يستقبل المسلمون شهر الصيام، الذي تتعمق فيه صلة الرحم عبر التزاور واللقاءات، وهي طقوس دأب عليها المواطن التونسي، إلى جانب اجتماع العائلة والأقارب، لكن في ظل انتشار وباء كورونا، كيف سيكون الحال؟ وهل تتغلب هواجس الخوف من العدوى على عواطف اللقاء والاجتماع كما جرت العادة؟ وما البديل عن التباعد؟
تقول المختصة في علم النفس مريم
صمود في حديث لـ"عربي21": "هذا الفيروس الذي اكتسح العالم وما زال،
هو أيضا بصدد تغيير الكثير من عاداتنا وأفكارنا وطريقة عيشنا، وهجومه الشرس على جسم
الإنسان بطريقة مباغتة، يشبه كثيرا هجومه المباغت أيضا على نظرتنا إلى الحياة وإلى
العلاقات البشرية وقواعد التواصل الاجتماعي وطرق التعبير عن الحالات والأحاسيس النفسية".
وتتابع بقولها: "إذا كنا
في السابق نلجأ إلى التزاور والتقارب الجسدي للتعبير عن المحبة والاهتمام للأقارب والأصدقاء،
فإننا الآن نجد أنفسنا نعبر عن نفس هذا الاهتمام والمحبة، بالتباعد وتفادي أي اتصال
مباشر بأقاربنا وأصدقائنا".
وتعتبر صمود أنه "لا يخفى
أن كل تغيير مباغت دون تهيئة مسبقة، يكون له أثر الصدمة ثم الرفض، ومن ثم نرى من
يرفضون إجبارية الحجر الصحي، وهذا مفهوم نفسانيا، لأنه ليس بالسهل تغيير أسلوب العيش،
كل التدابير المتخذة من الدولة والخاضعة لآراء لجان علمية مختصة لا تحكمها المشاعر،
بل العقل والمصلحة العامة والأمن الصحي للتونسيين، ومن ثم يكون شهر رمضان ومن بعده
العيد بمنزلة الامتحان الذي سنكرم فيه أو نهان"، على حد قولها.
اقرأ أيضا: أول أيام رمضان بلا مساجد وصلاة جماعة بدول عربية (صور)
وفي الإطار ذاته، يرى الباحث
في علم الاجتماع معاذ بن نصير في حديث لـ"عربي21"، أن "الشعور بالخوف
هو شعور عادي أمام المخاطر والكوارث، ويصبح الفرد يعتمد استراتيجية خاصة لتجنب المصيبة
أو خلق وسيلة دفاع ذاتية، كالهروب أو الابتعاد عن مكان الحادثة، أو في بعض الأحيان
صنع سيناريوهات خيالية كوسيلة نفسية، لتحقيق نوع من التوازن النفسي وإشباع الذات الخائفة،
فتكثر بذلك الخرافات أو الإشاعات عموما".
ووفق تحليل الباحث، فإنه
"في صورة رفع الحجر، سيبقى هاجس الخوف من العدوى يرافق التونسي، لذا سيتجنب الزيارات
العائلية، فليس من السهل أن يتغير سلوك التونسي الذي تزامن لمدة أشهر مع الإحساس بالخوف
من المرض والعدوى، لكن في المقابل سنلاحظ تجمهرا داخل المقاهي، فالمقهى هو المساند الرسمي
للرجل التونسي خلال شهر رمضان"، بحسب تقديره.
لا زيارات وهذا البديل
تؤكد المختصة في علم النفس مريم
صمود، أنه "من المعروف أن شهر رمضان موعد لصلة الرحم والتزاور والتقارب المباشر
مع أفراد العائلة، ولكن هنا البعد الديني للعلاقات الاجتماعية يمثل خطرا في هذا الظرف،
فمن المؤكد أن الكثيرين سوف يرفضون الحجر الصحي، على اعتبار أنه نوع من قطع صلة الرحم،
وهنا وجب على رجال الدين والدولة، إعداد استراتيجية تواصلية من أجل التحسيس والتوعية
لأهمية الاحتراس والحذر، إذا ما وجب التمديد في الحجر الصحي".
وتشير مريم صمود إلى "أهمية
وسائل الإعلام في تشجيع التونسيين على استعمال أدوات التواصل عن بعد عبر الإنترنت، ومختلف
طرق التخاطب مع الأفراد باستعمال الكاميرا، حتى إن بدت في البداية غريبة ومحبطة، لكن
قدرة الإنسان على التأقلم سوف تجعله يحولها إلى أدوات ناجعة وتدخل الفرحة والبهجة
في العائلة حتى عن بعد".
وفي السياق ذاته، تقول
المواطنة التونسية ليلى، إن "الخوف سيظل متواصلا حتى بعد رفع الحظر الصحي،
وعودة الحياة لطبيعتها"، مضيفة أن "ما بعد كورونا ليس كما قبل، والعديد
من العادات اليومية الحالية ستظل مثل الكمامات والابتعاد عن التجمعات ومسافة
الأمان".
وتتابع في حديثها
لـ"عربي21" بالقول: "في رمضان أتوقع أننا سنكون في حجر، حتى وإن
رفع لن تكون هناك زيارات وجلسات عائلية موسعة، والخوف سيظل".
اقرأ أيضا: مهرجون يدخلون الفرح على أطفال غزة رغم كورونا (شاهد)
ويشير المواطن التونسي رشيد
إلى أنه على مستوى عائلته الصغيرة، فإنها لن تذهب للزيارات ولا إلى التراويح،
وستتخذ جميع هذه الاحتياطات، حرصا على أطفاله الصغار، لافتا إلى أن عائلته ستكتفي
بالحديث عن الذكريات السابقة، ومشاهدة الصور والفيديوهات التي تجمع العائلة.
ويشدد في حديثه
لـ"عربي21" على أنه مهما كانت نتائج الحجر الصحي، فإنه سيواصل العيش
بالطريقة نفسها، ولن يختلط بأحد، وسيحافظ على المسافة الآمنة، وسيضع الكمامات في
العمل أو عندما يذهب للتسوق.
وفي نطاق الآراء
السابقة نفسها، يؤكد المواطن التونسي ناجي في حديثه لـ"عربي21"، أنه لن يقوم
بالعادات الخاصة بشهر رمضان في كل عام، مثل العشاء مع العائلة والتوجه إلى المقهى
وإلى بيت عائلته برفقة زوجته وبنته، لكنه مضطر هذه السنة للجلوس أمام الحاسوب،
بسبب ظروف فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".
غزة تستقبل رمضان بحركة حذرة وفرحة منقوصة (شاهد)
NYT: كورونا يقضي على طقوس رمضان بمصر وهكذا يريده السيسي
ترويج لمخاوف ضد مسلمي بريطانيا بسبب كورونا.. وردود غاضبة