قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن السعودية أعلنت الحرب على امرأتين مسلمتين فازتا في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي التي أجريت الشهر الماضي.
واتهمت المجلة الأمريكية، في مقال نشرته للكاتبة علا سالم، وترجمته "عربي21"، كلا من السعودية والإمارات بالعنصرية والتعصب واللجوء إلى نشر الأخبار الكاذبة للتنديد بسياسيتين مسلمتين صنعتا التاريخ مؤخراً في واشنطن.
وأكدت المجلة أن الممالك العربية الحليفة لأمريكا تشعر بتهديد من القادة الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية خشية أن يتبنوا دعوات إلى التغيير السياسي بممالكهم، رغم ملايين الدولارات التي أنفقتها على حملات العلاقات العامة بالعواصم الغربية.
وتاليا النص الكامل للمقال:
منذ أن أجريت الانتخابات النصفية لا تكف وسائل الإعلام المحافظة في الولايات المتحدة، وبحماسة منقطعة النظير، عن استهداف إلهان عمر، الصومالية الأمريكية، المسلمة الملتزمة التي تلبس الحجاب، وعضو الكونغرس الجديد عن الحزب الديمقراطي. ورداً على جهد يبذله الديمقراطيون لإلغاء الحظر المفروض على لبس غطاء الرأس داخل الكونغرس من أجل تيسير الأمور لإلهان عمر، اشتكى المعلق المحافظ والقس إي دبليو جاكسون من خلال برنامج إذاعي من أن المسلمين بصدد تحويل الكونغرس إلى "جمهورية إسلامية".
يوجد لدى الحزب الديمقراطي عدد من النجوم السياسية الصاعدة من أصحاب الخلفيات العربية أو المسلمة، وجميع هؤلاء باتوا مستهدفين بمثل هذه التفسيرات التي تعتمد على نظرية المؤامرة. إلا أن الانهماك في هذه الحرب الثقافية لم يعد مقتصراً على المحافظين الأمريكيين فحسب. بل ما فتئت الهجمات المنظمة تُشن من الخارج أيضاً – وخاصة من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
يجري الآن استغلال نتائج الانتخابات النصفية لتضخيم الشكوك التي تعج بها بعض وسائل الإعلام في منطقة الشرق الأوسط حول النشاط السياسي للمسلمين داخل الولايات المتحدة. هناك من الأكاديميين ووسائل الإعلام والمعلقين، ممن هم على صلة وثيقة بحكومات دول الخليج، ممن وجهوا سهامهم مراراً وتكراراً لإلهان عمر ورشيدة طالب (وهي الأخرى فازت مؤخراً بمقعد في مجلس النواب داخل الكونغرس) وكذلك عبد الله السيد (الذي ترشح ولكنه أخفق في الفوز بمنصب حاكم ميتشيغان) متهمين إياهم بأنهم أعضاء سريون في جماعة الإخوان المسلمين وأنهم معادون لحكومتي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. يوم الأحد، على سبيل المثال، نشر موقع قناة العربية، المملوكة للسعودية، مقالاً يلمح إلى أن إلهان عمر ورشيدة طالب كانتا جزءاً من تحالف أبرم بين الحزب الديمقراطي والجماعات الإسلامية بهدف السيطرة على الكونغرس. واتهم المقال السيدتين بأنهما "معاديتان لترامب وفريقه السياسي وخياراته، وخاصة لسياسته الخارجية بدءاً بالعقوبات المفروضة على إيران وانتهاء بالسعي لعزل جماعة الإخوان المسلمين وجميع حركات الإسلام السياسي".
وفي مثال آخر، ناقش برنامج تلفزيوني بثته قناة إم بي سي، المملوكة للسعودية، موضوع السيدتين المسلمتين، عضوي الكونغرس، وتناول بشكل أوسع تداعيات هيمنة الديمقراطيين على مجلس النواب. جرى النقاش حول الموضوع بين المذيع العربي البارز عمرو أديب والمحلل السياسي المصري معتز فتاح الذي قال إن حرب ترامب الناجحة على الإسلاميين قد يقوضها النصر الذي حققه الديمقراطيون. بل لقد غدت الهجمات في منطقة الخليج واسعة الانتشار لدرجة أن هذا التوجه بات محل نقاش عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر القنوات التلفزيونية.
وتشن هذه الهجمات من حين لآخر من قبل مسؤولين في تلك الحكومات، وكأنها تأتي تعبيراً عن القلق من أن الجهود المكلفة التي تبذلها بلدانهم في مجال العلاقات العامة والضغط السياسي (اللوبي) تتعرض للإفشال. ومن الأمثلة على ذلك أنه بعد ساعات فقط من الإعلان عن فوز إلهان عمر في الانتخابات، اتهمها موظف يعمل داخل السفارة السعودية في الولايات المتحدة باعتناق فكر جماعة الإخوان المسلمين، والذي قال إنه قد تسرب إلى داخل الحزب الديمقراطي. كان ذلك هو فيصل الشمري، المستشار الثقافي لدى البعثة الثقافية السعودية في الولايات المتحدة، والتي هي جزء من السفارة السعودية، والذي يكتب في موقع العربية. فقد غرد الشمري من حسابه في تويتر قائلاً عن إلهان عمر: "سوف تكون معادية للخليج ومؤيدة للإسلام السياسي الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط".
وكان عبد الله السيد، وهو أمريكي ولد لأبوين مهاجرين من مصر، قد لاحظ الهجمات التي تشن عليه من الخارج أثناء حملته الانتخابية. وكانت بعض وسائل الإعلام في الشرق الأوسط قد ضخمت الاتهامات التي وجهها المرشح الجمهوري لانتخابات حاكم الولاية باتريك كولبيك، ومفادها أن عبد الله السيد كانت له ارتباطات بجماعة الإخوان المسلمين. فعلى سبيل المثال أوردت صحيفة اليوم السابع أن عبد الله السيد ربما خسر الانتخابات بسبب علاقاته مع جماعة "أمة الإسلام" التي وصفتها بالراديكالية وبسبب علاقته بالناشطة الأمريكية المسلمة لندا صرصور "المعروفة بآرائها الراديكالية" كما قالت الصحيفة.
أخبرني عبد الله السيد بأن النخب السياسية في أماكن مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تشعر بأنها مهددة من قبل السياسيين الأمريكيين المسلمين. حكاية عبد الله السيد من النوع الذي يلهم أبناء الشرق الأوسط (من أوضح حالات الإلهام التي أثرت في أبناء الشرق الأوسط فوز باراك أوباما في الانتخابات، وهو الذي واجه حملات من الاتهامات الباطلة بأنه مسلم).
كما أن صعود سياسيين مثل عبد الله السيد وإلهان عمر ورشيدة طالب يساهم في تقويض الفكرة الأساسية التي يسعى الطغاة في منطقة الشرق الأوسط إلى الترويج لها، ومفادها أن شعوبهم غير جاهزة للديمقراطية. وفي إشارة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يقول عبد الله السيد: "لن يتسنى للناس الوصول إلى السلطة داخل بلادهم ولكن ذلك يصبح متاحاً أمامهم حينما يغادرونها، وهذا يدمر الفكرة التي يروج لها السيسي وابن سلمان. والمفارقة هنا أنني لا سبيل لدي أبداً لأن أطمح في أن أكون في موقع القيادة في مصر، بلاد آبائي وأجدادي".
ويخشى حلفاء أمريكا في المنطقة أن يدعو السياسيون العرب داخل الحزب الديمقراطي إلى إحداث تغيير سياسي في بلادهم. فبعد أن أنفقوا ملايين الدولارات على حملات العلاقات العامة في العواصم الغربية، يشعر قادة البلدان الخليجية بالخطر يتهددهم من قبل صناع السياسة ذوي المصالح المستقلة والاطلاع الجيد على أحوال المنطقة. ولذلك تجدهم قد اعتبروا الاعتراضات التي تصدر عن هؤلاء المسؤولين تجاه ما يرتكب من انتهاكات لحقوق الإنسان وللأعراف الديمقراطية في المنطقة تحيزات شخصية. ولا أدل على ذلك من أن أحد المعلقين، وهو معروف بالتعبير عن المواقف الرسمية للحكومة في بلاده وكثيراً ما يعيد تغريد عباراته المسؤولون الحكوميون، نشر مؤخراً إشاعة مفادها أن إلهان عمر تنحدر من "حوثي يمني" وذلك سعياً منه لنزع الصدقية عن انتقاداتها للحرب التي تشنها المملكة العربية السعودية في اليمن.
من أكثر الهجمات التي يشنها المعسكر الموالي للسعودية شيوعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أعضاء الحزب الديمقراطي من العرب المسلمين تلك التي تصنفهم على أنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، أو تصفهم بشكل عام بأنهم إخوانجيون، وهو المصطلح الذي يفيد تعميم صفة التطرف على جميع المستهدفين. بدأت تلك الهجمات قبل وقت طويل من الانتخابات التي جرت هذا العام. ففي عام 2014، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن قائمة إرهاب ورد فيها اسم مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) وذلك بحجة ما يزعم من علاقات تربطه بجماعة الإخوان المسلمين.
