الكتاب: الأنثروبولوجيا الفرنسية تاريخ المدرسة وآفاقها
الكاتب: عبد الله عبد الرحمن يتيم
الناشر: دار نينوي للدراسات و النشر والتوزيع ، دمشق، الطبعة الأولى 2019،
(261 صفحة من الحجم الكبير)
مدرسة الأنثروبولوجيا الفرنسية
تَتَميَّزُ الأنثروبولوجيا الفرنسية بنظريات ومناهج عريقة، فضلاً عن شخصيتها الفكرية العامة عن بقية المدارس الأنثروبولوجية. ولعل من العلامات البارزة لتميُّز هذه المدرسة، هو الدور الذي لعبه عدد من الأنثروبولوجيين الفرنسيين منذ النصف الثاني من القرن العشرين، مثل: كلود ليفي ستروس، بيير بورديو، لويس دومون، موريس غوديليه، وميشيل ليريس، في الفكر والنظرية الأنثروبولوجية، خاصة إذا ما تمت مقارنة هذا الدور بالدور الذي لعبه السوسيولوجيون والمؤرخون الفرنسيون، مثل: إميل دور كايم، مارسيل موس، فرناند بروديل، ومارك بلوخ، عبر تجاربهم في مدرسة "الحوليات" عامة، و "الحوليات الاجتماعية" و"الحوليات التاريخية" خاصة، في تطور العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم الأنكلوساكسوني.
والحال، فإنه إذا كان دوركايم وبروديل وبلوخ قد تمكنوا من لعب دورهم في تاريخ تلك العلوم من خلال "مدرسة الحوليات" واحتلالهم المشهد الفكري منذ النصف الأول من القرن العشرين، فإن معالم هذا المشهد قد أخذت تتغير في النصف الثاني من القرن العشرين، ذلك من جراء تأثير أعلام أنثروبولوجية فرنسية بارزة، مثل: ليفي ستروس، بيار بورديو، دومون، غوديليه، ليريس، وآخرين.
لقد أتى هؤلاء بمفاهيم ونظريات أنثربولوجية مختلفة عن تلك البريطانية والأمريكية السائدة آنذاك، بل أتوا بأعمال إثنوغرافية لافتة جعل منها علامات فارقة في تاريخ الفكر الأنثروبولوجي.
في هذه الكتاب الجديد، الذي يحمل العنوان التالي: الأنثروبولوجيا الفرنسية تاريخ المدرسة وآفاقها، لمؤلفه عبد الله عبد الرحمن يتيم، الصادرعن دار نينوي بدمشق 2019، والمتكون من مقدمة وعشرة فصول، ويحتوي على 261 صفحة من القطع الكبير، يتعمق الكاتب بالبحث والدراسة في تاريخ المدرسة الأنثروبولوجية الفرنسية، التي كان لها تأثير بالغ الأهمية منذ أوائل القرن العشرين، رغم طغيان المدارس الأنجلوساكسونية، كالمدرستين البريطانية والأمريكية.
شخصيات أنثروبولوجية فرنسية
وعليه فقد توقف الباحث أمام تجارب شخصيات أنثروبولوجية بارزة تنتمي لهذه المدرسة الفرنسية، حيث تضمن كل فصل من فصول الكتاب دراسة شخصية معينة، إذ لعبت تلك الشخصيات دورًا بالغ الأهمية في مسيرتها، جنبًا إلى جنب مع التوقف أمام الجذور التاريخية للأنثروبولوجيا الفرنسية والملامح والسمات العامة التي اتسمت بها هذه المدرسة.
يقول الباحث عبد الله عبد الرحمن يتيم، "وعلى الرغم من ذلك الإسهام، والنفوذ المتعاظم للمدرسة الفرنسية، إلا أن نصيبها من البحث والدراسة ظل قليلاً في نطاق الدراسات المنشورة عنها باللغات الأوروبية، أما في نطاق اللغة العربية فيكاد يكون الأمر نادراً، إنْ لم يكن معدوماً. وعليه فإنَّ هذه الدراسة تطمح لسدِّ بعض من أوجه هذا النقص، من خلال تسليط الضوء على تاريخ هذه المدرسة ومحطاتها الرئيسة وأعلامها البارزة، بهدف الوقوف على المعالم البارزة للشخصية العامة للأنثروبولوجيا الفرنسية"(ص 10 من الكتاب).
