كتب

إسرائيل كثكنة عسكرية متقدمة للغرب في الشرق الأوسط

تقرير استراتيجي يتحدث عن تآكل التفوق النوعي التكنولوجي لإسرائيل على أعدائها (أنترنت)

الكتاب: التقدير الاستراتيجي السنوي لإسرائيل (2019 ـ 2020).
إعداد: ايتاي برون وإيتاي شابيرا
الناشر: معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب عام  (2020) .
الترجمة: من العبرية إلى العربية مركز اللغات والترجمة في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين .

إضافة إلى الندوات والمؤتمرات الدورية التي يعقدها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، لفحص مناعة إسرائيل الأمنية والتحديات التي تواجهها، مثل مؤتمر هرتسيليا السنوي، يصدر المعهد سنوياً تقريراً خاصاً حول التقديرات الإستراتجية والتهديدات وسيناريوهات الحروب التي قد تخوضها إسرائيل خلال العام التالي، ومنها التقدير الاستراتيجي للعام الحالي 2020، الذي سنعرض له .

هاجس القوة العسكرية 

اعتمدت إسرائيل منذ نشأتها على تطوير قدراتها العسكرية بما فيها الخيار النووي لحماية إنجازاتها التوسعية، من احتلال الأرض وطرد الشعب الفلسطيني وفرض الأمر الواقع الديموغرافي التهويدي. ولهذا أشار التقدير الاستراتيجي إلى التهديدات والتوقعات التي تواجه إسرائيل خلال العام الحالي 2020، في وقت تؤكد فيه على أنها دولة قوية ذات قوة عسكرية وسياسية وتكنولوجية واقتصادية، لكنها تجد صعوبة في ترجمة قوتها إلى نفوذ سياسي استراتيجي، وفي تحقيق أهداف الأمن القومي المركزية، وعلى رأسها إزالة التهديدات، فضلاً عن تحقيق السلام، وخلق أحلاف وإملاء شروط لإنهاء مرضٍ للمواجهات. كل ذلك بسبب الجدوى المحدودة للخطوات العسكرية تجاه أعدائها الأساسيين، إضافة إلى الثمن الاقتصادي والاجتماعي الجسيم الذي ينطوي على الحرب والحساسية الكبرى تجاه الخسائر. 

ولفت التقدير الاستراتيجي لإسرائيل، بأنها كانت منشغلة في العام 2019 بحملتين انتخابيتين وكادت لا تبادر إلى خطوات إستراتيجية لتحسين وضعها السياسي. فقد انشغلت الحكومة بخطوات مثل اعتراف إدارة ترامب في القدس كعاصمة إسرائيل وبإحلال السيادة في الجولان وقرارات أمريكية أخرى منحازة لتوجهات اليمين الإسرائيلي إزاء القضايا الجوهرية الفلسطينية كالاستيطان واللاجئين. 

ويؤكد التقدير بأن أمن إسرائيل ساده الجمود بل وتراجع إلى حد كبير، وذلك بالنظر إلى الميزان الاستراتيجي، الذي تغيرت عناصره بشكل لافت، ولهذا تآكل التفوق النوعي التكنولوجي لإسرائيل على أعدائها. وفي الجانب العسكري حذرّ من مشروع دقة الصواريخ الإيرانية، الذي اجتاز مرحلة إقامة خطوط الإنتاج والتحويل، فضلاً عن تمكن حزب الله اللبناني من امتلاك عشرات الصواريخ الدقيقة.

 

تعتبر حرب حزيران (يونيو) عام 1967 حداً فاصلاً بين المرحلة التي كانت فيها إسرائيل تلعب دوراً هاماً في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والمرحلة التي أصبحت فيها إسرائيل تلعب الدور الرئيسي في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط،

 



وفي الاتجاه نفسه يشير التقدير الإسرائيلي الاستراتيجي، إلى أنه في الوقت الذي يواجه فيه المشهد جمودا سياسيا مطلقا وقطيعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تتعاظم القوة العسكرية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وتبعاً لذلك تواجه بلدات غلاف غزة قلقا مستمرا لأكثر من نصف السكان في إسرائيل، بما فيها جوش دان (منطقة حضرية في إسرائيل، تتكون من منطقتي تل أبيب والوسطى، وجزءًا صغيرًا من المنطقة الجنوبية). 

