يخيم الغموض على المشهد السياسي التونسي، وتتواتر أخبار من أعلى مؤسسات الدولة عن خلافات عميقة بين الرئيس قيس سعيد، ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، بخصوص العمل السياسي والخروج بالبلاد من أزمة كورونا، إلى جانب ملف الفقر والفساد المستشري في البلاد بعد ثورة 2011.
وتجمع مأدبة إفطار اليوم أحزاب الائتلاف الحاكم بعد أن جمعت ليلة البارحة الرئاسات الثلاث بدعوة من حاكم القصبة، إلياس الفخفاخ، في محاولة للتهدئة ورص الصفوف بعد أن اتضحت للجميع الخلافات في ظل وجود طرفين في الحكومة من المستحيل حصول توافق بينهما وهما حركة "النهضة" وحركة "الشعب" والحال أن الحكومة لم تصل بعد إلى 100 يوم عمل.
اختلاف الرؤساء
يقول أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية محمد ضيف الله في حديث لـ"عربي21" إن "الخلاف بين الرئاسات الثلاث وخاصة بين رئيسي الجمهورية والبرلمان، من المفروض أن الدستور يحدد سلطات كل منهما، وبالتالي فالالتزام بمقتضيات الدستور من كليهما، وحده كفيل بتجاوز أي إشكال".
ويستدرك ضيف الله: "ولكن ما هو موجود هو عدم التسليم بما في الدستور، والمرتكز في ذلك هو التصورات القديمة لمؤسسة الرئاسة، أضف إلى ذلك النسبة العالية التي انتخب بها الرئيس، في ظل غياب سند حزبي أو كتلة برلمانية للرئيس، وربما سعي البعض من داخل البرلمان نفسه لتقديم دعمه له في مواجهة النهضة، يجب أن نستحضر كل ذلك لفهم ما يجري بين قرطاج وباردو".
ويرى أنه "في المقابل فإن في فقدان النهضة لرئاسة الحكومة بعد فشلها في تشكيل حكومة الجملي، جعلها تتمسك بما بقي لها من الرئاسات وبالتالي لعب الدور الرئيسي في البرلمان، خاصة كذلك وأن للغنوشي تجربة سياسية وماضيا نضاليا سياسيا يفتقدهما الرئيس، والمشكل هنا في عدم وجود عناصر للتوسط بين الطرفين، وهذا يوشك أن يتجه بالخلاف إلى مداه وقد رأينا قيس سعيد في خطابه التحريضي على البرلمان في قبلي".
اقرأ أيضا: تونس.. غموض يهيمن على علاقة الرئاسة بالإسلاميين
من جانبه يرى الكاتب نور الدين علوي في تصريح لـ"عربي21" أن "الخلاف يتعلق بحجم السلطات الممنوحة لكل رئيس والحدود التي تتحرك فيها كل سلطة، فرئيس البرلمان يستشعر أن رئيس الجمهورية يريد زعزعة النظام السياسي القائم الآن والذي يدفع إلى مراجعة الدستور مما يعيد أسس النظام من برلماني معدل إلى رئاسي وهذه الأطروحة ليست بجديدة وحاول الراحل قائد السبسي تركيزها وفشل وسعيد يريد العودة إليها عبر تحريض الشارع وهو ما يزعج كثيرا رئيس البرلمان الذي يعتبر نفسه الضامن لسلطة سياسية معدلة لا يمكن لأي طرف التغول فيها".
تنازع فانفجار
وتحدث الكاتب نور الدين علوي "عن خلاف ولكن بصورة أقل وأخف بين الفخفاخ والغنوشي عبر توزيع مناصب بشكل غير متناسب بين أطراف الحكم على الرغم من محاولة الفخفاخ السيطرة على الخلافات والحفاظ على التماسك الحكومي وهو ما لا يتحقق إلا بمعجزة، خلاف طرفاه أساسا حركة الشعب وحركة النهضة، فوجود حركة الشعب لغم قابل للانفجار في أي لحظة فحركة الشعب تمهد لمعركة شبيهة لما حصل مع السيسي والإخوان في مصر، والحال أن النهضة على قدر من ضبط النفس نظرا لأن حركة الشعب جديدة في الحكم وهذا في الحقيقة تأجيل للخلاف وليس حلا".