تنتمي الأنثروبولوجيا الفرنسية المعاصرة إلى بدايات القرن العشرين، حيث أخذت شخصيتها في التبلور مما جعل منها مدرسة في الأنثروبولوجيا تختلف عن نظيرتيهاالبريطانية والأمريكية. وتستمد هذه الشخصية تجربتها وتميزها من تقليدين أساسيين: من الناحية الأولى، امتازت هذه المدرسة باستمرار استنادها على تقاليد "النظريات الكبرى"، ومن الناحية الثانية على الدراسة التفصيلية والصارمة للحقائق والمعلومات. وقد شهد تاريخ المدرسة الفرنسية استقطابات حادة بين كلا الاتجاهين في مراحل معينة من تطورها، وفي مراحل أخرى ساد التكامل والتعاون بين الاتجاهين. وتعكس التجارب والأعمال الأنثروبولوجية الفرنسية خلال ما يزيد عن القرن مسار كلا الاتجاهين وتأثيراتهما في الخلاصات النظرية التي نتجت عنها والتي أخذت تترك تأثيراتها على الأكاديميات والمعاهد الفرنسية وغيرها في القارتين الأوروبية والأمريكية.
كان لغياب التخوم والاحتراف الأكاديمي في ميادين العلوم الاجتماعية والإنسانية الأثر السلبي في عدم وجود الحدود الفاصلة والواضحة المعالم بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والإثنولوجيا،
يقول الباحث عبد الله عبد الرحمن يتيم: "تمتاز المدرسة الفرنسية على المستوى الأنثروبولوجي بتشابك وانشغال الأكاديميين والباحثين فيها بالقضايا الفكرية والفلسفية التي تشغل الحياة الفكرية والفلسفية العامة في
فرنسا والتي تقع بطبيعتها خارج أسوار الأكاديميات المعروفة، وهي في هذه الخصيصة لا تختلف عن بقية العلوم الاجتماعية والإنسانية في فرنسا. وهكذا لعب تماهي الحياة الأكاديمية مع الحياة الفكرية والثقافية العامة دوراً في لعب عدد من الأنثروبولوجيين الفرنسيين أدواراً مهمة في الحياة الفكرية والثقافية العامة"(ص11 من الكتاب).
لقد برزت عوامل عديدة في مسيرة الأنثروبولوجيا الفرنسية كان لها الدور البارز في مضاعفة إشكالية الانفصال بين الجانب النظري والعملي وتأثيراتهما على إنتاج المعرفة النظرية الأنثروبولوجية، فقد كان لغياب التخوم والاحتراف الأكاديمي في ميادين العلوم الاجتماعية والإنسانية الأثر السلبي في عدم وجود الحدود الفاصلة والواضحة المعالم بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والإثنولوجيا، وهو ما تسبب في عدم معرفة من هم أولئك الأنثروبولوجيون بين كبار شخصيات تلك العلوم، فكان أحد الدارسين لتاريخ الأنثروبولوجيا الفرنسية يتساءل: هل يمكن اعتبار دور كايم فيلسوفاً أم عالم اجتماع؟ وهل موس وبورديو عالما اجتماع أم أنثروبولوجيان؟ وماذا عن "ميشيل فوكو": هل هو مؤرخ أم عالم اجتماع؟
يقول الباحث عبد الله عبد الرحمن يتيم: "من تأثيرات تلك الخاصية، كما يرى أحد الدارسين أيضاً، أن هناك قدراً من الالتزام والتقيد الشخصي من قبل صاحب النظرية بالخط الفكري الذي دشنه وهو ما سيطبع مستقبل مسيرته الفكرية والمهنية، وهي تجربة تختلف عن مثيلتيها في بريطانيا وأمريكا، حيث استحالة أن نجد تجارب في فرنسا لشخصيات شبيهة بتجربة "وليم ريفيرز" في بريطانيا و"مارشال سالينز" في أمريكا.