وفي الجانب السياسي الدبلوماسي، يؤكد التقدير بأن علاقات إسرائيل مع العالم العربي السني تراوح مكانها، حيث لم يتحقق في 2019 اختراق دبلوماسي نوعي مع دول الخليج؛ ويتواصل التدهور التدريجي في العلاقات مع الأردن؛ وفي العلاقات مع مصر فقط يبقى استقرار. 

وفي الجانب الاقتصادي أشار التقدير إلى أن ميزانية إسرائيل تعاني من عجز واضح والحاجة إلى تعزيز ميزانية الدفاع بسبب التفاقم في وضع إسرائيل الاستراتيجي. لكن لابد أنه ومع انتشار فيروس كورونا بشكل سريع في إسرائيل ستتفاقم معدلات البطالة بسبب الشلل الذي أصاب كافة القطاعات الاقتصادية، وسيصاب الاقتصاد الإسرائيلي هذا العام 2020 بكساد وتراجع معدل النمو الاقتصادي. ويمكن الجزم بأن هاجس إسرائيل الاستراتيجي والدائم يكمن في تطوير قوتها العسكرية بالاعتماد على حلفائها بالغرب، نظراً لأنها دولة طارئة في التاريخ المعاصر، تمّ إنشائها عنوة بدعم غربي على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه الوحيد فلسطين. 

أهمية المساعدات الغربية
 
إضافةً إلى مساعدة الدول الغربية للحركة الصهيونية في إنشاء إسرائيل عام 1948، لم تتوقف تلك الدول عن مساعداتها مالياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً لثكنتها العسكرية المتقدمة في الشرق الأوسط ؛ أي إسرائيل، فقبل عام 1967 كان الدعم الرئيسي ينساب للثكنة من بريطانيا وفرنسا، وقد زودت الأولى إسرائيل بأسلحة نوعية، من أهمها دبابات السنتوريون، في حين زودت فرنسا دولة الاحتلال الإسرائيلي بأسراب من طيران الميراج، وساهمت الدول الغربية الاخرى مثل إيطاليا وإسبانيا إسرائيل بأسلحة تقليدية خفيفة ومتوسطة. 

لقد لجأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 إلى سياسة الاعتماد على حليف خارجي له وزنه في إطار العلاقات الدولية؛ وذلك بغية المزاوجة بين إمكاناتها الذاتية وبين الدعم الخارجي لها؛ وذلك بغية تعزيز شكل من أشكال القوة، واستثمار تلك القوة في اتجاهين: 

ـ الاتجاه الأول يتمثل في محاولة استكمال بناء المؤسسات الإسرائيلية مع مرور الوقت؛ والعمل على  توفير المقومات الاقتصادية والبشرية والعسكرية والامنية الضامنة لبقاء واستمرار إسرائيل.

ـ أما الاتجاه الثاني فيكمن في استحضار القوة للتصدي للتحديات الخارجية لإسرائيل، ونقصد هنا هاجس الخوف الإسرائيلي من القوة العسكرية العربية. 

ويذكر أن إسرائيل اتجهت إلى التحالف مع فرنسا في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين كمصدر أساسي لتسليح الجيش الإسرائيلي، كما استطاعت إسرائيل بناء علاقة وطيدة مع ألمانيا الغربية سابقاً، واستفادت إسرائيل من الدعم الألماني المتميز في المجالات العسكرية والاقتصادية حتى منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، وقد سبق تلك العلاقات اعتماد الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل على الدعم البريطاني في المجالات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية .

تعتبر حرب حزيران (يونيو) عام 1967 حداً فاصلاً بين المرحلة التي كانت فيها إسرائيل تلعب دوراً هاماً في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والمرحلة التي أصبحت فيها إسرائيل تلعب الدور الرئيسي في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، الأمر الذي ترك بصماته على علاقات الولايات المتحدة المتميزة وغير العادية مع إسرائيل.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن إسرائيل قد مولت حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأمريكية السنوية اللوجستية. وقد شكلت المساعدات الأمريكية لإسرائيل أحد أهم وأبرز مؤشرات العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، فتجاوبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين السياسية والعسكرية والأمنية، والاقتصادية، والثقافية، والدبلوماسية.