ويؤكد علوي أن الائتلاف الحكومي مهدد بالانفجار في أي لحظة وأن الحديث عن دعوات باطنية لحكومة وحدة وطنية جديدة قد يكون صادرا عن جهات نهضاوية تلمح لإدخال "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"كتلة الإصلاح".
ويعتبر ضيف الله أن "نقطة الضعف الرئيسية في هذه الحكومة هو رئيسها، وليس سبب ذلك أنه جيء به من رئيس الجمهورية الذي يريد أن يدعم به في السلطة، وإنما أيضا وخاصة لافتقاده لتمثيل برلماني، فهو شبيه رؤساء الحكومات في الأنظمة الرئاسية الذي لا يتطلب أن يكون منتخبا بقدر ما يتطلب الرضا من الرئيس الذي عينه، وفي الحكومة وزراء لهم وزن سياسي يفوقه بكثير نظرا لدورهم الحزبي ومنهم من تم انتخابه في البرلمان".
ويشدد أستاذ التاريخ على أن "الجانب الثاني في هذه الحكومة هو أنها تتكون من أحزاب ليست فقط مختلفة، وإنما هي متنافرة إن لم يكن متعادية، وهذا لا يضمن لها حدا أدنى من التضامن الداخلي ولا السند الحزبي والسياسي، ومن هذه الزاوية فتعليق زهير المغزاوي على أداء وزير الصحة، يعبر عن الخلل المنهجي والسياسي في الحكومة إذ من المفترض أن لا يعبر عن تعليق مماثل".
يفيد ضيف الله بأن "الضعف الذي يشعر به الفخفاخ، قد يدفعه إلى التفكير في تكوين كتلة برلمانية مساندة له، بعد انتهاء التفويض، النهضة من جهتها وخاصة منذ فشل تشكيل حكومة الجملي لم تعد لها ثقة في الأطراف التي توجد معها في البرلمان، ولا يهمها أن يذهب الفخفاخ، بل ربما تفكر في استعادة أحقيتها بتشكيل الحكومة مباشرة أو بصفة غير مباشرة، بما يدفع إلى هندسة جديدة لحكومة جديدة، والتخريجة الوحيدة أن تكون هذه الحكومة مفتوحة أمام الجميع، مع إضافة إلا من أبى، والعنوان في ذلك "حكومة وحدة وطنية"، تجعل النهضة ذات فضل على إدخال حزب "قلب تونس" مثلا وربما حتى "ائتلاف الكرامة".
صراع قومي إسلامي
ويعتبر أستاذ التاريخ أن "ما يدور بين "حركة الشعب" و"النهضة" لا يخرج عن الصراع بين القوميين والإسلاميين منذ خمسينات القرن الماضي، ليس على الساحة التونسية فقط وإنما عربيا، وتونس لم تكن ولا يمكن لها أن تقوم بدور قيادي يؤثر لا في التاريخ ولا في بقية الساحة العربية، وبالتالي فإن الطرفين في الساحة التونسية يقومان في أفضل الحالات بتونسة حالة الصراع بين الطرفين باستعمال لغة تونسية وتفهم في إطار البيئة التونسية، وهو ما يجعل ما يدور بينهما استمرارا وفيّا للصراعات القديمة".
من جهته حذر علوي من "عمق الفوضى التي يمكن أن تحصل في حال الفشل الحكومي وتخريب البرلمان والدفع نحو حكم دون النهضة فتأثير ذلك يكون أولا وبالأساس على قيس سعيد".
تصاعد الخلافات بين القوميين والإسلاميين في تونس
هل تعيد الثورة المضادة ترتيب صفوفها بتونس وتصنع الفوضى؟
اتفاقيات مع تركيا وقطر تقسم الائتلاف الحاكم بتونس