وبالرغم من ذلك، هناك استثناءات في المدرسة الفرنسية، نذكر منهم: "لويس دومون" و "موريس غوديليه". وحيث امتازت تجارب هذين بالتفوق بل بالتميز على الصعيدين النظري والعملي، فقد أسهمت أعمالهما الإثنوغرافية والأنثروبولوجية في إحداث تحولات كبيرة ليس على مستوى المدرسة الفرنسية فحسب، وإنما على النطاق العالمي كذلك"(ص 16 من الكتاب).
ضرورات النظرية الأنثروبولوجية:
حسب هذا المنظور، فإن الانشغال بالدراسة التفصيلية والصارمة للحقائق والمعلومات، كخاصية ميزت المدرسة الفرنسية، لعبت دوراً على سبيل المثال في تمكين هذه المدرسة من تحقيق تقدم كبير على صعيد الشمولية والمهنية التي تتطلبها الدراسات الأنثروبولوجية، أما على صعيد تأثيرات القضايا النظرية الكبرى على أعمال هذه المدرسة، فإنَّ ذلك يبدو جلياً في ما كانت توليه للمجتمعات البشرية من مكانة مركزية بشكل شامل، مع الميل الواضح نحو تحليل الأنظمة والأنساق ذات الصلة بالتمثيلات الاجتماعية. كما رجحت الأنثروبولوجيا الفرنسية أولوية، بل أسبقية الكل على الأجزاء، وكذلك الارتباط الوظيفي المتبادل بين مكونات النظام أو النسق، وكذلك على أهمية الوقوف على علاقات الترابط بين تلك المكونات.
ولعل مثل تلك الاهتمامات ما جعل الأنثروبولوجيا الفرنسية تختلف عن نظيرتيها البريطانية والأمريكية، لذا فإنه ليس بمستغرب أن نجد أن الجزء الأعم والأكثر تأثيراً للأنثروبولوجيا الفرنسية خارج فرنسا إنما يمتاز بجذوره النظرية. كما أن السعي وراء العمل الإثنوغرافي لم يكن غايته التوصل إلى صياغة نظرية ما في الثقافة، بل البحث في التساؤلات الفلسفية ومخاضاتها في الساحة الفكرية الفرنسية.
يقول الباحث عبد الله عبد الرحمن يتيم في تعليقه على عدد من رواد المدرسة الأنثروبولوجية الفرنسية الذين يمتلكون منحًا فلسفيًا ونظريًا: "فقد لعب التأهيل الأكاديمي ودراسة الفلسفة دوراً كبيراً في جعل شخصيات بارزة منهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر: كدور كايم، وموس، و"لوسيان ليفي برويل"، وليفي ستروس، وبورديون، أقرب إلى الفلاسفة، سواء بحكم التأهيل أو المزاج العام. فقد اعتمد هؤلاء في صياغة نظرياتهم بناءً على ما كان يأتي به الإثنوغرافيون، من مختف الجنسيات، من معلومات ميدانية عن تلك المجتمعات والثقافات البعيدة التي قاموا بدراستها. لذلك سيلاحظ الباحث المهتم بدراسة تاريخ الأنثروبولوجيا الفرنسية، أن تلك البراعم هي التي شكلت المعالم الأولى لانطلاقة الدراسات الحقلية في مسيرة هذه المدرسة، والتي صاغت بدورها بعد ذلك شخصيتها وذلك بالتداخل مع نظريات الرواد الأوائل من ذوي المقاعد الوثيرة"(ص 17 من الكتاب).
