الدكتور عبد الله الحامد، الرمز السعودي والعربي الإسلامي الذي لقي ربه صباح الجمعة غرة رمضان المعظم (24 نيسان/ أبريل 2020م) حسبما أعلنت مواقع حقوقية، وقد لقي ربه شهيدا بالإهمال الطبي من سلطات المملكة العربية السعودية، بعد اعتقاله الأخير، فنحسبه عند الله شهيدا. وأبو بلال، الدكتور الحامد رحمه الله كما يعرف بين السعوديين، كان صاحب نضال، أطلق عليه اسم: الجهاد السلمي.
ربما لم ينل الحامد شهرة واسعة كشأن مناضلين آخرين، مثلما نال الدكاترة: سلمان العودة، وسفر الحوالي، وغيرهم من مشايخ السعودية، إلا أن الحامد رحمه الله، من يقف مع كتاباته وتاريخه يجد عدة ملامح مهمة، تعطي صورة جديدة مجهولة عن النضال السلمي في السعودية، حاول إخفاءها الاستبداد، وكم التشويش والتشويه الإعلامي للحامد وإخوانه في السعودية.
فالحامد وإخوانه من العلماء والمناضلين القابعين خلف القضبان في سجون السعودية، يعطون صورا غير الصورة النمطية التي يعرفها الناس عن المواطن السعودي، والعالم السعودي، إنها صورة المناضل الذي يدفع ثمن نضاله، ويدفع ضريبة أفكاره، وإيمانه بهذه الأفكار، حتى يصل إلى استشهاده بالإهمال الطبي، أو بالقتل العمد، أو بالنشر بالمنشار.
من أهم الملامح في نضال الحامد رحمه الله: الاستمرارية في النضال، فالرجل منذ أن بدأ مذكرة الإصلاح، وهو يخرج من السجن، ثم يدخل فيه بعد خروجه بمدة وجيزة، حتى كان مجموع سنوات سجنه 15 عاما، فلم يكف عن الدعوة لما أسماه: الجهاد السلمي، ثم بعد ذلك دعا إلى الملكية الدستورية، وسجن معه من نادوا بما دعا إليه، مثل الدكتور سعود الهاشمي فك الله أسره وأسر إخوانه جميعا. فالحامد من مشروع لمشروع، ومن نضال لنضال، لم تلن له قناة، ولم تخر له قوة.
ومن ملامح نضاله، أنه كان يطالب بنضال يشمل الجميع، وينعم به الجميع، لا يكون لفئة فيه ميزة على الأخرى، ولا محاولة إقصاء أو تهميش للفئات الأخرى، بحجة المخالفة الأيديولوجية، أو التوجه الحزبي. فقد كانت مطالبه تتجه لتجمع الشعب جميعا، وتشمل الجميع، لا تميل لحركة دون أخرى، ولا لطرف دون الآخر، فكان تركيزه على ملكية دستورية، وحكم يعلو فيه القانون على الجميع.
ومن ملامح نضاله رحمه الله: تبني السلمية في الخطاب والتطبيق، فقد كان متوجها للسلم، وناقدا لحركات العنف، فلم يدفعه ظلم الحكم إلى الغضب الذي يخرجه عن سلميته، لأنه يعلم أن الاندفاع في هذه المسألة في ظل حكم رعوي كالحكم السعودي، مع تشابك علاقته الإقليمية والدولية فلن يكون لصالح قضيته، ولا لصالح الإصلاح في السعودية.
ولذا كان يراهن الحامد على الوعي، فكان يقول؛ إن الشباب السعودي لا تنقصه الشجاعة، فالحركات النضالية في العالم الغربي وغيره نرى فيها شبابا سعوديا، فهذا يدل أن الأزمة ليست أزمة شجاعة لدى المواطن السعودي، بل أزمة وعي، ولو أن المصلحين كرسوا جهودهم لزيادة هذا الوعي لرأينا أثره في الشباب السعودي في مواجهة الطغيان ورفض الظلم.
ومن الأمور التي مكنت الحامد من إدراك مقاصده الإصلاحيه، أنه كان مدركا لمصيره، وأن مصيره سيكون حتما في ظل هذا الاستبداد هي الشهادة، وأنه إن كان لا بد من ذلك، فليكن لهذه الشهادة ثمن، واغتنام الفرص المواتية للإعلان عن مشروع الإصلاح، والجهاد السلمي كما أسماه، وأصر عليه.
ولذا رأى أن التصعيد في فترة الربيع العربي، هو اغتنام للفرصة، ويعول فيها على الشباب السعودي، وأن صوت الحامد لو وصل للناس ولو في محاكمة علنية، فإن بقاءه في السجن بعد إبلاغ رسالته، وإسماع صوته، هو أبلغ رسالة، وهو ما يذكرنا بسعيد بن جبير رضي الله عنه، حين قال داعيا على الحجاج: اللهم لا تسلطه على أحد من بعدي، واستجاب الله له دعاءه، فلم يشغل سعيد بن جبير نفسه بالدعاء لنجاة نفسه، بل فكر فيمن بعده، ألا يسلط ظلم الحجاج على أحد بعده.
رحم الله أبا بلال (عبد الله الحامد) الذي كان خطابه يتسم بالحكمة، وسبك العبارات التي تتسم بالحنكة، والدقة، والاختصار، مع شجاعة في التعبير، ومن أهم عباراته التي نذكرها هنا قوله: ليس في الإسلام صاحب سمو، ولا صاحب دنو! وإن كان استشهاد الحامد يخبرنا أن هناك صاحب سمو حقيقي، وهو الحامد وأمثاله، فرحمك الله يا صاحب السمو الشهيد.
Essamt74@hotmail.com
أخلقة السياسة.. مطلب يأتي من المكان الخطأ
في يوم الأسيرِ.. تذكيرٌ ببعضِ الواجبِ الشَّرعيّ
ما لم يقله طارق الحسن لجلاوزة التعذيب لو وصل كورونا لسجون البحرين