الكتاب: هل آلت الممارسة السياسية والدستورية إلى النفق؟
المؤلفة: الدكتورة رقية المصدق
مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء
أغسطس 2018
القطع المتوسط
عدد الصفحات 238
مرت أكثر من ثمان سنوات على خطاب الملك محمد السادس في التاسع من آذار (مارس) 2011، والذي أنتج دستور 2011، ذلك الدستور الذي تم التعويل عليه لبناء حياة سياسية جديدة، مبنية على قوة المؤسسات وتوازن علاقاتها، وهي مدة كافية لاستقراء أوجه التعاطي معه، وأشكال توظيفه وتأويله من قبل الفاعليين السياسيين، وبشكل خاص، الفاعل السياسي الأقوى، أي المؤسسة الملكية، بل هي مدة كافية أيضا لاختبار مدى قدرة هذا الدستور على تجاوز الشروط التي أملته، أي الحراك الاجتماعي الذي مثله حركة 20 فبراير، والتهديد الذي كانت تشعر به المؤسسة الملكية بسبب اندلاع الربيع العربي في المنطقة.
ضمن جهد الرصد والتقييم والنظرة النقدية العلمية، يأتي هذا المؤلف للدكتور رقية المصدق الخبيرة والفقيهة الدستورية، ليطرح السؤال على دستور 2011، في ضوء الممارسة السياسية والدستورية، والطريقة التي تعامل بها الفاعلون السياسيون مع النص الدستوري، وهل نجحت في أن تضفي على البعد التأسيسي الذي شكله نص دستور 2011، حياة سياسية ديمقراطية، بما يعنيه ذلك من بناء دولة الحق والقانون، ودولة المؤسسات، أم انتهى هذا الجهد إلى نفس المآل الذي انتهت إليه الدساتير السابقة من تغليب التطويع على التطبيق، والارتهان لقوة الفاعلين ومدى قدرتهم على التحلل من الدستور لتسويغ هيمنتهم على موازين القوى السياسية؟
عمدت الباحثة في هذا الكتاب إلى تجميع خمس دراسات متخصصة تقيم واقع الممارسة السياسية والدستورية، بعضها منشور، والبعض الآخر، لم يسبق نشره، لتنتهي في خلاصاتها إلى تقرير واقع نزيف ما أسمته الدستور التقديري، بسبب مسار من التحلل من النص الدستوري وتخلف مسار تطويع الدستور.
في النيل من الوقع المركزي للفصل 47
تتوقف المؤلفة عند البلاغ الملكي الصادر بتاريخ 24 تشرين أول (أكتوبر) 2017 الذي أعفى به الملك عددا من المسؤولين الوزاريين استنادا على أحكام الفصل 47 من الدستور، ولاسيما الفقرة الثالثة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، وأصدر عقوبات في حق مسؤولين وزاريين في الحكومة السابقة، تتضمن تبليغهم بعدم رضا الملك عنهم، وعدم تحمليهم أي مسؤولية مستقبلية، وتضمن البلاغ أيضا تكليف الملك رئيس الحكومة برفع اقتراحات لتعيين مسؤولين جدد في المناصب الشاغرة.
وترى المؤلفة المتخصصة في الفقه الدستوري، أن هذا التأويل يتنافر مع مقتضى الفصل 47، مما يطرح أسئلة على السند القانوني والدستوري للبلاغ. وتعتبر الفقيهة الدستورية، أن حيثيات "نهوض الملك بمهامه الدستورية" باعتباره "الساهر على حقوق المواطنين وصيانة مصالحهم" لا يمكن المجادلة فيها، لأن الفصل 42 ينص على أن "الملك يمارس مهامه من خلال السلطات المخولة له بنص الدستور"، كما أن تفعيل أحكام الفصل الأول من الدستور، المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة، لا يمكن إلا تثمينها بتفعيلها وفقا لقواعد الشرعية الدستورية.
غير أن ما يطرح أسئلة على الشرعية الدستورية في ما ورد في بلاغ الديوان الملكي، حسب الخبيرة الدستورية، هو فعل المعاقبة والمحاسبة خارج المسؤولية السياسية، إذ مقتضى الدستور، أن يتم الإعفاء باستشارة مع رئيس الحكومة في حق وزراء الحكومة القائمة، لا بوصفهم أعضاء في الحكومة السابقة، إذ اعتبرت الباحثة أن إصدار العقوبة بالإحالة على الفصل الأول من الدستور الذي يقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة، يفتقد للشرعية الدستورية، لأن هؤلاء المسؤولين أصبحوا خارج دائرة المسؤولية السياسية بصفتهم أعضاء في الحكومة السابقة، معتبرة أن من شأن هذا التأويل أن ينال من الموقع المركزي للفصل 47 من الدستور.