المنظور البنيوي:
ترك صعود النازية في أوروبا أثراً كبيراً على نشاط العلوم الاجتماعية والإنسانية، وكان من نتائجه في ألمانيا وحدها على سبيل المثال هجرة معظم أعضاء مدرسة فرانكفورت إلى أمريكا وانخراط البعض الآخر في النضال السياسي ضد النازية، وقادت ظروفها الصعبة كذلك إلى انتحار بعض أعضائها مثل "فالتربنجامين". ومثلما غادر أعضاء مدرسة فرانكفورت إلى أمريكا، كذلك فعل الفرنسيون، وهكذا بينما فضل بعضهم النضال في صفوف حركة المقاومة الشعبية ضد الحكم الفاشي في فرنسا، غادر البعض الآخر إلى أمريكا. وكان من أبرز المتواجدين آنذاك في مدينة نيويورك مع زملائه الألمان، كلود ليفي ستروس و"رومان جاكبسون". وقد أثمرت سنوات المنفى تلك عن تمكن ليفي ستروس من دراسته للأنثروبولوجيا على يد عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي "فرانز بواز" في جامعة كولومبيا، والعمل سوياً مع عالم اللسانيات جاكبسون، حيث نتج عن عملهما المشترك ما عُرف بعد ذلك بالنظرية البنيوية، إذ استطاع ليفي ستروس تكوين منظور أنثروبولوجي للمجتمع والثقافة قوامه المبادئ التي يعمل وفقها العقل البشري على مستوى اللغة، أي وفق مبدأ التضاد الثنائي المستمد من رؤية "دي سوسير" للغة الذي استعان به "جاكبسون"، حيث قام "ليفي ستروس" بالاستفادة منه في الوقوف على العقل البشري. أما الجوانب الأخرى من الثقافة والمجتمع، فبالإمكان استكمال النظر إليها حسب منظور "التبادل" الذي طوره مارسيل موس.
واستطاع ليفي ستروس عند عودته إلى فرنسا من نيويورك في الخمسينيات من القرن الماضي أن يطور نظريته البنيوية مستفيداً من جهة أولى من التحليل النفسي المبني على مبادئ الشعور واللاشعور لدى "سيغموند فرويد"، والذي قام بتطويره عالم النفس الفرنسي "جاك لاكان"، ومن جهة ثانية من دراسات "رولاند بارت" في التحليل والنقد الأدبي.
ضمن هذا السياق، يقول الباحث عبد الله عبد الرحمن يتيم: "استطاعت تلك التطورات التي شهدتها الأنثروبولوجيا الفرنسية، بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، أن تلفت أنظار بعض الأنثروبولوجيين الفرنسيين إلى دراسة مجتمعات وثقافات جديدة، خاصة تلك التي تقع في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، كما تم طرق ميادين جديدة، مثل: البيئة، والأنثروبولوجيا اللغوية، ودراسات ما قبل التاريخ، والتغير الاجتماعي، والكولونيالية. وقد برعت في هذه الميادين أسماء جديدة استطاع أصحابها توظيف تلك التطورات في دراسة التحولات التي كانت تمر بها المجتمعات التقليدية من جراء تعرضها لمظاهر الاستعمار على سبيل المثال. وكان من أبرزهم في هذا المجال "جورج بالاندييه"، الذي استطاع أن يطور منظوراً متقدماً في مجال الأنثروبولوجيا السياسية، وذلك بهدف الوقوف على التحولات التي كانت تمر بها بعض المجتمعات الأفريقية.
وهكذا مع انبلاج عقد الستينيات من القرن العشرين، استطاعت الأنثروبولوجيا الفرنسية أن ترسخ لنفسها موقعاً متقدماً في الساحة الفكرية والفلسفية في فرنسا، وكان للعلاقات المتشابكة بين حقول الأنثروبولوجيا، وكذلك للتقاطعات الفكرية التي أقامتها مع بقية ميادين العلوم الاجتماعية والإنسانية الدور الكبير في المكانة التي أخذت الأنثروبولوجيا تحتلها في الحياة الفرنسية العامة. وهكذا أخذت البنيوية كنظرية ومدرسة فكرية، يتصدرها ليفي ستروس، تلعب دوراً طليعياً، مما كان له الأثر الكبير في التحاق أسماء أخرى بارزة بها، مثل: الفيلسوف "ميشيل فوكو"، وعالم النفس "جاك لاكان" ، والنقاد الأدبي " رولاند بارت"(ص 28 من الكتاب).