وتبعاً للمساعدات الأمريكية اللوجستية الحكومية السنوية لإسرائيل، وكذلك المساعدات الطارئة، فإن  قيمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل خلال الفترة (1948 ـ 2018 ) وصلت إلى (158) مليار دولار، منها نحو (60) في المائة هي نسبة المساعدات العسكرية، و(40) في المائة نسبة المساعدات الاقتصادية. وقد خصصت إدارة أوباما (38) مليار دولار في عام 2018 مساعدات لإسرائيل على امتداد عشر سنوات، أي حتى عام 2018، وستخصص خمسة مليارات منها لمواصلة تطوير المنظومات الدفاعية المضادة للصواريخ البالستية والباقي لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية. وبشكل عام ستصل قيمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل حتى نهاية عام 2028 إلى (196) مليار دولار أمريكي .

خلاصات

من خلال قراءة ومراجعة التقدير الاستراتيجي لإسرائيل عام 2020، يمكن تسجيل خلاصات أساسية، في المقدمة منها اعتبار الأمن عنصرا حيويا بغرض بقاء إسرائيل واستمرارها إسفينا كثكنة عسكرية للغرب في منطقة الشرق الاوسط، ولهذا يؤكد معدوا التقدير على أهمية الحفاظ على التفوق ألاستخباراتي، الجوي والتكنولوجي، على أعدائها، كما ينبغي مواصلة تعزيز التفوق النسبي لإسرائيل في مجال حماية السايبر وتكنولوجيا الفهم الاصطناعي بالنسبة لخصومها، كموجة تحمل قوة التفوق النوعي والأمني لإسرائيل، وكعنصر مركزي في تعزيز ردعها، واقتصادها ومكانتها الدولية، خاصة في ظل تفاقم التهديدات التي توجهها إسرائيل، وكل ذلك يستوجب، حسب التقدير تفكيراً متجدداً في مفهوم الأمن، وسياسة الأمن وتخصيص المقدرات والاستراتيجيات المحدثة. 

وتبعاً لذلك ثمة نهجان لرسم إستراتيجية لإسرائيل؛ النهج الأول حذر واستقراري، في ظل التشديد على الحوارات والتسويات والتسليم بالتهديدات الموجودة والمتشكلة، لتحييدها وعدم خروجه من القوة إلى الفعل؛ أما النهج الثاني فيؤيد الفاعلية الوقائية الهجومية، الذي يتصدى للتهديدات ويزيلها، ولكن قد يؤدي إلى درجة الحرب متعددة الجبهات. 

 

يمكن الجزم بأن هاجس الأمن جوهري في العقلية والممارسة الإسرائيلية، لأن إسرائيل نشأت أصلاً نشأة غير طبيعية بقوة المجازر على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه فلسطين

 



ولاختيار النهج السليم لابد من بناء قاعدة صلبة داخلية في إسرائيل، مع التشديد على تراص الصفوف والحصانة الاجتماعية والقومية، كما يجب التركيز على النشاط لإعادة الثقة في مؤسسات الحكم، ورأب الصدع، وتقريب المعسكرات، وتعزيز التضامن والجهود الأولية والمرتبة للتمكين والبناء لأجهزة المناعة القائمة والمتجددة، وتبعاً لذلك يؤكد التقدير الاستراتيجي لإسرائيل للعام الحالي 2020، على ضرورة أن تبلور الحكومة الإسرائيلية الجديدة بديلاً متداخلاً يتصدى من جهة لنشوء تهديدات مهمة، ومن جهة أخرى المبادرة إلى سياقات سياسية وتسويات لتقليص التوتر، وبذلك يمكن الاستعداد والتركيز على التهديدات الكبيرة على مستقبل أمن إسرائيل وازدهارها وتطورها.

ويمكن الجزم بأن هاجس الأمن جوهري في العقلية والممارسة الإسرائيلية، لأن إسرائيل نشأت أصلاً نشأة غير طبيعية بقوة المجازر على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه فلسطين، حيث يصف المؤرخ الفلسطيني الراحل الدكتور إلياس شوفاني في دراساته وبحوثه المختلفة، وخاصة في بحثه (الثكنة والمركز)، على أن إسرائيل عبارة عن ثكنة عسكرية تتطور باستمرار، بغرض حماية منجزاتها التوسعية التهويدية، وتالياً الانقضاض والهجوم والاحتلال والتوسع في الأراضي العربية في خطوات لاحقة. 

