فتحت موافقة الخرطوم للتفاوض ودفع تعويضات مالية، لكل من ذوي ضحايا هجوم المدمرة الأمريكية "كول"، باليمن، وكذا أسر ضحايا تفجيري سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، باب التساؤلات في ما إذا كان هذا النهج والسلوك، سيفتح آفاقا حقيقية وجادة، لرفع اسم السودان من قوائم العقوبات الأمريكية وكذا ملف الدول الراعية للإرهاب؟
وفي هذا الصدد عبر الدبلوماسي الأمريكي السابق، والباحث غير المقيم في مركز المجلس الأطلسي، كاميرون هدسون، "عن اعتقاده بأن أمريكا تميل إلى رفع العقوبات، لكنها تريد أولاً أن ترى السودان يحسم الدعاوى القضائية بالكامل".
وقال كاميرون هدسون وهو من كبار المسؤولين السابقين بالخارجية والبيت الأبيض في حديث لـ"عربي21": "إذا كان السودان قادرًا على الوصول إلى تسوية بشأن تفجير السفارتين، فسيكون ذلك تطورا مهما للغاية في المساعدة على تلبية المتطلبات السياسية النهائية التي تطلبها إدارة ترامب لرفع العقوبات عنه".
لكنه أكد على أن "الوصول إلى تسوية لن يكون كافيا، معربا عن اعتقاده بأنه يجب دفع التعويضات لأسر الضحايا، قبل اتخاذ أي خطوات لحذف السودان من قائمة داعمي الارهاب".
وأشار هدسون إلى أن أجمالي قيمة التعويضات قد يصل إلى 500 مليون دولار، لكن هذا المبلغ غير متوفر حاليا لدى السودان، مضيفا: "لذلك لا يحتاج الأمر فقط إلى التوصل لتسوية نهائية مع أسر الضحايا، بل يحتاج أيضًا إلى توفير هذه الأموال ودفعها".
وأردف: "ونظرا للوضع الاقتصادي السيء في البلاد، فمن المحتمل أن يتوجب على السودان التوجه إلى الجهات المانحة، أي "دول الخليج"، وذلك لتأمين هذه الأموال في الوقت المناسب".
وأشار إلى أن "هذا الحل قد يستغرق بعض الوقت، وقد يتطلب أيضًا تدخل الولايات المتحدة نيابة عن السودانيين مع المسؤولين الخليجيين لدعم هذا الترتيب".
ورجح هدسون بأن "واشنطن أيضا تريد التأكد والتثبت من أن السودان لن يعود إلى الحكم العسكري بعد إزالة العقوبات، مضيفا: "يمكن أن يستخدم الجنرال برهان رحلته القادمة إلى واشنطن لطمأنة المسؤولين الأميركيين بأنه يدعم الحكم المدني في السودان ويتخذ خطوات لإصلاح دور الأجهزة الأمنية في البلاد".
لا جدوى سياسية للتسويات
من جهته يرى المحلل السياسي أمية يوسف أبو فداية أنه لا جدوى حقيقية من هذه التسويات أو تقديم شيكات على بياض للحكومة الأمريكية، معربا عن اعتقاده أنه حتى لو تمت لن تُرفع العقوبات حاليا، أو على الأقل قبل الانتخابات الأمريكية، ولا حتى الحديث عن التعامل مع الحكومة السودانية.
واعتبر أبو فداية في حديث لـ"عربي21" أن "الهدف الأساسي من هذه التسويات هو تقديم تنازلات للوصول لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، ولكن إلى الان لم يتم الاتفاق على جدول زمني لذلك أو على رؤية محددة".
وأضاف: "فقط يقوم الطرف السوداني بتقديم تنازلات، لكن الطرف الأخر لم يقدم شيئا بل حتى لم يظهر أي مشاعر طيبة، أيضا إذا كانت هناك تجاوزات من قبل الحكومة السابقة، فإن الشعب والحكومة الحالية غير ملزمين أو مسؤولين عنها، بالتالي لا يمكن معاقبة الشعب خاصة أنه حدث تغيير شامل في الحكومة".
