في 16 آذار/ مارس 2020 أطل رئيس الأمن العام في البحرين طارق الحسن، خلال المؤتمر الصحفي للفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا (كوفيد- 19)، قائلا: "تم تخصيص مبان داخل السجون للعزل أو الحجر الصحي تحسبا لأي حالة، ونطمئنكم بأن عمليات التعقيم مستمرة في جميع مراكز التوقيف"..
هذه الإطلالة لم تكن تشبه ظروف إطلالاته السابقة؛ حيث اعتدنا على
رؤيته في المؤتمرات الصحفية يعلن عن الكشف عن خلايا أمنية مزعومة بعد جلسات تعذيب
متعددة، لو تعرض هو ذاته (طارق الحسن) لشيء من التعذيب الذي تعرض له سجناء الرأي
لشاهدناه على تلفزيون البحرين يعترف بأنه وراء كل الخلايا الإرهابية المزعومة.
عموما، المختلف هذه المرة هو ما يتعلق بالأمن
الصحي في البلاد، صحيح أنَّ الجهات الرسمية اتخذت مجموعة من التدابير الوقائية أو
المتعلقة بالتصدي لأزمة (كوفيد- 19)، إلا أنَّ هنالك منطقة قلق خطيرة أشبه
بالألغام المتفجرة، حيث تقاعست السلطات الأمنية في إدارة السجون في اتخاذ الخطوات
المسؤولة واللازمة بشأنها. ونحن هنا نتحدث عن السجون البحرينية التي يقبع فيها ما
لا يقل عن 4000 سجين رأي، محتجزون في ظروف قاسية لا تتواءم مع القواعد النموذجية
الدنيا لمعاملة السجناء.
قبل تحول "كوفيد- 19" إلى جائحة
تجتاح بلا توقف دول العالم، كثرت الحملات الإعلامية والحقوقية التي تثير أوضاع
السجناء السياسيين في البحرين بسبب تعمد الأجهزة الأمنية تحويل السجون إلى بيئة
خصبة للتعذيب، يجري خلالها تطوير تقنيات التعذيب ومنها الحرمان من العلاج. وكيف
لنا هنا أن ننسى مثلا حميد خاتم الذي كان أحد نماذج الحرمان القاسي من العلاج، حيث
أصيب بمرض سرطان المعدة خلال الفترة التي قضاها في السجن، وأفرج عنه بعد عام من
اعتقاله، وتوفي في 31 كانون الثاني/ يناير الماضي بعد معاناة من المرض، أو المعتقل
السابق الشاب السيد كاظم السيد عباس السهلاوي، الذي توفي بعده بثلاثة أيام بعد
صراع مرير مع المرض، حيث تعرض للحرمان من العلاج أيضا في السجن الذي دخله سليما
وغادره مصابا بالسرطان، أو ضحية التعذيب والإهمال الصحي محمد سهوان الذي لم يتلق
العلاج المناسب واللازم على الإطلاق خلال احتجازه التعسفي، لإخراج 80 شظية في رأسه
كان مصابا فيها جراء استخدام القوة المفرطة من قبل الأجهزة الأمنية، والذي توفي
لاحقا في 16 آذار/ مارس 2017، فضلا عن الحالات الإنسانية للسجناء التي هي بحاجة
للعناية الصحية اللازمة، مثل سجين الرأي الأمين العام لحركة حق الأستاذ حسن مشيمع
وغيره.
في المؤتمر الصحفي الذي أطلَّ منه رئيس الأمن
العام تحدث عن مجموعة من التدابير هي بالتأكيد لن تكون كافية لمن يعرف واقع السجون
عن قرب في البحرين؛ حيث ضعف العناية الصحية، والاكتظاظ، وتكدُّس السجناء الذين
ينامون في الممرات وسط تردي أوضاع السجون.
الأكيد، أنَّ وصول فيروس كورونا المستجد إلى
السجون سيتسبب بكارثة لا يمكن التنبؤ بنتائجها؛ لأنَّ احتمالات انتشار العدوى
بينهم ستكون مؤكدة 100 في المئة، خصوصا وأنَّ تعداد المعتقلين يتجاوز الطاقة
الاستيعابية للسجون. على سبيل المثال: يتواجد في بعض الزنازين المكتظة التي لا
تتجاوز مساحتها 12 مترا 16 سجينا، ففي هذه الغرفة أربعة أسرّة للنوم ذات طابقين،
ينام عليها ثمانية أشخاص، والباقي يفترشون الأرض. والسؤال: كيف يمكن هنا أن يطبق
التباعد الاجتماعي بين الأفراد بما لا يقل عن مترين بين جميع الجهات لكل فرد؟ هذا
إضافة إلى اضطرار السجناء لاستخدام دورات المياه بشكل متكرر ومتقارب نظرا لقلتها.
