ها نحن نمُر بالذكرى الـ72 لنكبة
فلسطين، لتكون هذه الذكرى محركا لمراجعة المشوار الفلسطيني، بل العربي والإسلامي والإنساني، لقضية عادلة لم تنتصر بعد، رغم وضوح عدالتها وحقيقة المظلمة التي ترافقها.
بعد هذه السنوات لا يمكن لوم الاحتلال
الإسرائيلي على أفعاله، فهو بطبيعته مشروع إحلالي سعى ومستمر في مسعاه لسلب البلاد؛ بمخططات يتم تغذيتها بترمنولجية دينية وقومية متجاهلة مفهوم العدل والحق، وبالتالي لا يمكن لوم من ينتهج هذا النهج على خطواته، بل يجب على صاحب الحق محاسبة نفسه في تعامله مع تحصيل حقه.
مع سنوات
النكبة هذه يمكن ذكر عدة
تحديات عامة تواجه القضية الفلسطينية:
- تحدي المشرع الوطني الفلسطيني الجامع. وهنا أقصد التفاف الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم على مشروعٍ واحد، ويكون واضح المعالم والرؤى. أُدرك أن الاختلاف في صفوف الفلسطينيين على شكل ومستقبل فلسطين التي يريدون قائم، والتجسير بين هذه الرؤى يمكن أن يكون صعبا، ولكن يجب أن يكون العمل على ثلاث قواعد:
1. التوافق على ما نقاط مركزية يعمل عليها الكل الفلسطيني، ولو على الأقل مرحليا.
2. الاحتكام للشعب الفلسطيني من خلال صناديق الاقتراع (وأقصد هنا الاحتكام لكل الفلسطينيين في أرض فلسطين التاريخية كلها وفي الشتات).
3. عدم التفريط بالثوابت الأساسية للقضية الفلسطينية. طبعا هذا لا ينفي سعي الأحزاب والحركات المختلفة لتطبيق خطتها وأفكارها ونهجها، فالتعددية مطلوبة ومهمة، ولكن ضبط أدوات العمل والخطط يجب أن يكون قائما.
وبالمناسبة، من المهم التشديد على أن قضية فلسطين ليست حكرا على الفلسطينيين أنفسهم، بل هي قضية أمة كاملة وكل شعبٍ حر، وبالتالي كذلك يجب عدم التفكير بشكلٍ فردي، وعدم التفريط بفلسطين وقضيتها والتي هي أمانة بيد الفلسطينيين، مع الدور المطلوب عربيا وإسلاميا وإنسانيا لأن يكون الجميع في صف الذب عنها ومشاركا في المشروع الفلسطيني.
-تحدي الخطاب الفلسطيني للعالم. وهنا أرى أن هذا الخطاب ما زال ضعيفا، غير مرتفع الصوت، وغير واضح المعالم. فتسويق قضية فلسطين يجب أن يحاكي الرأي العام العالمي وما يفكّر فيه العالم من معايير أخلاقية وإنسانية جامعة، والتي تقع في صميمها مفاهيم العدل، والحرية، والكرامة ووقف الظلم والذل (والتي هي كذلك مؤصلة دينيا ووطنيا). طبعا هذا لا يغفل أن تجييش العالم وحشده ليكون إلى جانب مظلومية الفلسطينيين، يمكن أن يكون عاملا مؤثرا على صنّاع القرار في العالم.
وبنفس الوقت كل هذا لا يُغني عن الحاجة الفلسطينية والعربية والإسلامية؛ لأن تكون بلداننا العربية والإسلامية والمناصرة للقضية الفلسطينية ذات قوة اقتصادية وعلمية وعسكرية إضافة للقوة الناعمة، تتجاوز المعايير الأخلاقية، وتكون ضاغطة على الاحتلال ومؤثرة في الساحة الدولية في عالم تحكمه القوة والمصالح.
