شبه جزيرة سيناء من المواقع ذات الوزن الاستراتيجي للامن القومي المصري والإقليمي والعالمي، كونها تقع في نقطة ارتكاز جغرافي بين قارتي آسيا وأفريقيا، وتربط الشرق بالغرب من خلال قناة السويس التي تقع في حيزها وتربط بحرين هامين في الملاحة الدولية (البحر المتوسط والبحر الأحمر). فحينما نتحدث عن سيناء نتحدث عن الإنسان؛ لأنه هو محور العمران في أي بقعة من بقاع العالم. فالمواطن السيناوي الذي يسكن سيناء هو محور تنميتها وحمايتها، وقبائلها العربية من أهم تجمعاتها السكانية التي تمثل تقريبا 90 في المئة من سكانها، والتي لها امتدادات خارجية في شبه الجزيرة العربية وفلسطين وبلاد الشام وبلاد الغرب الإسلامي في شمال أفريقيا، ولذلك سنتناول الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لقبائل سيناء العربية. ففي بعض التقديرات يقال أن سيناء يسكنها أكثر من 20 قبيلة لها جذورها العربية وامتدادتها الجغرافية في العالم العربي، تنتشر في شمال سيناء على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ووسطها في بلاد التيه، وجنوبها في جبال الطور ذات الطبيعة الجبيلة.
التركيبة السكانية:
التوزيع السكاني لشبه جزيرة سيناء يمكن تقسيمه إلى ثلاث مناطق، وهي:
1- شمال سيناء: (السواركة، الرميلات، المساعيد.. الخ).
2- وسط سيناء: (الترابيين، العيايدة، الاحيوات، التيهات، الصوالحة.. الخ)
3- جنوب سيناء: (مزينة، العليقات، العوارمة، أولاد سعيد.. الخ).
والخريطة التالية توضح مناطق التوزيع والانتشار لغالبية القبائل العربية في شبة جزيرة سيناء.
يرجع الترابط المجتمعي لأي إقليم إلى اللغة والدين. والقبائل العربية في شبه جزيرة سيناء ترجع عرفيا إلى أصول واحدة، مع تجانسها من حيث اللغة وتوافقها وارتباط معظمها بدين واحد. ومما لا شك في أن اللغة والدين هما أقوي رباط معنوي، ما ينشأ بين الناس شعور التعاطف، وقلما ينشأ في إقليم يتكلمون لغات مختلفة. وتعد القبائل العربية في سيناء، التي تمثل غالبية سكانها الذين يتكلمون العربية ويدينون بالإسلام بالإضافة إلى القومية التي ترجعهم لأصولهم العربية، من مصادر قوة الجيوستراتيجية.
الحياة الاجتماعية:
من أهم ملامح القبائل العربية في سيناء "الخيمة البدوية" المصنوعة من الجريد أو الشعر، نظرا لطبيعة حياتهم البدوية. أما الزي البدوي فهو من أكثر الملامح المميزة لقبائل سيناء، حيث يرتدي الرجال الجلابية باختلاف ألوانه باستثناء اللون الأحمر، بالإضافة إلى العباءة البيضاء التي تغطيها أخرى سوداء أو بنيّة. أما المرأة فترتدي الثوب الأسمر الطويل المحاط بحزام عند الوسط، مع قناع أسود يغطي الجسم بالكامل، إضافة إلى البرقع على الوجه.
ويتسم بدو سيناء بالكرم وحسن الضيافة، والولاء للقبيلة، والأخذ بالثأر، ومراعاة الجار، وتكريم الإبل، واحترام الأعراض، والوفاء بالعهود والشجاعة، والافتخار بالنسب.
ويمثل الرجال مصدر قوة القبيلة، ويحظون بمكانة اجتماعية مميزة. لديهم قدرة فائقة في اقتفاء الأثر، إذ يعرفون هل هذا الشخص رجل أم امرأة أم حيوان، وهل يحمل شيئا خفيفا أم ثقيلا. ويتسم البدو بإكرام الوافد الذي يتناوب أفراد القبيلة على ضيافته. ومن حق المضيف الذي لا يمتلك ما يضايف به الوافد أن يأخذ رأسا من قطيع جاره، سواء كان ينتمي إلى قبيلته أو لا، ولكن بشرط أن يقوم المضيف بإعادة ما أخذه خلال 14 يوما، وفي حالة عدم إعادته فمن حق الجار الإغارة على غنمه وحجز ما يمكن حجزه حتى يسترد حقه.
الحياة السياسية:
الأدوار السياسية للقبائل السيناوية لا تمثل انعكاسا لعلاقة استراتيجية بين القبيلة والدولة كمؤسسة، بل هي انعكاس لعلاقة تكتيكية بين القبيلة والنظام لذلك فإن الأدوار السياسية لقبائل سيناء ليست متماثلة، والتأثير السياسي لشيوخ القبائل متفاوت وتحكمه طبيعة الواقع السياسي المفروض. ويمثل قبائل سيناء تجمع سياسي يعرف بالاتحاد العام لقبائل سيناء، ولكن في الفترة الأخيرة، مع بدايات عام 2014م، اختلفت الحياة السياسية بشكل عام في سيناء، وتشكلت الكثير من التنظيمات السياسية التي تمثل سيناء سياسيا أمام الحكومة المركزية في القاهرة، وأصبحت العلاقة بين شد وجذب وكسب ولاءات، فنجد على سبيل المثال دعم بعض القبائل لسياسات الجيش المصري في سيناء، من تشكيل فرق من المليشيات تساهم في ما تعرفه الحكومة المصرية الحالية بالحرب على الإرهاب، وهناك قبائل أخرى تعارض التدخلات العسكرية للجيش المصري في سيناء، بل على العكس، أخذ بعض الأفراد بعد تعرضهم لأنواع من التعذيب والإذلال من قبل الجيش المصري كما هو منتشر على مواقع الإنترنت من فيديوهات، يدعو شباب القبائل للانضمام للتنظيمات لأخذ الثأر من الجيش المصري. ولذلك نستطيع القول أن الحياة السياسية شهدت تغيرا ملحوظا، فقد كانت للقبائل العربية دور عظيم في حرب أكتوبر 1973م من خلال مشاركتها في منظمة تحرير سيناء قبل الحرب، ومساعدتها الجيش المصري في إنهاء الاحتلال لسيناء، مرورا بعهد بمبارك الذي أهمل تنمية سيناء متعمدا بسبب اتفاقية كامب ديفيد السلام مع إسرائيل، المقيدة لعملية التنمية في سيناء، مرورا بثورة 25 يناير التي جعلت الكثير من أهالي سيناء يتفاءلون بها، وبدأ الحديث عن تنمية سيناء والكثير من المشاريع الضخمة التي كانت موضوعة في خطة النهضة التي تبنتها حكومة الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير، ولكن سرعان ما تغيرت الأوضاع السياسية في تموز/ يوليو 2013م، وجاء نظام جديد بطريقة غير شرعية في العرف السياسي الدولي، حيث يطلق عليه انقلاب عسكري بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي. ومنذ هذه المرحلة بدأت سيناء تدخل إلى معترك جديد لأول مرة في تاريخها، وبدأت أول عملية في تاريخ سيناء من تهجير بعض القبائل من أماكنها، مثلما حدث لسكان رفح المصرية، وهو ما لم يحدث حتى في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لها.
وفي ظل هذا التغير في المشهد السيناوي، نستطيع القول أن دور القبائل العربية في سيناء يجب أن يتغير لصياغة مستقبلها وكيفية بناء رؤية القبيلة لدورها في صياغة مستقبل لسيناء، ويكون لها دور في صياغة مستقبل سيناء المتمثل في عودة الحياة الديمقراطية من جديد وقيام الدولة المدنية الحديثة، من خلال القيام بعملية تحديث اجتماعي وسياسي وثوري لأبناء القبائل. وهذا التحديث سيعمل على إحداث حالة من التوائم والاندماج مع الحالة الثورية التي يعيشها المجتمع المصري.
ويرى الكثير من رموز قبائل سيناء المخلصيين لقضيتهم أن الدولة المدنية المنتخبة في مصر لن توجد وتستقيم إلا بمشاركة القبائل في تغيير الوضع السياسي وإعادة المسار الديمقراطي إلى بوصلته السابقة بعد ثورة 25 يناير. فالكثير من رموز الدولة الحالية في عهد عبد الفتاح السيسي يساهمون إلى حد كبير في تعميم الصورة الخاطئة التي ترسخ الاعتقاد لدى أبناء القبائل بأن مشروع الدولة المدنية المنتخبة ديمقراطيا، والتي تحققت بعد قيام الثورة المصرية العظيمة 25 يناير، هو مشروع أجنبي غربي يستهدف القضاء على البنية القبلية، ويدعى ذلك زورا بالحرب على الإرهاب، وأنها هي المتسببة فيه، لذلك فإن أفراد القبيلة عندما يشعرون بتساويهم مع الآخرين في الحقوق والواجبات لن يظلوا محصورين في اختصار حياتهم السياسية مع العسكريين في الجيش المصري. فبعودة الحياة الديمقراطية إلى سابق عهدها وعودة الشرعية لثورة 25 يناير، سيتواجدون في مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا ما يعني تمدن القبيلة وتغير بعض السلوكيات التي رسخها النظام السابق في عهد مبارك ويحاول النظام الحالي في عهد عبد الفتاح السيسي إعادتها. فعودة الدولة المدنية الديمقراطية ستضمن إنهاء العنف والصراعات وحل قضايا العنف والإرهاب، ونشر المعرفة وترسيخ القيم الثورية، وبناء المواطنة المتساوية.
هل أصبح الانقلاب أمرا واقعا على المصريين؟
واجبات الأفراد تجاه الأزمة في مصر