هل هي
مبادرة جديدة من
الإخوان لحضور المشهد الذي غابوا عنه قسرا والمساهمة في إنقاذ
البلاد من ذلك الطاعون المرعب؟ هل يدرك النظام
المصري حجم الجهد الذي يمكن أن
تبذله الجماعة بأطبائها وعلمائها ونشطائها في حصار المرض وتعويض الفقراء بلجان
البر، فلا يضطرون للخروج من بيوتهم بحثا عن لقمة عيش لا تغطي احتياجاتهم اليومية؟
هل يمكن
أن تستجيب كوادر الجماعة لذلك الطرح الذي قدمه أحد قادتها، وهو الدكتور حلمي
الجزار الذي خرج من سجون العسكر وبعد صمت طويل؟ هل يمكن تجاوز حجم التعذيب
والخسارة الكبيرة التي تعرضت لها الجماعة بالقتل والسجن والطاردة ومصادرة الأموال
وغلق المصالح وهدم المنازل؟ هل يمكن تجاوز قتل الرئيس المنتخب محمد مرسي عمدا ثم موت
ابنه بطريقة عليها الكثير من التساؤلات التي لم تجد جوابا بعد؟
ثم كيف
سيتعامل الإعلام المصري الذي عمل علي تشويه صورة الإخوان المسلمين ووصمهم بكل
نقيصة، بدءا بالإرهاب وانتهاء باتخاذ الإخوان ساترا لتبرير الفشل الذريع في أداء
النظام وإرجاع السبب لإرهاب الجماعة المزعوم؟ كيف ستبرر نفس الوجوه الإعلامية عودة
الإخوان للعمل العام؟ والسؤال الأكثر أهمية، هل يستطيع الإخوان فرض أي من تلك
الدعوات وبأي آلية وما هي أدواتهم للضغط علي النظام للقبول؟
ثم يأتي
السؤال المحوري: هل يفضح النظام نفسه على مدى تلك السنوات ويعيد الإخوان الذي أقصاهم
بجريمة لم يحاسب عليها حتى اليوم، بل ويعاقبهم أشد العقاب على غير ذنب، في مقابل حماية
شعبه الذي عجز عن توفير أدنى وسائل الحماية الصحية الأساسية له، بل وفرّط (النظام)
فيها بالتبرع لإيطاليا وغيرها تاركا الشعب والجهاز الطبي يواجه المرض بصدور ووجوه
عارية؟
2015
العام الثوري المشؤوم
منذ
اللحظات الأولى من إعلان الانقلاب الغاشم، كانت الجماعة بكوادرها وأفرادها ومحبيها
في الشوارع بالملايين، في رمسيس وميداني رابعة والنهضة، وبعد المجزرة المعروفة
بالفض والتي تمثل أكبر جريمة جماعية في العصر الحديث، جابت التظاهرات ميادين مصر
الكبرى في كافة محافظاتها لدفن شهداء الفض وغضبا على المجزرة غير المسبوقة. وتوالت
التظاهرات بشكل يومي تكبر وتصغر، بين المليونية والألفية حتي بلغت ذروتها في منتصف
العام 2015 لتصل للمليونية في حلوان، وسط دعوات للاعتصام مع حراك مشتعل في المدن
الكبرى، وانضمام طوائف من الشعب بعد مرور سنتين على الانقلاب وظهور بعض سوءاته
نتيجة فشله في إدارة البلاد.
وفجأة
توقف الحراك الثوري بشكل تام وبصورة غريبة بعد أن كاد يستعيد رونقه ويمثل ورطة
للنظام، وضغط عليه للتعامل مع
المعتقلين بشكل آدمي، وبرغم الملاحقات الأمنية
المشددة للمسيرات، إلا أن النظام تعامل بتحفظ نسبي تجاهها، ورغم سقوط بعض الشهداء
بها، إلا أن النظام لم يجرؤ على القتل الممنهج للمعتقلين وتنفيذ أحكام إعدام جائر
والإقدام على قتل الرئيس؛ إلا بعد الإيقاف النكد للتظاهرات بقرار مجهول الهوية حتى
اليوم. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تتعرض كوادر الجماعة لحالة من البطش غير الآدمي،
من الإخفاء القسري، ومنع العلاج عن المعتقلين من الرجال والنساء والأطفال، واليوم برفض
كافة النداءات الإنسانية على مستوى العالم بالإفراج عنهم، أو التخفيف من أعدادهم
التي تمثل بيئة خصبة لانتشار الفيروس.
