أعلن نجل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح مساء السبت
الماضي، عن تعرض والده لأزمتين قلبيتين في أقل من 24 ساعة، وصدر بيان رسمي عن جماعة الإخوان أمس الاثنين، يفيد بـ"منع العلاج عن مرشد الجماعة الدكتور محمد
بديع وإخوانه". ووفقا للبيان فقد توفي في السجون 551 معتقلا، منهم 20 معتقلا
منذ مطلع العام الحالي، آخرهم الرئيس الراحل محمد مرسي. وسبق أن توفيّت قيادات
سياسية داخل السجون، أبرزهم المرشد السابق الأستاذ عاكف، والبرلماني فريد إسماعيل،
والدكتور عصام دربالة.
بالنظر إلى المجتمعات السويّة فإنها تقوم بالرعاية
الصحية لكل مواطنيها، سواء في السجون أو خارجها، وهو ما حرص النظام السياسي المصري
الحالي على مراعاته في النصوص القانونية، دون وجود أثر ملموس له في الواقع، فجاء
نص المادة الثانية والخمسين من الدستور المصري لينص على: "كل من يُقبض عليه،
أو يُحبس، أو تُقيّد حريته، تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه،
ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا
في أماكن مخصصة لذلك، لائقة إنسانيا وصحيا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة
للأشخاص ذوي الإعاقة، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقَب مرتكبها وفق القانون".
كما تسمح القوانين المنظمة للسجون بالإفراج الصحي عن المعتقلين الذين يمرون بظروف
صحية تؤثر على حياتهم، لكن النص يصطدم بإرادة الحاكم المطلق الذي تسمو إرادته على
كل الإرادات، وتسمو شهوة انتقامه على كل الحقوق.
حالة أبو الفتوح تعد نموذجا لأسلوب التنكيل بالمعتقلين،
بدءا من وضعه في عزلة تامة تتجاوز في بشاعتها الحبس الانفرادي، ومنع اختلاطه بأي
شخص، ومنعه من التريّض مما يزيد من خطورة تجلط الدم، وتكرر الجلطات نذير سوء في
هذا الصدد، فضلا عن عدم ملامسة الشمس لبشرته في لحظات التريّض المحدودة، وفاقم من
وضعه الصحي احتياجه إلى جراحة نتيجة تضخم البروستاتا بدرجة كبيرة، وكان يفترض أن
يجري العملية قبل اعتقاله منذ عام ونصف، ومع الإهمال الطبي تفاقم الوضع الصحي
وزادت الحاجة إلى الجراحة، هذا بالإضافة إلى أزمات صحية متعددة تكرر الحديث عنها،
لكن لا تزال الأزمات القلبية أخطرها نظرا لتكررها، ولمساسها المباشر بحياته.
إذا كانت تلك طريقة التعامل مع شخصيات عامة ودولية، فما الذي يحدث للمسجونين غير المعروفين؟
إذا كانت هذه طريقة تعامل النظام مع مرشح رئاسي سابق حاز
ما يقرب من 20 في المئة من أصوات الناخبين في الجولة الأولى، ورئيس لحزب سياسي،
وشخصية لها احترام وتقدير في الأوساط الدولية المعنيّة بالشأن المصري، وقبله
الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي، الذي لم يحظَ بأي حسن في المعاملة باعتباره رئيس
دولة سابق، ومُنعت عنه الزيارات طوال ست سنوات إلا ثلاث مرات فقط، وتُرك عقب
إغمائه لثلاثين دقيقة دون أي اهتمام حتى فارق الحياة.. فإذا كانت تلك طريقة
التعامل مع شخصيات عامة ودولية، فما الذي يحدث للمسجونين غير المعروفين؟
هذه الصورة من التعامل تعطي انطباعا مرعبا عن أحوال
السجون وما يحدث فيها، خاصة أننا نشاهد نظاما لا يتورّع من قتل المدنيين في سيناء،
ولا يتورع من قتل معتقلين بحجة قيامهم بأعمال عنف ضدها، ولا يتورع من التنازل عن
أراضي الدولة وأماكن شديدة الأهمية فيها لأجل بقائه في السلطة، ولا يتورع من إفقار
المجتمع وصرف الأموال المحدودة بسفه في مشاريع غير ذات أولوية؛ ليبدو أنه يقوم
بإنجازات، ولا يتورع من اعتقال الآباء أو الأبناء للضغط على ذويهم لتسليم أنفسهم،
ولا يتورع من إخفاء معتقلين لأشهر أو لسنوات دون محاكمة أو حصولهم على أي حق من
الحقوق الطبيعية، فنظام بهذه الدرجة من الانحطاط لن يكون غريبا أنه لا يولي
الرعاية الصحية "لرهائنه" أي اهتمام.
أزمة المعتقلين/ الرهائن تتشابك الأطراف المسؤولة عنها،
أولها النظام الذي يحتجزهم وهم بين يديه، ثم النُّظم الدولية الراعية والداعمة
لنظام السيسي، وأخيرا وبدرجة أقل المعارضة المصرية بجميع أطيافها التي لم تستطع
اتخاذ موقف موحّد في أي موقف، ولو حتى على مستوى المعتقلين الذين يتشاركون
الزنازين بعدما رفضوا تشارك النضال، ولا بد أن يتحمّل كل طرف من هذه الأطراف
مسؤوليته عن حياة المعتقلين، خاصة المعارضة لأنها المعنيّة بحيوات أفرادها،
والأطراف الدولية التي تزعم رعايتها لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإن كانت
الحقيقة أنهم لا يقلّون خسّة عن مستبدي ومجرمي المنطقة.
جهد الحقوقيين مع المعتقلين على المستوى القانوني جهد كبير للغاية، لكنهم يحتاجون إلى دعم سياسي في المقابل،
ملف المعتقلين المصريين لا يزال خارجا عن الحركة الفعّالة
للأطراف المعنية به، وحالات الوفيات بتعمّد الإهمال الطبي لا تتناقص ولا يتورّع
عنها النظام السياسي المصري. والحقيقة أن جهد الحقوقيين مع المعتقلين على المستوى
القانوني جهد كبير للغاية، لكنهم يحتاجون إلى دعم سياسي في المقابل، يبدأ من حملات
داخلية، وينطلق إلى حملة عالمية لفضح النظام والضغط عليه، لتحسين أوضاع المعتقلين
الإنسانية والصحية، وربما تكون الخطوة الأهم هي تحويل تبعية إدارة الخدمات الطبية
في السجون إلى وزارة الصحة بدلا من وزارة الداخلية، ونقل تبعية مصلحة السجون
بالكامل إلى وزارة الصحة بدلا من وزارة الداخلية. وهذا الاقتراح أحد توصيات
الباحثة دينا كامل، في ورقتها الصادرة عن مركز عدالة للحقوق والحريات، بعنوان
"كيف تعالج سجينا حتى الموت".
إن الحديث عن ملف المعتقلين والمطالبات الداعمة لهم، يخرج من إطار السياسة، سواء على مستوى الاختلافات أو على مستوى
الصراع، فهو مطلب إنساني وحق مكتسب لا يمكن نزعه بهذه البساطة؛ لأن مجرماً ما أراد
تصفية حساباته مع خصومه، في صراع كان سياسيا، ولكنه لتشوهات نفسه أحاله إلى صراع
دموي صفري.