نشرت
صحيفة "الغارديان"
مقالا للصحفي مصطفى بيومي، بدأه بالسؤال: "هل
كان من الممكن لكامالا
هاريس أن تفوز بالانتخابات لو وعدت بتغيير المسار في
غزة؟"،
ثم قال إن من المستحيل بالطبع أن نعرف ذلك، ولكن هناك سبب للاعتقاد به.
وأضاف أنه بدلا
من ذلك، التزمت هاريس بموقف بايدن بشكل وثيق للغاية، ما أدى إلى تنفير أعداد
كبيرة من الناخبين بينما شقت الطريق إلى الانتخابات، والنتيجة؟ يمكننا أن نتوقع
استمرار الكارثة للشعب الفلسطيني، بينما نتعلم كيف نعيش مع دونالد
ترامب الأكثر
خطورة، وهو الرجل الذي تهدد أجندته اليمينية المتطرفة العديد منا داخل وخارج
الولايات المتحدة.
ويرى
الكاتب أن ذلك أدى إلى خسارة هاريس أكثر من غيره.. لم يكن قيام الديمقراطيين التقليديين بمنح
أصواتهم للمرشح الجمهوري ترامب، على الرغم من وجود بعض ذلك.
في الواقع، كانت نسبة
الولاء للحزب، عند حوالي 95 بالمئة لكلا
الحزبين، هي نفسها في الأساس كما كانت في عام 2020، بل إن أوجه القصور التي تعاني
منها هاريس تشير إلى عدم خروج أعضاء الحزب الديمقراطي للتصويت، وإلى قيام المزيد من
الناخبين لأول مرة بإدلاء أصواتهم لصالح الجمهوريين.
وأضاف: "لا نملك إحصاء الناخبين
النهائي حتى الآن، ولكن حتى الآن جمعت هاريس ما يزيد قليلا على 68 مليون صوت،
مقارنة بـ 72 مليون صوت لترامب، وعلى النقيض من ذلك، حصل بايدن على أكثر من 81
مليون صوت في عام 2020.
وبحلول الوقت الذي تظهر فيه الأرقام النهائية، من المرجح
أن يكون ترامب قد فاز بأكثر من 74 مليون صوت حصل عليها في عام 2020، وستكون هاريس
أول ديمقراطي يخسر التصويت الشعبي منذ 20 عاما.
وبحسب الكاتب، يُقدر
أن بعض هذه الأصوات المفقودة يجب أن تُعزى إلى موقف هاريس الضعيف بشأن فلسطين.
وفقا لمركز بيو للأبحاث، فإن غالبية كبيرة من الشباب يتعاطفون مع حقوق
الفلسطينيين، كما ينتقد الشباب بشدة سياسات بايدن بشأن فلسطين.
وفي الوقت نفسه،
تشير التقارير الواردة من جميع أنحاء البلاد إلى أن نسبة المشاركة في التصويت بين
الشباب في هذه الانتخابات كانت منخفضة.
وأشارت هيئة الانتخابات في شيكاغو إلى أن
53 بالمئة من الناخبين المسجلين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما أدلوا بأصواتهم،
وهو أقل بكثير من متوسط الإقبال في المدينة البالغ 58 بالمئة، وبالمقارنة بانتخابات عام
2020، ضاعف ترامب دعمه من الناخبين الذين يصوتون لأول مرة هناك.
وفي ديربورن
بولاية ميشيغان، حيث 55 بالمئة من السكان من أصل شرق أوسطي، حقق ترامب فوزا على هاريس،
وهو أمر مفاجئ بالنظر إلى فوز بايدن في ديربورن بنحو 70 بالمئة من الأصوات في عام 2020.
وقال بيومي، إنه بينما استمر الناخبون السود في دعم هاريس بأغلبية ساحقة، انخفضت أعدادهم أيضا،
مما يعكس نقصا في الحماس تجاه هاريس.
وقال كريستوفر شيل، الباحث في مؤسسة كارنيغي
للسلام الدولي، لمجلة فورين بوليسي إنه "من الصعب تجاهل تأثير أفعال الحرب
الأمريكية في ظل إدارة بايدن-هاريس وموقف الإدارة غير المتسق بشأن قضايا مثل
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مما أدى على الأرجح إلى تقليص الحماس لهاريس بين
كتلة التصويت السوداء المؤثرة".
ويقول
إن كان القارئ يتساءل عن ماهية هذه التناقضات فيما يتعلق بغزة، فيمكنه مشاهدة
تقرير لشبكة سي إن إن تم بثه في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، والذي أظهر كيف
بثت حملة هاريس إعلانين مختلفين تماما حول موقفها.
ويظهر أحد الإعلانين، الموجه إلى
الناخبين الأمريكيين العرب في ميشيغان، هاريس وهي تتحدث من على منصة. تقول:
"ما حدث في غزة على مدى الأشهر التسعة الماضية مدمر، لا يمكننا أن نسمح
لأنفسنا نفقد الحسّ أمام المعاناة، ولن أصمت".
وفي الوقت نفسه، في إعلان آخر،
موجه هذه المرة إلى الناخبين اليهود في بنسلفانيا، تقول: "دعوني أكون واضحة.
سأقف دائما من أجل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وسأضمن دائما أن تتمتع إسرائيل
بالقدرة على الدفاع عن نفسها، لأن شعب إسرائيل يجب ألا يواجه مرة أخرى الرعب الذي
تسببت به منظمة إرهابية تسمى حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر".
وبحسب بيوني، فإن الأمر ازداد سوءا ففي الإعلان الذي تم في بنسلفانيا، قامت الحملة أيضا
بدمج جزأين من خطاب هاريس، الأمر الذي مكنها من حذف الجزء الذي تتحدث فيه هاريس عن
إنهاء المعاناة في غزة حتى يتمكن "الشعب الفلسطيني من إدراك حقه في الكرامة
والأمن والحرية وتقرير المصير". ويلخص أندرو كاتشينسكي من شبكة سي إن إن كل
هذا بشكل متواضع. يقول: "هنا لديك دائرتان انتخابيتان مختلفتان تماما، وهما
تتلقيان رسالتين مختلفتين تماما".
ولفت
إلى أن آلاف الأشخاص - بمن فيهم كاتب المقال - كانوا يحذرون الديمقراطيين منذ أشهر
من أنهم يجب أن يتخذوا موقفا ضد المذبحة الجماعية للأشخاص الأبرياء إذا كانوا
يريدون كسب ثقة الناس، ناهيك عن كسب أصواتهم.
وبدلا من ذلك، لم ترفض حملة هاريس
السماح لأمريكي فلسطيني بالصعود على المنصة خلال مؤتمرهم الوطني في آب/ أغسطس
فحسب، ولم تكتف بإخراج ديمقراطي عربي مسلم من تجمع في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر،
بل قررت أيضا بحكمتها أن تروج لرسالتين مختلفتين لمجتمعين مختلفين، معتقدة أن أحدا
لن يلاحظ ذلك.
ويبدو أنهم كانوا يعتقدون أن الديمقراطيين لن يصوتوا لترامب بأعداد
كبيرة، ولكن كيف لم يدركوا أنه إذا تم تجاهل الناخب وإهانته من قبل حزبه بشكل
متكرر، فقد لا يخرج للتصويت.
ويقول
إن من الواضح أن غزة لم تكن القضية الوحيدة في هذه الحملة، وكان لدى الناخبين
أسباب متعددة لاختياراتهم، بما في ذلك الاقتصاد والمخاوف بشأن سياسات اللجوء، من
بين أمور أخرى.
ولكن يبدو أن الحكمة التقليدية تصطف بالفعل لتقول إن غزة لم تلعب
أي دور واضح في هزيمة هاريس، مشيرة إلى أن الهوامش في انتصارات ترامب في الولايات
المتأرجحة مثل بنسلفانيا وويسكونسن وجورجيا تبدو أكبر من أي استياء قابل للقياس من
الناخبين بشأن الإبادة الجماعية الممولة إلى حد كبير من الولايات المتحدة، وهو
المصطلح، بالمناسبة، الذي يستخدمه خبراء بارزون بشكل متزايد لوصف تصرفات إسرائيل
في غزة.
ويستدرك
بالقول إن الكثير من هذا التحليل بعد الانتخابات يعتمد على استطلاعات الرأي عند
الخروج من مراكز الاقتراع، واستطلاعات الرأي عند الخروج لا تهدف عادة إلى تحديد
سبب عدم خروج الناس للتصويت في المقام الأول.
ويختم بيومي قائلا، إن السؤال الحاسم الذي يجب طرحه هو: لماذا لم يحضر الناخبون الديمقراطيون، والإجابة عن هذا السؤال واضحة تماما، كما
أظن. إن عدم تغيير المسار بشأن غزة كان خطأ فادحا من جانب حملة هاريس، وهو خطأ
قاتل بالتأكيد بالنسبة للفلسطينيين، ومن المرجح تماما، كما نرى الآن، بالنسبة للأمريكيين
أيضا.