وفي تلك
الفترة، قبيل قرار إيقاف الحراك الثوري، عُرضت على الجماعة الكثير من
المبادرات
لوقف الحراك في مقابل خروج المعتقلين، إلا أن الموقف القوي لها بوجود الثوار في
الشارع دفعها لرفض كافة تلك المبادرات وعدم التنازل عن ثوابت الشرعية التي انتفت
كلها اليوم، وتجبّر النظام واستفحل خطره بعدما سقط الصرح الأخير لنزع شرعيته، وهو
الحراك في الشارع المصري.
وللإخوان
المسلمين اليد الطولى في التعامل مع الكوارث سجلها التاريخ في اجتياح الكوليرا
للبلاد، وبعد زلزال 1992، واجتياح إنفلونزا الخنازير وبعدها إنفلونزا الطيور، وكلها
أوبئة تسببت في بث الرعب في العالم وقتها. وهذا لكثرة عدد علماء في كافة المجالات
الطبية والعلمية والمعملية، علاوة على المنظمات المنبثقة عن الجماعة، ومنها لجنة
الإغاثة وقد حيل اليوم بينها وبين دورها الذي (كما تم تصنيفه) يلي دور منظمة الأمم
المتحدة عالميا في العمل المجتمعي الإنساني.
ودعت جماعة
الاخوان المسلمين لمتابعة مؤتمر صحفي الكتروني يوم الأحد (5 نيسان/ أبريل) حول
أولويات العمل الوطني في مواجهة جائحة
كورونا، تحت عنوان "التعاون والمشاركة
فريضة"، وذلك بمشاركة نخبة علمية متميزة ومتخصصة في مجالات مختلفة، منها
الاجتماعي والصحي والتنظيمي. فهل يتوقف دور تنظيم بهذا الحجم بفئاته النوعية عند عمل
مؤتمر توعية قد لا يصل لكافة فئات المجتمع؟
سياسة
النظام تجاه مواطنيه
ومنذ
اليوم الأول للانقلاب والذي أقسم فيه قائده أن شرف حماية إرادة الناس أحب إليه
وأعز عليه من حكمهم، ثم أعلن ترشحه واعتلاءه عرش مصر.. منذ ذلك الحين كانت سياسة
النظام تجاه الشعب هي الإهمال المتعمد، والتجاهل الذي تلاشت معه الطبقة المتوسطة
من البلاد بانضمامها للطبقة الفقيرة، والتي تحولت بدورها للفقر المدقع الذي عجزت
معه علي توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة من الطعام والغذاء والملبس، فضلا عن
الدواء ومستلزمات النظافة والوقاية من الأمراض الفيروسية والبكتيرية. قام النظام
باقتطاع حق المصريين في حياة كريمة ووضعها في العاصمة الإدارية الجديدة، وفرط في
الحقوق التاريخية للبلاد في مياه النيل، وتنازل عن الجزر الاستراتيجية في فضيحة
تاريخية مررت بغطاء من مجلس الشعب المختار بمعرفة النظام.
وفي خضم
الكارثة العالمية والتي يلجأ فيها النظام للكذب تجاه الأعداد الحقيقية للمصابين
بالفيروس، حدثت كارثة إنسانية في المعهد القومي للأورام الذي أصيب فيه أكثر من 17
طبيبا وممرضة بالفيروس، وتم إغلاقه، ثم تم تنظيم وقفة احتجاجية للعاملين في المعهد
للمطالبة بإجراء مسح طبي لهم بعد إصابة زملائهم.