بين الإعفاء والاقتراح والتعيين: المسافة بين النص والممارسة
توقفت الخبيرة الدستورية أيضا على ما ترتب عن هذا البلاغ، من تكليف رئيس الحكومة باقتراح أسماء وزراء من أجل تعيينهم في المناصب الشاغرة، وحاولت تسليط الضوء على عبارة: "تكليف رئيس الحكومة" الواردة في بلاغ الديوان الملكي، لتؤكد في قراءتها، أن المسافة بين النص الدستوري، الذي يفترض تكافؤ المؤسسات الدستورية (المؤسسة الملكية ومؤسسة رئاسة الحكومة) وبين الممارسة السياسية والدستورية التي تقرر بواقع من اختلال موازين القوى تبعية رئاسة الحكومة للمؤسسة الملكية، إذ تضمن البلاغ الملكي، تعاقب الإعفاء بالتكليف، مما يعني تبعية رئيس الحكومة للمؤسسة الملكية، بخلاف مقتضى النص الدستوري، الذي يمنح صلاحية الاقتراح لرئيس الحكومة بدافع من ذاته، من غير احتياج لأي تبعية لأي مؤسسة دستورية.
كما تقرر الخبيرة الدستورية هذه النتيجة من خلال قراءة واقع تأخر تعيين الوزراء المعنيين، واضطرار رئيس الحكومة إلى إسناد مسؤولياتهم لوزراء في قطاعات أخرى، مع أن القطاعات الشاغرة، حرجة وحساسة (التعليم والصحة مثلا)، لا تستدعي هذا التباطؤ الذي لا يفسر في جوهره سوى تبعية رئاسة الحكومة للمؤسسة الملكية، واختلال عنصر التوازن الذي يفترضه الوضع الدستوري لصالح ما تزكيه واقع الدينامية السياسية، وما يترتب عنها من تطويع للنص الدستوري لفائدة الفاعل المؤثر في موازين قوى السياسة.
مسار التحلل من الدستور في الممارسة السياسية للفاعلين السياسيين
ترى رقية المصدق أن مسار التحلل من دستور 2011 الذي انطلق منذ تعيين حكومة بنكيران ليس حكرا على المؤسسة الملكية، ولكن أيضا على رئيس الحكومة، الذي كان يتجاوز النص الدستوري الذي يحدد صلاحياته، ليقرر أن الحكم للملك، وأنه مجرد مسؤول أمامه، وجاء لمساعدته، إذ اعتبرت الباحثة أن خلفيات هذه المواقف المسكونة بالرغبة في تجسير الثقة بين حزب العدالة والتنمية وبين المؤسسة الملكية، كان لها انعكاسات سلبية على الممارسة السياسية والدستورية، إذ كرست الشرعية لممارسة سياسية ودستورية متحللة من الدستور.
من جانب آخر، رأت المؤلفة أن حزب العدالة والتنمية نفسه مسؤول عن بعض الممارسات التي حاولت أن تقيد هامش الإمكان الدستوري للملك، وذلك من خلال تمديد ولاية بنكيران لفترة سنة في الأمانة العامة للحزب بعد انتهاء ولايته منها، حتى تضغط على الملك لتعيينه مرة ثانية رئيسا للحكومة، وهو ما يعتبر تقييدا للصلاحية الدستورية للملك الذي تتيح له تعيين أي شخص من الحزب بدل التقيد بأمينه العام، إذ اعتبرت الباحثة أن هذا السلوك الذي كان فسر بأنه محاولة للضغط على الملك لتقييد صلاحيته بإظهار صورة واحدة ووحيدة للتعيين الملكي، من شأنها أن تخلق توترات في العلاقة بين المؤسسات تفضي إلى تزكية واقع التحلل من الدستور.