- تحدي الخطوات العملية. ما ميّز السنوات الأخيرة في مسار القضية الفلسطينية هو انعدام خطوات عملية يتم من خلالها تحصيل الحق الفلسطيني، فمع العشوائية في التعاطي مع الإجراءات الإسرائيلية، يترافق عدم وجود خطوات عملية مدروسة مستندة على رؤية لمجابهة الأفعال الإسرائيلية. حالة التبلد، ربما مقترنة بانعدام الأمل الفلسطيني من حصول التغيير، أو/و مرتبطة بحالة من الارتباك وعدم الجرأة عند القيادات الفلسطينية والعربية للقيام بخطوات عملية (وهذا على صعيد مجمل العمل الفلسطيني)، في مقابل خطوات عملية حثيثة تقوم بها السلطات الإسرائيلية، آخرها ضم الجولان، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والحديث عن ضم الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية.
والرد الفلسطيني (والعربي) على كل ذلك كان شبه منعدم أو قرارات مفرغة المضمون ومن دون أي رصيد على الأرض! ومع ذكرى النكبة، وكل كلمات الثبات والصمود التي ما يفتأ يرددها البعض، يجب التفكير والعمل على تجاوز النكبة وتحصيل الحق الفلسطيني ومجابهة التحديات بخطة وعمل (ويجب أن تكون مبادرة من الشباب والناشطين الفلسطينيين متجاوزين هذه القيادة الفلسطينية التي يبدو أنها باتت تفقد صلاحيتها)، وعدم الاكتفاء بالشعارات والنستولوجيا..
- تحدي حفظ النكبة والهوية. وهذا التحدي مرتبط بحفظ رابطة الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم بقضية فلسطين وقضاياها المركزية، مثل العودة والقدس والأرض. هذا الربط يجب أن يكون وفق مفهوم الوطن بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان في الوعي الجمعي للشعوب. وهذا كذلك ينسحب على عموم العرب والمسلمين كون هذه القضية والوطن (فلسطين) تخصهم جميعا.
وفي هذا السياق، أعتقد أن المراهنة فقط على أن الكبار سيموتون ولكن الصغار لن ينسوا، من دون مد هذا الجيل بمقومات الارتباط بالوطن، ومجابهة تحديات التوطين والوضع الاقتصادي، والشعور بالاغتراب عن فلسطين، والاهتمام بالفرد ونجاحه الشخصي بمعزل عن الهم الجمعي والوطن.. كل هذا سيجعل الصغار ينسون!
- تحدي التطبيع. التحدي الذي تواجهه الأمة متمثلا بأنظمتها وبعض الناس فيها هو تحدي التطبيع، وقبول الاحتلال الإسرائيلي كلاعب طبيعي في المنطقة. هذه الأنظمة باتت تسوّق أن القضية الفلسطينية عبء عليها وعلى بلدانها، وترافق ذلك مع زيادة جعل الناس مرتبطين بحياتهم اليومية ومعيشتهم وأمورهم الاقتصادية وتشجيع الفردانية (مع حقيقية أهمية كل ذلك). فكل ذلك يجب ألا يكون على حساب القضايا الجامعة للأمة وللشعوب الحرة، وألا يكون منفذا للتطبيع مع المحتل في السعي للحصول على مكاسب منه. وبنفس الوقت، فإن حرية هذه الشعوب مهمة ومرتبط بحرية فلسطين.
ما سبق كانت بعض التحديات العامة التي يجب مجابهتها والعمل عليها في سبيل انتصار قضية فلسطين، ولكن هناك تحديات تفصيلية تواجهها القضية الفلسطينية، في عدة قضايا تفصيلية ومفاصل أساسية تواجهها هذه القضية في قضايا مختلفة، مثل اللاجئين والقدس والأرض، والتي يمكن ألّا يكون العمل عليها ناجعا بشكلٍ كافٍ بمعزل عن التحديات العامة التي ذكرت آنفا.