الصراع حول الرئاسيات يحتدم.. ماذا تخبّئ الأيام الأخيرة؟

اختلف تقييم النصف الأول من الحملة الانتخابية للرئاسيات الجزائرية، في ظل الاحتقان السائد في الشارع، والذي لم يسمح للمرشحين الخمسة بالتنقل بحرية في الولايات ولقاء المواطنين.

ويوجد إجماع لدى المراقبين، على أن هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها، إذ لم يسبق أن بلغ التوتر هذا الحدّ قبل أيام فقط من يوم التصويت الذي سينطلق في 12 كانون الأول/ ديسمبر.

وكان الجزائريون في الانتخابات السابقة، يتصرفون ببرودة مع هذا الحدث لاعتقادهم أن الأمور محسومة ويلجؤون إلى "المقاطعة السلبية" للاحتجاج، لكنهم في هذه المرة غيّروا من الأسلوب بسبب رفض الكثير منهم للطريقة التي ستنظم بها الانتخابات.

وصاحبت الأيام العشرة الأولى من الحملة الانتخابية، أجواء ساخنة في كل الولايات التي زارها المرشحون، ما جعلهم يحتمون بالقاعات المؤمنة لإلقاء خطبهم وتفادي أي احتكاك مع الشارع الغاضب.
وتخلو الشوارع من مظاهر الانتخابات، إذ بقيت اللوحات المخصصة لملصقات المرشحين خالية من الصور، وبعضها كُتب عليها شعارات مناوئة لتنظيم الانتخابات أو تم نزعها من أماكنها تعبيرا عن الاحتجاج.

ويُرافق المرشحين، عدد كبير من رجال الشرطة لتأمين تنقلاتهم وإبعادهم عن المظاهرات التي يقيمها الرافضون للانتخابات، كما لوحظ تواجد أمني قوي داخل قاعات التجمعات لمنع التشويش على المرشحين.

اقرأ أيضا: قايد صالح: أطراف داخلية متورطة بمحاولات خارجية للتدخل بالجزائر

ومع كل هذه الترسانة الأمنية المخصصة لتأمين الحملة الانتخابية، لم يستطع المرشحون دخول ولايات بعينها في منطقة القبائل مثلا، والتي تعرف وتيرة احتجاجات عالية جدا.

واعتمدت السلطات في تعاملها مع رافضي الانتخابات على المنطق الأمني، فتمّ اعتقال مئات المواطنين الذين تجمعوا احتجاجا على قدوم المرشحين إلى ولاياتهم، وتم تسليط أحكام ثقيلة في حق بعضهم وصلت إلى 18 شهرا سجنا نافذا.

هذا الواقع، جعل المتظاهرين في الجمعة الأخيرة يطلقون وصف "الحملة الاعتقالية" على الحملة الانتخابية، ويدعون إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين الذين عبّروا عن آراء سياسية.

جدل المؤيدين والرافضين

 
ويؤكد هذا المناخ، وفق حبيب براهمية الناطق باسم حزب جيل جديد، على أنه "لا يمكن الذهاب إلى انتخابات ترفضها أغلبية الجزائريين"، وهو ما يفرض، حسبه، إعادة النظر في تنظيمها في التاريخ المعلن عنه.
وأبرز براهمية في تصريح لـ"عربي 21"، أنه "يجب على السلطة الإصغاء لهؤلاء الجزائريين العازمين على تحقيق مطلب التغيير الجذري النظام والذين لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلهم".
وتابع القيادي في الحزب المعارض: "هذا النكران للواقع أصبح اليوم خطرا على سلمية الاحتجاج و بذلك على استقرار الدولة، لذلك فالحكمة والمسؤولية تقتضيان العودة اليوم إلى اقتراحات الخروج من الأزمة الأكثر جدية".

وبخصوص المخاوف من الصدام، بدأت تظهر مؤشرات مخيفة، إذ صاحبت زيارة المرشح علي بن فليس إلى ولاية البويرة، أعمال شغب، كما تعرض صحفيون في بعض تغطياتهم للهجوم.
ومما يقترحه براهمية، "إعلان تأجيل الرئاسيات، إطلاق سراح معتقلي الرأي و فتح مرحلة حوار وطني بين كل أطياف المجتمع السياسي الجزائري تسمح بإيجاد الآليات السياسية التي تسمح بالعودة إلى الشرعية الشعبية و الخروج من الأزمة بطريقة سلمية وسلسة".

لكنه هذه الاقتراحات تبدو مرفوضة تماما عند الطرف المقابل المؤيد لتنظيم الانتخابات، إذ لا مجال للتراجع بعد أن تم قطع كل هذه الأشواط والبلاد لم تعد تحتمل في منظورهم أي تأجيل آخر.

ويعطي أحمد الدان القيادي في حملة المترشح عبد القادر بن قرينة، تقييما إيجابيا للنصف الأول من الحملة الانتخابية، سواء من حيث التعاطي الشعبي أو جو المنافسة الذي كان طاغيا عليها بين المرشحين.

وأوضح الدان في تصريح لـ"عربي21"، أن "المرحلة الأولى كان الجهد فيها مقسما بين إقناع الرافضين للانتخابات أو المترددين في المشاركة بأهمية التصويت، وبين التعريف بالبرنامج الانتخابي وشرح طرق الخروج من الأزمات المتعددة الأوجه التي تعيشها الجزائر، وعلى هذا الأساس –يضيف- كانت صعبة في بدايتها لكنها كانت مفيدة جدا لما تبقى من أيام.

اقرأ أيضا: صحيفة فرنسية: الوضع يزداد توترا في الجزائر قبيل الانتخابات

واعترف الدان، بأن الحملة الانتخابية انطلقت في ظروف استثنائية صعبة واحتاجت إلى شجاعة كبيرة لم نرها عند جميع المرشحين، مشيرا إلى مرشحه أعطى الأولوية للاحتكاك بالشارع ومحاورة المواطنين والشباب وخاصة الرافضين منهم، لأن الرئيس القادم يحتاج لمحاورة الجميع والحوار لابد أن يبدأ من الآن.

السلطة لن تلغي الانتخابات

 
ومن وجهة نظر مُحايدة، توقع الكاتب الصحفي مروان الوناس، أن تستمر الحملة بنفس الوتيرة طالما أن السلطة في رأيه لن تلغي الانتخابات والحراك لن يتوقف عن الاحتجاجات.
وأبرز الوناس، في تصريح لـ"عربي 21"، أن هذه الحملة تعتبر فريدة من نوعها في تاريخ الجزائر، فصوت الاحتجاج وصخب الاعتقال يفوق خطابات المرشحين الخمسة الذين لا يتحركون سوى مع حراسة أمنية كبيرة جدا في ظل مطاردة المواطنين.

واللافت في هذه الحملة، وفق الوناس، أن التحدي بين المرشحين لم يكن في من يطرح أفكارا ورؤى جديدة و مبتكرة للبلاد كما هي التقاليد في الانتخابات الرئاسية، بل في من يقدر ويقوى على عقد المهرجانات الانتخابية ويغامر في مواجهة الغضب الشعبي.
لذلك، يضيف الوناس، غاب التنافس بين البرامج و البدائل وحلّ محلها أخبار المطاردات والملاحقات لهذا المرشح أو ذاك وكذا أخبار الاعتقالات والمحاكمات التي يخلفها أحد المرشحين وراءه بمجرد مغادرته المدينة التي حل بها.