ولأن عنصر الأمن جوهري لإسرائيل وعقليتها العدوانية التوسعية تخصص أكثر من (20) في المائة من موازنتها السنوية لوزارة الحرب وتصل النسبة إلى (30) في المائة إذا أخذنا بعين الاعتبار تمويل أجهزتها الأمنية المختلفة مثل الشاباك والموساد التي طالت اغتيالاته المئات من الفلسطينيين والمناصرين العرب والأجانب في دول عديدة بالعالم .

إن مفهوم القرار السياسي بالنسبة لإسرائيل وعلاقته بالاقتصاد هو مفهوم مختلف عن المفهوم التقليدي، إذ أن القرار السياسي هو الأساس وبقية الأمور وخاصة الاقتصاد في خدمته، حيث يتبوأ القرار السياسي في إسرائيل الدور المركزي الذي من المفترض أن يحتله الاقتصاد. وفي هذا السياق يمكن الجزم أن السياسات الإسرائيلية في مستويات السياسة والأمن والاقتصاد يجب أن تخدم الإستراتيجية العليا وفي المقدمة منها تعزيز فكرة يهودية الدولة ، حيث أصبح واضحاً أن ترسيخ مصطلح يهودية الدولة يمثل في السنوات الأخيرة جوهر ومضمون الغايات والأهداف الكبرى لإسرائيل، وتحولت مقولة الدولة اليهودية بصورة غير مسبوقة ولا معهودة إلى القاسم المشترك بين مختلف التيارات والكتل والأحزاب والاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية في دولة الاحتلال على حد سواء.

خاتمة
 
تعتمد إسرائيل في التخطيط والتطوير لاستراتيجياتها المختلفة على نتائج واستخلاصات الندوات والبحوث وصولاً إلى التوصيات الضرورية والهامة لمراكز البحث الإسرائيلية الجامعية والخاصة، ومنها معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيت، الذي يصدر سنوياً تقديرا استراتيجيا لإسرائيل حول التحديات التي تواجه إسرائيل خلال العام التالي وسبل مواجهتها، ومنها التقدير الاستراتيجي لعام 2020، الذي تضمن توصيات ومقترحات لصياغة إستراتيجيات جديدة لمواجهة التحديدات والعمل على إعادة النظر بالسياسات الخارجية، وتعزيز التحالفات الإقليمية والدولية والأوروبية، وتدعيم قوة الردع لتفادي مواجهة عسكرية شاملة مع قوى عظمى مثل إيران. كما تتطلب مخاطر التصعيد من إسرائيل إجراء مناقشة جوهرية أكثر حول المنفعة العامة والمخاطر التي ينطوي عليها الجهد المبذول لمنع جهود حزب الله لامتلاك ترسانة غير تقليدية، الأمر الذي يضع المؤسسة الأمنية في تل أبيب في متاهة حيال الضرر المحتمل للجبهة الداخلية الإسرائيلية إذا ما قصفت بالصواريخ الدقيقة، وهو ما يحتم على تل أبيب توجيه ضربة استباقية ووقائية لحزب الله وتدمير سلاحه.

يلحظ المتابع للشؤون الإسرائيلية بأن الأداة العسكرية تبوأت مكانة إستراتيجية منذ إنشاء إسرائيل في عام 1948. ومن خلال نظرة سريعة إلى إسرائيل من الداخل، تبرز أولوية الأداة العسكرية فيه على جميع مؤسساتها، بل يتم إخضاعها جميعها لمستلزمات أداء المؤسسة العسكرية والأمنية لدورها الاستراتيجي، الذي يشكل حجر الزاوية وفي هذا السياق يبرز الملف النووي، حيث تعتبر إسرائيل السلاح النووي، خيار الردع الأول، ولهذا فإنها تواصل توسيع ترسانتها النووية ضاربة بعرض الحائط كافة المطالبات الدولية بأن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي، لكي يتسنى تحقيق السلام في المنطقة؛ وثمة تقارير دولية تشير إلى وجود عدة مصانع للأسلحة الكيماوية ، إضافة إلى مفاعلات نووية في إسرائيل وأهمها مفاعل ديمونة في  صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة ، فضلاً عن امتلاكها (200) قنبلة نووية، وكان للمساعدات الغربية بأشكالها المالية والفنية والعسكرية بالغ الأثر في ذلك .

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا