لم يكن عام 2018 عاديا في العلاقة بين رئيس نظام الإنقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، حيث استمر الصدام بين الرجلين الذي بدأ منذ طرح السيسي لقضية تطوير الخطاب الديني، إلا أن 2018 شهد نقل المواجهة من وراء الستار، لأمام الكاميرات كما حدث خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وقد رصد المتابعون لهذا الصدام، أن الطيب غاب عن معظم المناسبات الرسمية التي اعتاد شيخ الأزهر حضورها، كما قام الشيخ بالاعتكاف أكثر من مرة بقريته في محافظة الأقصر، ردا على الحملة الإعلامية التي نالت من شخصه، كما نالت من مكانة المؤسسة ككل.
وحسب تقييمه للأحداث التي شهدها 2018 بين الطرفين، يؤكد الباحث المتخصص بشؤون الأزهر طه الغرباوي لـ "عربي21" أن العلاقة بين الأزهر والسيسي شهدت تصعيدا مختلفا طوال 2018، كان آخرها تدخل جهات سيادية لمنع نشر البيانات الخاصة بالأزهر حول أزمة الميراث التي شهدتها مصر مؤخرا، وهو ما يشير إلى أن الصدام أخذ شكلا متصاعدا بعد هدوء مصطنع.
الضغط على الطيب
ويشير الغرباوي إلى أن السيسي استخدم هذا العام عدة سيناريوهات للضغط على الطيب، إلا أن الأخير استطاع في كل مرة أن يفلت من قبضة السيسي، وقد ساعده في ذلك حالة الاستنفار التي أصبح عليها علماء الأزهر ضد مخططات النظام الرامية للقضاء على المظاهر الإسلامية.
ويوضح الغرباوي أن السيسي استخدم الإعلام والبرلمان ووزير الأوقاف في مواجهته مع الشيخ، في حين استخدم الطيب هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر، في وضع المطبات أمام رغبات السيسي في إحراج الشيخ، ونقل الصراع من شخص الطيب لصراع مع المؤسسة، وهو ما أفسد لحد كبير مخططات السيسي المختلفة.
اقرأ أيضا: محطات في صراع شيخ الأزهر والرئيس (انفوغراف)
وحول أهم القضايا التي شهدت صدامات بين الطرفين، يوضح الباحث بشؤون الأزهر، أن القضية المحورية كانت تجديد الخطاب الديني، التي يستخدمها السيسي كأحد أسلحته الرئيسية في تبرير مواجهته مع التيارات الإسلامية، بحجة مواجهة الأفكار المتطرفة على حد وصفه في أكثر من خطاب.
ويوضح الغرباوي أن أخطر سلاح استخدمه السيسي في مواجهة الطيب كان وزير الأوقاف مختار جمعة الذي مثل رأس الحربة ضد الأزهر وشيخه، ولكن الأخير خرج من كل مواجهة رابحا ضد تلميذه السابق الذي قدمه بيديه لرئيس الإنقلاب السيسي، ووجد فيه الأخير ضالته للسيطرة على المنابر والمساجد.
ويضيف الغرباوي أن الأزهر بعد صدام موسع مع الأوقاف استطاع أن يحسم تبعية العلماء المصرح لهم بالفتوى والظهور بوسائل الإعلام للمشيخة، وليس للوزارة، ثم تجدد الصدام بتصدي الأزهر لمحاولة سيطرة السيسي على أموال الأوقاف، لاستخدامها في سداد عجز الموازنة، وهي الخطوة التي باءت بالفشل بعد إعلان الأزهر أن ذلك مخالف للشرع، وهو نفس الخلاف الذي صاحب مشروع الأوقاف حول صكوك الأضاحي التي اعتبرها الأزهر مخالفة لقواعد الشرع أيضا.
تعتيم وتهديد
وفي نفس الإطار يؤكد الأستاذ بجامعة الأزهر عوض سليمان لـ "عربي21" أن الصدام مع السيسي، ليس مرتبطا بشخص شيخ الأزهر وإنما بموقف المؤسسة ككل من السيسي، وهو ما كان سببا في أن تتكاتف كل المؤسسة سواء هيئة كبار العلماء أو مجمع البحوث الإسلامية أم الجامعة ذاتها، في دعم الشيخ، خلال مواجهاته المختلفة مع السيسي وإعلامه وبرلمانه.
ويضيف سلميان أن النجاح الوحيد الذي حققه السيسي كان برفضه مد خدمة الشيخ عباس شومان كوكيل للمشيخة، بالإضافة لاعتراضه على وجود الدكتور حسن الشافعي مديرا للمكتب الفني لشيخ الأزهر، وهي العقبات التي تجاوزها الأزهر بما يمكن أن نسميه "عملية تبديل المناصب" بين القيادات المختلفة، والتخلص من الشخصيات التي لا تدين بالولاء الكامل للمشيخة.
اقرأ أيضا: بعد الأزمة الأخيرة .. ما هي خيارات السيسي مع شيخ الأزهر؟
ووفقا للأستاذ بجامعة الأزهر فإن السيسي استخدم ورقة الإعلام والبرلمان في النيل من الازهر ومكانته، فمن ناحية الإعلام أصدر قرارات بمنع نشر بيانات هيئة كبار العلماء، في الأحداث المختلفة، لفرض التعتيم الإعلامي على أنشطته ومواقفه المختلفة، وهو ما واجهه الأزهر بإصدار بيان لأول مرة عن مجمع البحوث الإسلامية حول أهم أعماله طوال 2018، كمحاولة لكسر التعتيم المفروض على أنشطة الأزهر.
ويشير سليمان إلى أن السيسي استخدم أكثر من نائب بالبرلمان لتقديم تعديلات تشريعية على قانون تنظيم الأزهر وخاصة فيما يتعلق باختيار الشيخ وتحصين منصبه وتشكيل هيئة كبار العلماء، والوضع الدستوري لمجمع البحوث الإسلامية في مراجعة القوانين المرتبطة بالشريعة الإسلامية، وهي الورقة التي يستخدمها النظام من فترة لأخرى للضغط على الأزهر وشيخه.
ويتوقع سليمان أن ينتقل الصدام لعام 2019، خاصة في ظل توجه السيسي لتعديل الدستور والذي يمكن أن يشهد تعديلات على منصب الشيخ، وهو ما يعتبره الأزهر خطا أحمر لن يقبل الإقتراب منه.
الكنيسة المصرية في 2018 .. مكاسب وأزمات وحقول ألغام
معارضون للسيسي يشتكون حظرهم بإعلام فرنسا وقنوات تنفي
هكذا وضع السيسي حرية الصحافة والإعلام بين فكيه في 2018