فتحت مشروعات ألتوسير النقدية للماركسية المجال لإعادة النظر في بعض المفاهيم والقضايا التي تناولها "كارل ماركس" حول المجتمعات الأوروبية والأخرى غير الأوروبية
ومع دخولها إلى النصف الثاني من القرن العشرين، أصبح للأنثروبولوجيا الفرنسية، التي أخذت تهيمن عليها المدرسة البنيوية، شخصيتها المتميزة بل وأجندتها البحثية الخاصة التي غدت تميزها عن بقية المدارس الأنجلو ساكسونية. وهكذا أصبحنا نجد أن موضوعاً كبيراً مثل "القرابة"، حيث شغل حيزاً كبيراً من تفكير العديد من المدارس الأنثروبولوجية، أصبحت المدرسة الفرنسية تنظر إليه وفق مبدأ "التبادل"، وعليه أصبح مفهوم "المصاهرة" على سبيل المثال يشكل القاعدة التي تركز عليها القرابة وليس "النسب" كما كانت تريد له المدارس الأنجلوساكسونية، تماماً مثلما أخذت الأنثروبولوجيا الفرنسية تنظرُ للطقوس والأساطير باعتبارها أنماطاً لغوية وإدراكية، وليست تعبيراً عن أوضاع أو بَنِى اجتماعية أو دوافع سيكولوجية.
لقد تشابكت البنيوية كذلك مع الماركسية، وقد نتج عن ذلك التشابك أن أصبحت الأنثروبولوجيا الفرنسية تنظرُ إلى الاقتصاد باعتباره جزءاً من نسق أشمل، وهو ليس الوحيد أو القوة الوحيدة المسؤولة عن تحريك وتغيير المناحي الأخرى في الحياة كالسياسة والأخلاق والقيم والمعتقدات وغيرها. وتعتبر الماركسية، باختلاف مدارسها، إحدى المصادر الفكرية التي لعبت دوراً في تأصيل دور النظرية في الدراسات الأنثروبولوجية والعمل الإثنواغرافي في صفوف المدرسة الفرنسية. وكان الفضل يعود في هذا الخصوص للنتائج التي ترتبت عن مشروعات النقد التي تعرضت لها الماركسية، خاصة تلك التي قام بها الفيلسوف الفرنسي الكبير "لويس ألتوسير".
يقول الباحث عبد الله عبد الرحمن يتيم:" لقد فتحت مشروعات ألتوسير النقدية للماركسية المجال لإعادة النظر في بعض المفاهيم والقضايا التي تناولها "كارل ماركس" حول المجتمعات الأوروبية والأخرى غير الأوروبية مثل الآسيوية والأفريقية. لقد مهدت تلك المعالجات الطريق أمام جيل من الأنثروبولوجيين الفرنسيين للقيام بأعمال إثنوغرافية حقلية في مجتمعات غير أوروبية قائمة على أطروحات أنثروبولوجية عالجوا من خلالها موضوعات في السياسة والاقتصاد والقرابة والطقوس والمعتقدات، وكان من أبرز تلك الاسماء: "موريس غوديليه" و"مانويل تيري" و"كلود ميلسو" و"بيير فيليب ري". كانت إسهامات غوديليه تعتبر الأبرز في هذا الخصوص، حيث استطاع الممازجة بين الماركسية ورؤيتها التاريخية من جهة، والبنيوية الساعية للخوض في البَنِى الخفية والمستترة للمجتمعات والثقافات من جهة أخرى. وهكذا طور غوديليه مفهوم "نمط الإنتاج" و"التشكيلات الاجتماعية"، مبرزاً ما للفرد والبَنِى المستترة من دور حيوي في هذه الأنماط الإنتاجية وتلك التشكيلات الاجتماعية"(ص 29 من الكتاب).