قدم نواب بالبرلمان الجزائري، مؤخرا، طلبا بتحريك الملف المتعلق بتجريم الاستعمار، تجاوبا مع دعوات أطلقها وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، بداية الأسبوع الجاري، وسط تساؤلات عن إمكانية أن يتم سن القانون أخيرا، ودلالات التوقيت.
وقال النائب "لخضر بن خلاف" في تصريح خاص لـ"عربي 21"، إن هذا الطلب تقدم به خمسة نواب دون انتماء سياسي، وجمعوا له نحو 20 توقيعا، وأودعوه لدى رئاسة المجلس الشعبي الوطني، وهي الغرفة الأولى للبرلمان.
لكن "ابن خلاف" اعتبر أن المبادرة رمزية، لأنها لا تنطوي على أي أثر قانوني، إذ لا معنى لتقديم طلب لرئيس المجلس، بل يجب إعداد مشروع قانون من النواب إذا أرادوا فعلا سنّ القانون، بحسبه.
ويأتي هذا التطور، في سياق دعوة وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، من نواب البرلمان، المبادرة إلى فتح ملف تجريم الاستعمار، كنوع من الرد على ما تعتبره السلطة تدخلا أجنبيا في الشأن الجزائري.
وذكر زيتوني خلال زيارته لمدينة غرداية بالجنوب الشرقي للجزائر يوم الأحد الماضي، قائلا: "أبعث بنداء شخصي لكل نواب البرلمان لفتح ملف تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر".
وفي تعليقه على هذه الدعوة، قال النائب ابن خلاف، إن الوزير إذا كان فعلا صادقا في ما يقول، فما عليه سوى أن يبادر هو كعضو في الحكومة مثلما يخوله ذلك الدستور، بمشروع قانون لتجريم الاستعمار، لا انتظار أن يأتي ذلك من النواب.
ويعتقد ابن خلاف، أن الوقت ليس مناسبا في هذه الفترة الانتخابية للمبادرة بمشروع قانون لتجريم الاستعمار، لأن قانونا من هذا النوع يجب أن تسنده حكومة شرعية ورئيس منتخب، وهو ما لا يتوفر، حسبه، للجزائر اليوم.
"غياب الإرادة السياسية"
ولم تلق دعوة وزير المجاهدين المحسوب على رموز نظام الرئيس السابق، تجاوبا كبيرا سواء من جانب النواب أو الإعلام، نظرا للظرف الذي أوحى بأن تصريحاته دعائية فقط، لاسيما مع اقتراب انتخابات رئاسية يحشد لها النظام ويرفضها الحراك الشعبي.
ويرى المحامي والناشط السياسي، عمار خبابة، بأن إثارة قانون تجريم الاستعمار، تأتي فقط كردّ فعل على حشر نواب فرنسيين أنوفهم في الشأن الجزائري، أكثر منها إرادة سياسية حقيقية في الذهاب إلى إصدار هذا القانون.
وأوضح "خبابة"، في تصريح لـ"عربي 21"، أن الملف ذاته فتح سابقا عدة مرات، لكن الحكومة رفضت التعامل مع المقترح لأسباب سياسية.
وكان نواب قد تقدموا، عام 2005، باقتراح مشروع قانون لتجريم الاستعمار، ردا على القانون الفرنسي الشهير الذي أراد تمرير اليمين الفرنسي في ذلك العام لـ"تمجيد الاستعمار"، لكن ذلك المقترح بقي حبيس الأدراج.
واعتبر "خبابة" دعوة وزير المجاهدين، محاولة لتجنيد البرلمانيين للرد على تدخل نظرائهم الأوربيين والفرنسيين، كون التدخل في الشأن الجزائري جاء من البرلمان الأوروبي.
وكان ملف تجريم الاستعمار، يستعمل في كل مرة كورقة ضغط في يد السلطات الجزائرية لمواجهة التحرشات الفرنسية أو محاولة المستعمر القديم تشويه حقائق تاريخية تُدينه في الجزائر.
ويبقى ملف الذاكرة الاستعمارية، من أكثر المسائل التي ماتزال عالقة إلى اليوم، حتى إن وزير المجاهدين في تصريحات سابقة له، وضع أربعة شروط لعودة العلاقات بين بلاده ومستعمرها السابق فرنسا لطبيعتها.
وتتمثل هذه الشروط وفق الوزير في "تسوية ملف المفقودين مع السلطات الفرنسية، إضافة إلى الفصل في ملف إعادة الأرشيف الوطني الموجود بفرنسا، ودفع التعويضات اللازمة للمتضررين بالتجارب النووية في الصحراء الجزائرية، والاعتراف بالجرائم الفرنسية في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية".
"تجريم الاستعمار.. ضرورة"
وعن أهمية سنّ قانون في الجزائر لتجريم الاستعمار، قال المؤرخ محمد أرزقي فراد، إنه لا يوجد خلاف حول سياسة الإبادة التي مارسها الاستعمار الفرنسي في الجزائر طيلة 132 سنة، بأساليب لا تختلف عن سياسة الإبادة التي مارسها الرجل الأبيض في القارة الأمريكية.
وأوضح "فراد" في تصريح لـ"عربي21"، معددا جرائم الإبادة الفرنسية: "استخدم الاستعمار ما يسمى بسياسة الأرض المحروقة، ومن مظاهرها قطع الأشجار وحرق الزرع وتخريب العمران وجزّ رؤوس قادة الثورات وتحنيطها للاحتفاظ بها في المتاحف الفرنسية".
وتابع: "كما ارتكبت المذابح والمحارق الجماعية، ولعل من أشهرها محرقة الفراشيش في جبال الظّهرة بالغرب الجزائري، التي ارتكبها العقيد الفرنسي دى بليسيي في حزيران/ يونيو 1845، وذهب ضحيتَها أكثر من ألف شخص من كل فئات الأعمار".
وأضاف: "ناهيك عن تهجير قادة الثورات والمجاهدين إلى كايان بأمريكا الوسطى وكاليدونيا الجديدة بالمحيط الهادئ، يضاف إلى ذلك انتهاك أعراض حرائر الجزائر، وجرائم أخرى لا يتسع المجال لذكرها".
وأضاف المؤرخ الذي كان عضوا بالبرلمان وسبق أن اقترح مشروع قانون لتجريم الاستعمار، قائلا: "لا شك أن الشعب الجزائري يحترق شوقا لإصدار قانون تجريم الاستعمار، وبالفعل هناك ثلاثة اقتراحات صادرة عن مجموعة من النواب في سنوات 2001، 2005، 2008، لكنها أجهضت كلها، بإرادة الحكومات التي لم تجرؤ على مجابهة فرنسا، لأن نظام الحكم في الجزائر فاقد للشرعية الشعبية، ويستمد أسباب بقائه من علاقته بفرنسا".
وتابع أن باريس بالمقابل "غضت النظر عن فساد الحكام الذين يملكون العقارات والحسابات المالية لديها، مقابل استمرار هيمنتها على الجزائر. ولعل الأمل في إصدار قانون تجريم الاستعمار الفرنسي مرهون بنجاح الثورة السلمية المسماة بالحراك الشعبي".
"عربي21" تستطلع آراء الجزائريين بشأن الرئاسيات المرتقبة
حشد متزايد بقيادة فرنسية.. هل تشكل أوروبا جيشا موحدا؟
البرلمان الأوروبي يبعث هواجس "التدخل الأجنبي" عند الجزائريين