بدأت الهجمات التي تسعى إلى ربط إلهان عمر ورشيدة طالب بجماعة الإخوان المسلمين مباشرة بعد أن رحب مجلس العلاقات (كير) بفوزهما في انتخابات الكونغرس. ولقد بادرت إحدى الأكاديميات المقيمات في الإمارات العربية المتحدة بانتقاد وسائل الإعلام العربية التي احتفت بانتصار المرأتين المسلمتين في الانتخابات النصفية، وأشارت إلى أن كير دعمتهما بما يثبت أنهما ترتبطان بجماعة الإخوان المسلمين.
كما أن الهجمات التي تعرضت لها إلهان عمر كانت تفوح منها رائحة العنصرية. فرغم أن رشيدة طالب وإلهان عمر تعرضتا كلاهما لحملات التشويه وتلطيخ السمعة، إلا أنه كان من الأسهل على عرب الخليج إفراد إلهان عمر بالإهانات لأنها من أصول أفريقية، وذلك أن التمييز منتشر ضد الأفريقيين الذين يعمل بعضهم في ظروف سيئة داخل دول الخليج النفطية.
وكان ذلك واضحاً في الحملة التي شنها الشهر الماضي على إلهان عمر أحمد الفراج، الكاتب والباحث السعودي الذي يعمل مع مركز تريندز للبحوث والاستشارات في الإمارات، وهي مؤسسة أسسها مسؤول ومستشار سابق في شرطة دبي. هاجم الفراج إلهان عمر لأنها انتقدت تكتم ترامب على التقييم الذي قدمته له وكالة المخابرات الأمريكية (السي آي إيه) ومفاده أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من المحتمل أن يكون قد أشرف بشكل مباشر على جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. غرد الفراج قائلاً لمتابعيه الذين يزيد عددهم على ستين ألفاً في تويتر: "هذه الكائنات البائسة التي تأتي من العوالم المتخلفة هم أكثر حقداً على قومهم وعليك من أي عدو آخر". تولد عن تغريدته سيل من الهجمات العنصرية، حتى إن أحدهم كتب تغريدة أرفقها بصورة لإلهان عمر وعليها العبارة التالية: " لا تشتـر العبـد إلا والعصا معـه، إن العبيـد لأنـجاس مناكيــد".
وفيما عدا فورة التعليقات العنصرية، هوجمت إلهان عمر بناء على اتهامين باطلين وجها إليها: أنها كانت عضواً في جماعة الإخوان المسلمين وأنها كانت متزوجة من عضو في جماعة الإخوان المسلمين. وبدأ في الانتشار هاشتاغ تناقلته العشرات من الحسابات المجهولة كلها تغرد بنفس الاتهامات بصيغ متنوعة، وكلها يردد ما جاء أصلاً في حسابات يعتقد بارتباطها بالحكومة. وهذا نمط مألوف في ما ينشره الذباب الإلكتروني سعياً منه لإسكات أي نقد يوجه إلى محمد بن سلمان.
ليس مستغرباً أن تنتاب حلفاء أمريكا من الطغاة العرب حالة من الهلع والاضطراب وأن يردوا بهذا الشكل على أصوات مثل أصوات رشيدة طالب وإلهان عمر. فهذه الأنظمة طالما استفادت من الخيار الباطل الذي يقدمونه لصناع السياسة في الغرب حيث يروجون لفكرة أن المتطرفين هم البديل الوحيد للطغاة في البلدان الإسلامية. إلا أن هذا الزعم يتم الآن دحضه ببلاغة فائقة من قبل السياسيين الأمريكيين الذين يشتركون مع هذه الأنظمة في الدين ولكن ليس في معاداتها للديمقراطية.
عُلا سالم: صحفية بريطانية من أصول مصرية، تغطي شؤون الشرق الأوسط منذ عقد من الزمن، وهي الآن طالبة ماجستير في جامعة نيويورك.
التايمز: هكذا تتعامى لندن عن جرائم الرياض وأبو ظبي
بلومبيرغ: توجه الرياض وأبو ظبي خطر على استقرار المنطقة
بلومبيرغ: لماذا خسرت دبي بريقها كمركز مالي بالشرق الأوسط؟