يضاف إلى ذلك: عدم توفر المعقمات الضرورية،
وموانع الانتقال لتقليص فرص العدوى فيما بينهم، ونظام التهوية المقفل ضمن وحدات
السجن يجعل من انتشار أي عدوى أمرا سهلا بين زنازين الاعتقال ويزيد من احتمالات
نقل العدوى بين السجناء، فضلا عن تدني مستوى الرعاية الطبية والصحية المقدمة
للمعتقلين من قبل الفريق الطبي المعني برعاية المعتقلين، وتأخر أو تجاهل الاستجابة
لطلبات المعتقلين حين ظهور أعراض مرضية عليهم، مما يرفع مستوى الخطورة بينهم ويجعل
من تطور الإصابات بين السحناء وتقدم حالتهم المرضية أمرا مؤكدا.
وهنا، تبرز هذه الأسئلة لو بلغ المحذور وتفشت
العدوى في السجن: كيف ستكون ردة فعل السجناء؟ وهل سيكرر ذلك تجربة 10 آذار/ مارس
2015 في انتفاضة السجناء؟ وكيف ستكون ردة فعل الأهالي والناس؟ وكيف ستتعاطى
الأجهزة الأمنية مع فقدانها القدرة على السيطرة على الوضع الصحي في داخل السجون؟ هل
ستواجه إدارة السجن ذلك بالقمع القاسي الذي قد يحصد أرواح الأبرياء؟ ماذا لو حدثت
الكارثة؟! مع الأخذ بعين الاعتبار تصاعد درجات المخاوف لدى السجناء وعائلاتهم في
الظرف الحالي، مع ترقب هذا الوباء الفتاك.
وهنا، ثمَّة ما لم يقله رئيس الأمن طارق الحسن
لجلاوزة التعذيب والمنخرطين في إدارة السجون: إنَّ ما لا تضعه السلطات الأمنية في
حسابها، هو أنَّ ضعف العناية الصحية في السجون كأحد أشكال سوء المعاملة سيرتد على
عناصرها الأمنية وإدارة السجون لو وصل كورونا المستجد للمعتقلين؛ لأن هذا الفيروس
لا يكترث بالتفتيش المهين ولا بأدوات التعذيب ولا بصراخ الضباط، إنه ينقل ضرره لكل
من يلامسه أو يقترب منه، ولن تكون العناصر الأمنية ولا قيادتها بمنأى من انتقال
العدوى.
كما أنَّ طارق الحسن الذي يتجاهل حقيقة تكوين
هذا الوباء، لم يقل لجلاوزته بأنَّ "كوفيد- 19" لن يستأذن للحركة ضابط
التحقيق الذي يجبر ضحية التعذيب على الصمت. إنَّ أنفاس الضحية وهو يتأوَّه جراء
التعذيب بالصعق الكهربائي كفيلة بانتقال العدوى لجلاد ظل لسنوات يستلذ بسماع آهات
الضحايا وهم يتعرضون للفيلقة والإيهام بالغرق. هل يدرك ضابط الأمن الذي يضع يده
ليغلق الاتصال لمن يتصل من ضحايا الاختفاء القسري في مبنى 15 بسجن جو ليخبروا
أهلهم بثوان معدودة أنَّهم بخير رغم أنَّهم في أشد أيامهم عذابا.. هل يدرك ذلك
الضابط بأنَّ إغلاق سماعة الهاتف قد تكلفه حياته بـ"كوفيد- 19"؟!
ماذا لو تفشت العدوى بين السجناء وأصيبت بها
العناصر الأمنية؟ كيف هو حال العقيدة الأمنية المبنية على الدفاع عن الاستئثار
بالثروة والقرار وسيادة الاستبداد؟ ما لم يقله طارق الحسن ولا وزير الداخلية ولا
رئيس جهاز الأمن الوطني ولا مجلس الدفاع الأعلى الذي يرسم السياسات الأمنية للقمع
برئاسة الملك.. ما لم يقله كل هؤلاء أنَّهم لن يستطيعوا حماية جلازوة التعذيب من
"كوفيد- 19"؛ لذلك أطلقوا سراح السجناء قبل أن تحرقوا البلاد بمن فيها.