يُصرّ عشرات المحتجين الأردنيين على
الاعتصام كل مساء خميس منذ شهرين، في محيط رئاسة الحكومة؛ للمطالبة بتغيير النهج الاقتصادي، وإجراء إصلاحات سياسية.
استقطب الاعتصام أعدادا كبيرة عند انطلاقه في 13 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، لكن سرعان ما تناقصت هذه الأعداد وسط سياسة الاحتواء من قبل السلطات الأردنية، والاستثمار في الوقت، والنفس القصير للمحتجين، ليتحول الاعتصام إلى طقس أسبوعي، يحتل العناوين المتأخرة في الإعلام.
جاءت هذه الاحتجاجات استمرارا لاعتصام كبير في يونيو/ حزيران 2018، استطاع إسقاط حكومة رئيس الوزراء هاني الملقي، وصعود نجم رئيس الوزراء الحالي عمر الرزاز، الذي وعد الأردنيين بـ"مشروع نهضة" على الصعيد الاقتصادي والسياسي.
اقرأ أيضا: الأردنيون محبطون.. ويريدون تغيير "البرواز" لا "الصورة"
ويعتقد الكاتب الصحفي، عمر العياصرة، أن "اعتصام الرابع أزعج الحكومة الأردنية ومرجعيات أخرى في بدايته، لكن الحكومة اتخذت مجموعة من القرارات الداخلية الشعبية أثرت على حجم المشاركة في هذا الاعتصام".
من هذه القرارات كما يقول العياصرة لـ"
عربي21"، "إصدار قانون للعفو العام، وجلب المتهم الأول في قضية الدخان عوني مطيع، ومطالبة "إسرائيل" بأراضي الباقورة والغمر، ولم يتبق إلا حوار نخبوي مؤدلج بسقف مرتفع تسبب في سقف هتافاته بطرد العديد من الناس الذين رفعوا مطالب اقتصادية مطلبية، تفاجأوا بخطاب سياسي يتحدث عن تعديلات دستورية وصلاحيات الملك، ما أثر على حجم المشاركة، ولم تعد الدولة قلقة من هذا الاعتصام الذي تعتبره الآن طقسا أسبوعيا".
المحتجون الذين رفعوا سقف هتافاتهم لم يلقوا باللوم فقط على حكومة عمر الرزّاز، إنّما الهتافات طالت أيضا الملك عبد الله الثاني، هاتفين: "ليش نلف وليش ندور، عبد الله إنت المسؤول".
واللافت في تلك الاحتجاجات مشاركة أبناء عشائر تحت مسميّات مثل "حراك عشيرة بني حسن" وأحرار شباب عشائر بني عباد، وغيرهم، إلى جانب متقاعدين عسكريين وشخصيات شغلت مناصب قيادية سابقة في الدولة.
ووجهت شخصيات أردنية تحت مسمى (لجنة المتابعة الوطنية) عبر أحد المشاركين في حراك الرابع رسالة إلى الملك عبد الله الثاني، الأربعاء الماضي ، أجمعت على أن وضع البلاد "يستدعي عملية إنقاذ وطني".
ووفقا للرسالة التي نشرها الوزير الأسبق أمجد هزاع المجالي، فقد تكرَّرت، طوال السنوات الماضية، المخاطبات والنداءات الموجَّهة إليكم مِنْ مختلف أوساط الشعب الأردنيّ وفئاته واتَّجاهاته، مطالِبة إيّاكم بالتصحيح والتغيير، إلا أنَّ هذه المخاطبات والنداءات كلَّها لم تجد منكم أذنا صاغية.
وفي محاولة للتخفيف من حالة الاحتقان والغضب، قام عبد الله الثاني، في كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي، بتوجيه الحكومة لإصدار عفو عام عن المساجين، إلى جانب حرصه على الظهور في أحد المساجد من دون حراسة يصلّي بين المواطنين.
كما ظهر في أحد الشوارع وهو يأكل الفلافل مع أسرته، في خطوة رآها البعض لكسب مزيد من الشعبيّة. وأجرى سلسلة لقاءات مع صحافيين خلال كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أكّد خلال أحدها في 24 كانون الأول/ ديسمبر أنه "متحمس لمستقبل الأردن الذي يملك فرصا كبيرة"، منتقدا ما أسماهم بمروّجي الإشاعات، قائلا: "أنا مش زي ما بحكوا جماعة الإشاعات إنه أنا زهقان، بالعكس تماما، أنا متحمّس لمستقبل الأردن، ولكن أنا زهقان من اللي بستغلّوا الوضع الصعب عند الناس حتى يكسبوا شعبية".
اقرأ أيضا: الرزاز "الانتحاري".. الأردنيون يطلبون أكثر من التقاط الصور
نقابات وأحزاب في فلك السلطة التنفيذية
نائب الأمين العام لحزب الشراكة والإنقاذ، سالم الفلاحات، أحد المواظبين على المشاركة في الاعتصام، يرى في حديث لـ"
عربي21" أن " اعتصام
الدوار الرابع ليس شعبويا أو نخبويا، ما يحرك هذا الاعتصام هم الحراكيون الذين بدأوا حراك 2011، وهم من يواظبون على المشاركة".
يتابع: "الملاحظ في هذا الحراك انخراط كبار السن، ومتقاعدين عسكريين، وما يميز هذا الحراك عن الحراك السابق انطلاقه رغم 8 سنوات من اليأس، لكن جاء اعتصام 2018 مرة أخرى دليلا على التصميم، فقد كانت الأجواء مواتية في 2011، كان هناك ربيع عربي وشعوب متشجعة، الآن نحن في محيط عربي وإقليمي ينفي أي فسحة أمل للإصلاح، ويأتي حراك الرابع ضمن هذه الأجواء، وهذه ميزة جديدة".
ويلقي الفلاحات باللوم على النقابات والأحزاب، مبينا: "هنالك صعوبة، للأسف الأحزاب السياسية مختفية باستثناء القليل، هناك من يشارك بشكل مستقل من قيادات يسارية، أما الأحزاب الإسلامية فمختفية، والنقابات في إجازة قاتلة، وتمر بأسوأ مراحل العمل الوطني، خصوصا نقابة المهندسين، فعلى سبيل المثال صوت النقباء منذ أيام على عدم منح حملة غاز العدو احتلال لعقد فعالية لهم".
ويصف الفلاحات هذه الحالة بـ"الحالة المتخلفة والبائسة"، يقول: "تشير هذه الحالة إلى أن النقابات مكملة للسلطة التنفيذية، مثلها مثل السلطة التشريعية، كلها تدور في فلك ما يرضي السلطة التنفيذية، هناك مراهنة على الوقت حتى يمل المشاركون، وتردد أبواق الحكومة شعارات ما الفائدة من الوقوف في الرابع، برأيي الوقوف على الرابع نواة يجب أن يحافظ عليها حتى تنبت، يجب ألّا نغادر الرابع إلى الـ لا شيء".
اقرأ أيضا: كيف أوصل النظام الأردني الحراك إلى غرفة الإنعاش ؟
لم تعد السلطات الأردنية تعير حراك الرابع اهتماما بعد أن انحنت أمام العاصفة، واستثمرت في الوقت والاعتقالات لقادة فاعلين في الحراك تجربة اكتسبتها المملكة من مواجهة الربيع العربي، لتصب اهتمامها على شبكات التواصل، وبروز شخصيات معارضة رفعت السقف والمطالب.
شخصيات أردنية في الخارج ترفع السقف.. معارضة أم "نشطاء" (https://bit.ly/2OqqYmF)