وفي ظل
فراغ المستشفيات الحكومية كافة من وسائل وقاية الطاقم الطبي من الإصابة، وعدم وجود
أدنى وسائل مكافحة العدوى، تعلن رئاسة الجمهورية عن التبرع بطائرتين تحملان
مستلزمات طبية إلى إيطاليا، للمرة الثانية في أسبوع واحد بعد تبرعها بمليون كمامة
من قبل، بصحبة وزيرة الصحة التي سافرت للصين في عمق الكارثة..
تلك هي
سياسة النظام تجاه المواطنين، فلا اعتراف بالمرض إلا بعد انتشاره في العالم أجمع
بصورة كبيرة، ولم يعد هناك بد من الاعتراف خاصة بعد أن أعلنت عدة دول عن وصول
مواطنين من مصر مصابين بالفيروس، ولا استعداد لمواجهة الجائحة بتعويض العاملين
والمتكسبين لأرزاقهم بشكل يومي مع عجزهم عن ترك أعمالهم خوفا من الجوع، ولا تنظيم
لتوزيع الخبز في نقاطه مثلما كان يفعل الإخوان قبلا، ولا إمداد الجهاز الصحي بأي
وسائل مواجهة في الوقت الحاضر، مما دفع عشرات من الأطباء والممرضين للتقدم بطلب
إجازات طويلة خوفا من العدوى لعدم توفر الإمكانيات، غير مئات تقدموا بطلبات للهجرة
للولايات المتحدة هربا من الطوفان.
وفي الوقت
الذي تتدافع فيه الدول للحصول علي أدوات الوقاية بأغلى الأسعار، تلجأ الحكومة
المصرية بتوجيه من رئيس الدولة للتبرع بما تملكه لدولة أخرى مجانا، أو ربما هناك
مقابل غير معلن. فهل يُنتظر من ذلك النظام أن يفرج عن الأطباء المعتقلين من
الإخوان والأحرار غيرهم لإنقاذ الشعب من هول ما ينتظره في الأسبوعين المقبلين؟ هل
يسمح لأي جهة بأن تتدخل، سواء الإخوان أو
أي حزب آخر أو حتى كعمل فردي للتدخل وفضح فشله أمام العالم؟
الشعب
سيد قراره
الكلمة
الآن ليست للنظام المتعنت والمتعمد الفشل والفساد دون التفات لمصلحة الشعب الذي
يحتل المرتبة الأخيرة من أولوياته، وليست كذلك لجماعة الإخوان المغيبة قسرا خلف
السجون، والمطاردة خارج البلاد، ولا يد لها في خروج عناصرها أو عودتهم من الخارج،
الكلمة دائما وستظل للشعوب التي تفرض إرادتها على الجميع، حتى لو كان متحصنا خلف
مدفع ودبابة.
إن الجيوش
يوما لم تهزم شعبا قرر أن ينتفض وينتزع حقوقه ويحاسب من ظلمه واستباح حقه وانتهك
آدميته، والسنوات التي تمر تسجل في التاريخ، ووقت الحساب يأتي حتما، ولا حق يضيع
ووراءه مطالب حر. الكلمة للشعب وكانت ثورة يناير المجيدة خير مثال لفرض الشعوب
كلمتها بإزاحة مبارك العسكري من سدة الحكم حين صمد 18 يوما، ولولا استغلال العسكر خلاف
الثوار ما آلت الأمور لما آلت إليه اليوم، ولما كانت له كلمة في اختيار الحاكم.
الشعوب هي من تفرض إرادتها إن هي أرادت، وهي التي تسمح بسلب تلك الحرية إن هي
استكانت وتملك منها الخوف والركون والضعف.
لم يعد
لأحد كلمة سوى الشعوب، بينما النظام يقف ذليلا في مواجهة فيروس، ويجد وسيلته
الوحيدة للبقاء التودد لحكام بلاد أخر باستنزاف ممتلكات الشعب من الأدوات الطبية، ظنا
منه أن مساندة الخارج ستظل قائمة بلا أمد، وتصغيرا منه لقيمة شعبه وقدرته على محاسبته
في وقت آت حتما. الحل في يد الشعب وحده لا غيره، ليخرج كافة الأحرار يأخذون دورهم
في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، من نظام فاشي أتى ليفسد لا ليحكم.