجماهير".
"الخطر سيطول السيسي"
ويرى السياسي المصري محمد عوض، أن "أزمة السد لن تمر دون خسائر (استراتيجية) لأطراف الأزمة الثلاثة؛ قد تصل إلى سلطة الحكم ذاتها لدى أي طرف، وجميعهم على قدر المساواة".
رئيس حزب الخضر المصري أوضح لـ"عربي21"، أن "المشروع الإثيوبي تحول بفعل الإدارة الإثيوبية إلى حُلم شعبي. أما في السودان، فقد ارتفعت النزعة الوطنية الشعبية لهذا الملف لدرجة بات هذا الموقف مقياسا شعبيا لحنكة الإدارة في تحقيق المكاسب الاقتصادية والسياسية للسودانيين".
ويعتقد عوض أن "السلطة المصرية أكثر الإدارات الثلاث المهددة حال فشلها بحل الأزمة، ما يعني ارتفاع نبرة التساؤل الشعبي حول كثير من الإنفاقات وأولوياتها، وحول سمعة وقيمة وتقدير الجناح العسكري لمصر، وحول تكبيل القرار السياسي الوطني مستقبلا والحد من استقلاليته، وبمعنى أدق الفشل بحماية أمن مصر القومي".
عضو "مجلس الشورى" السابق، أكد أن "هناك كثيرا من العناصر المؤثرة بصناعة القرار، وقرار السلطة في مصر للتعامل حاليا مع أزمة السد، سيخضع كثيرا للمؤثرات المحيطة".
وختم بالقول؛ "وإن كنت أظن أن الاهتمام الإعلامي بتوجيه الشحن المعنوي للمصريين تجاه الغرب، ليس إلا ساترا لعمل ما سيتم في الجنوب، وإذا لم يكن ذلك العمل دفاعا عن مصالح وطنية، فسيكون ردا على ما حدث من خديعة شخصية".
في ذكرى تيران وصنافير.. أزمة مياه النيل حاضرة
مبادرة السيسي للحل بليبيا.. ما أهدافها وفرص قبولها؟
مراقبون: حكم السيسي ربط مصير مصر بالمصالح الأجنبية