اقرأ أيضا : الخرطوم تفاوض أسر ضحايا تفجير سفارتي واشنطن بكينيا وتنزانيا
وأشار إلى أن المشكلة بهذه التسويات أنها ستفتح المجال لأخرى مشابهة، فسياسة الحكومة الأمريكية مع السودان منذ النظام السابق هي كلما تنازل أكثر كلما طالبت بتنازلات أخرى.
بدوره قال أستاذ العلوم السياسية أحمد علي عثمان لـ"عربي21": " القبول بهذه التسويات والاعتراف بالخطأ في تفجير المدمرة كول أو السفارتين هو قراءة خاطئة للتاريخ من قبل من هم موجودين في الحكم الآن".
وأشار إلى أنه "لا جدوى من هذه التسويات، فهذه الخطوة ستليها خطوات أخرى لتوريط السودان في جرائم أخرى لم يرتكبها، ومن السذاجة أن تزج باسم دولتك في جريمة لم ترتكبها".
وخلص بالقول: "برأيي لن يُرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، خاصة أن اعتراف الحكومة بالذنب في تفجير المدمرة كول هو اعتراف بأن السودان إرهابي ويرعى الإرهاب، بالتالي كيف ستنتظر أن يتم حذف أسمك من هذه القائمة، اعتقد بأن هذا غباء سياسي".
التداعيات الاقتصادية
وأثار قرار موافقة السودان على التفاوض وحجم مبلغ التعويضات الكبير الذي طالبت فيه الأسر تساؤلات عن تداعياته على الاقتصاد السوداني، في ظل ما يعانيه من مشاكل.
يرى الخبير الاقتصادي السوداني محمد الناير بأن هذه التعويضات إن تم إقرارها سيكون لها أثر مدمر على الاقتصاد السوداني.
وأشار إلى أن "الحكومة الانتقالية كانت تعتقد أن الـ 30 مليون دولار قيمة تسوية قضية المدمرة كول مقدور عليها، ومن الممكن جدولتها وسدادها رغم الظروف الصعبة التي يمر فيها الاقتصاد السوداني".
وأضاف الناير في حديث لـ"عربي21": "لكن المحكمة الأمريكية أقرت تعويضات بقيمة 10 مليارات دولار لأسر ضحايا السفارتين، وبالتأكيد الاقتصاد السوداني لن يستطيع أن يفي بدفع هذا المبلغ لا على المدى القصير أو المتوسط".
وأكد على أنه "لا صلة للسودان بهاتين القضيتين، وما كان يجب على الإدارة الانتقالية المضي قدما في هذه الملف مع الإدارة الأمريكية، باعتبار أن السودان لا يمكن أن يتحمل جريمة لم يرتكبها، إلا أن يكون هناك دلائل وقرائن واضحة على مسؤوليته".
عائد ضعيف
ويبقى السؤال الأهم، هل العائد الاقتصادي لرفع العقوبات يمكن أن قيمة التعويضات التي ستُدفع لأسر الضحايا؟
أكد الناير على أن "رفع العقوبات إن تم نتيجة دفع التعويضات، لن يدر عائدا اقتصاديا مجديا على المدى القصير، فالاقتصاد السوداني لن يستطيع أن يفي بدفع هذه المبالغ لا على المدى القصير أو المتوسط، وبالتالي يجب أن نعود للسؤال الأهم هل هناك إثباتات على أن السودان مشترك في هذه القضايا"؟
ولفت إلى أن العائد الاقتصادي لرفع العقوبات لن يكفي حتى لدفع هذه التعويضات على المدى القصير.
وحول قول الدبلوماسي الأمريكي هدسون بأن الدول المانحة يمكن أن تساعد السودان في دفع هذه التعويضات قال الناير: "هل يمكن أن تدفع هذه الدول أموالا نيابة عن السودان كتعويضات عن قضايا لم يتم اثبات صلته فيها؟ برأيي تصريحه غير منطقي، فالاقتصاد السوداني يحتاج لدعمه داخليا وليس لدفع التعويضات".
ما تأثير تسليم البشير لـ"الجنائية" على السلام بالسودان؟
هل يعود التطبيع مع إسرائيل بالنفع على السودان؟
هل يؤثر لقاء البرهان نتنياهو على تماسك المجلس السيادي؟