نهاية رهان المؤسسة الملكية على الأغلبية النسبية
في تحليلها لواقع الانسداد الذي بلغته مفاوضات عبد الإله بنكيران لتشكيل الحكومة، تستعيد رقية المصدق التاريخ السياسي المغربي بتجاذباته المختلفة، ومسار التوتر بين المؤسسة الملكية وبين أحزاب الحركة الوطنية، وتحاول أن تستبعد من طريقها بعض التحليلات الجاهزة التي تقرأ واقع هذا الانسداد في سلوك رئيس الحكومة التفاوضي، أو هشاشة المشهد الحزبي أو مناورات الأحزاب السياسية مع رئيس الحكومة، إلى أن تطرح تفسيرا عميقا يرتبط بنهاية عهد سياسي وانطلاق عهد آخر، ذلك أن المؤسسة الملكية كانت تراهن في كل المسارات الانتخابية على تحقيق أغلبية نسبية ترتد عليها بتطويع الأحزاب والتحكم في مخرجاتها، وأنها كانت تلتف على أي محاولة لتحويل هذه الأغلبية النسبية من قبل أحزاب الحركة الوطنية إلى أغلبية مطلقة، إلى أن جاءت لحظة الانسداد السياسي مع مفاوضات رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران لتشكيل الحكومة، ومضي حوالي خمسة أشهر دون التمكن من ذلك، مع ما يعنيه ذلك من إهدار زمن سياسي ذي كلفة اقتصادية واجتماعية ثقيلة.
وترى الباحثة أن هذا الانسداد يعبر عن توتر إرادتين، إرادة تحاول الاحتفاظ بمنطق استمرار الأغلبية النسبية من خلال توجيه التحالفات لجهة توسيع مكونات الحكومة ودخول حزبين آخرين فيها هما الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري، ومنطق يحاول التأسيس لفكرة الأغلبية المطلقة من خلال الدفع بحجة ضرورة أن تنعكس إرادة الناخبين على التشكيلة الحكومة، ومنهجية مسؤولية رئيس الحكومة في تشكيل حكومته، وتحرره من أي الضغوط أو المناورات التي تحاول سلبه هذه الصلاحية.
إعفاء بنكيران والخيارات الأخرى
توقفت الباحثة عند بلاغ الديوان الملكي الذي تم به إعفاء عبد الإله بنكيران من مسؤوليته كرئيس حكومة معين، وما ورد في البلاغ من حجج تأسيسية لهذا القرار، وإشارته إلى أنه "كانت هناك خيارات أخرى"، غير تعيين شخصية ثانية من حزب العدالة والتنمية، واعتبرت الباحثة أن طريقة إعفاء بنكيران في ظل الدستور الحالي بتلك الطريقة انطوت على إهانة لمؤسسة رئيس الحكومة، إذ كان يفترض ـ حسب المؤلفة ـ أن يتم التعامل بين الطرفين (بين المؤسسة الملكية ومؤسسة رئاسة الحكومة) بشكل مؤسسي تحترم توازي الأشكال، بدل إصدار بلاغ في الإعلام. واعتبرت الباحثة أن هذه الطريقة تنطوي على مزايدة، تندرج ضمن مسار من المزايدات صدرت من الطرفين طيلة المرحلة التي سبقت الإعفاء الملكي لبنكيران.
وترى الباحثة أن اللجوء لشخصية ثانية من نفس الحزب المتصدر للانتخابات تعبر عن روح الدستور ومضمونه، وهي أفضل من اللجوء لانتخابات سابقة لأوانها بالنظر للظرفية السياسية والاجتماعية التي كان يعيشها المغرب، غير أنها ترى أن هذا القرار قد تأخر كثيرا، بما لا يبرر الهدر السياسي الذي تم، وكلفته الاقتصادية والاجتماعية وأيضا السياسية.
وتتوقف الباحثة على حدود التداخل في البلاغ الملكي الذي أعفى عبد الإله بن كيران، بين توظيف الفصل 42 وتوظيف الفصل 47، وتشير إلى أن البلاغ يحمل رؤية تجعل الفصل 47، يقرأ في ضوء الفصل 42، وأن الملك حين عين سعد الدين العثماني ـ شخصية ثانية من الحزب المتصدر للانتخابات ـ لم يطبق الفصل 47 لذاته نظرا لقيمته الدستورية، وإنما طبق الفصل 47 بواسطة الفصل 42، مما يكرس مقولة أن الفصل 47 من الدستور، لن تكون له أي قيمة دستورية سامية إلا إذا أراد الملك، وأن هذا يعتبر، بتوصيف الدكتورة رقية المصدق، أول حالة تطبيقية لما أسمته بـ"الدستور التقديري".
كاتب إسرائيلي: حل الدولتين عقبة أمام السلام
كتاب جديد يسلط الضوء على عيوب النظام الليبرالي الأمريكي
الانتقال الديمقراطي في الجزائر أصبح ضرورة وليس خيارا