أولا، دعوني أسجل تقديري لكلمة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب في ذكرى
ميلاد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، التي تحدث فيها عن خطورة الدعوات التي
تروج لأخذ صحيح الدين من القرآن فقط، وعدم الاعتماد على السنة النبوية، فالدين
الإسلامي لا يكتمل إلا بالقرآن والسنة معا. وكان في حديثه تحد وواضح لدعوات يرسلها
رجال النظام ليل نهار، يريدون التخلص من سنة الرسول؛ لأنها تزرع في كل البشرية قيم
العدل ومحاربة الظلم.
نعم،
أنا أختلف مع د. الطيب في الكثير، وأعتقد أنه أرتكب خطأ فادحا في موقفه من
الانقلاب وجرائم السيسي، ولكن لعله يكون بذلك الموقف الأخير قد شعر بالخطر وقرر
مواجهة جزء منه على الأقل، إلا أن الخطر متمركز في رأس ذلك النظام.. في السيسي
وزبانيته، فهم من يروجون، وعبر طرق مختلفة وبكل السبل، لتحريف الدين ومسخه، كما
مسخوا الوطن ومسخوا كل القيم الأصيلة وأفقدوا الشعب الثقة في ذاته وفي وتاريخه ومعتقداته.
يكفينا
أن نراجع خطاب السيسي في ذات المناسبة حتى يدرك بعض ممن عميت أبصارهم وبصيرتهم عما
يجري، فإن من يقرأ الكلمة الرسمية لخطاب السيسي في هذه الذكرى يشعر أنه يقرأ موضوع
إنشاء مثاليا كتبه أناس متخصصون في مواضيع الإنشاء المدرسية، إلا أنه من الخطأ قراءة
كلمات يلقيها السيسي أو غيره دون مراجعة مواقفه وأعماله السابقة والحالية.
ومع
السيسي لن نجد صعوبة في ذلك، فما كاد السيسي أن ينتهي من قراءة موضوع الإنشاء حتى
نضح الإناء بما فيه، وبدأ في الحديث عن نواياه الحقيقية، فبدأ حديثه المرتجل
المخطط له حول أهمية صورة الإسلام في أعين الغرب، وكيف أن ذلك أهم من التمسك
بالسنة النبوية!
ولذا،
فإن سيادته يرى أنه يجب تنقية الخطاب الديني، وهذا أمر لا أعتقد أن هناك من يفهمه.
فهل سمع أحدنا أي من رؤساء الدول يتحدث عن تنقية الخطاب الديني المسيحي أو
اليهودي، وادعى السيسي أنه يحدثنا عن هذا عن فهم للواقع الإسلامي، فقام بتوجيه
اتهام شامل لكل مسلم وكل مصري بأننا "كذابين"، وأن "الخيانة في
دمنا"، وأننا نمارس الغش والتدليس ليل نهار.
إن
المتحدثين عن نظرة الغرب للإسلام ما هم إلا دعاة تخريب واستسلام. نحن لا يعننا
نظرة النظم الغربية للإسلام لأنهم لا يرون الإسلام الحقيقي، ولكنهم يرون ما يسعون
لتصويره للشعوب، وهي صورة الوحش القاتل مثل داعش. ولذلك، وعندما يصادقهم أحد
الدواعش مثل آل سعود يتحدثون عن المصالح، والهدف هو أن يبقى في ذهن الغرب أن
المسلم هو القاتل السفاح عديم الرحمة، ولكن للأسف معه الثروة، فسنأخذها منه ثم
نتخلص منه.
إن
هذه هي الصورة التي يجب أن نحاربها ونرفض اقترانها بالإسلام، وهذا هو الخطاب الذي
يجب أن ينقى. فالتشدق بالمكارم ثم ارتكاب الموبقات هو ما تسعى الديكتاتوريات
لترويجه. لقد حاولت منظومة الحقد تلطيخ وجه الإسلام وربطه بالإرهاب بممارسات
كممارسات القاعدة وداعش وآل سعود، إلا أنه بعد كل هجمة إرهابيه، مثل 11 سبتمبر
وغيرها، يسعى الكثير إلى دراسة الإسلام، فيكتشفون الإسلام الحقيقي، وتدخل الإسلام
أعداد كبيرة من الغرب المزعوم.
رغم
ذلك وبلا شك، هناك احتياج لأن ننقي فهم البعض للإسلام وقصره في الحجاب والصلاة
والحج، ولا مانع لديهم من الظلم وقتل النفس التي حرم الله واغتصاب السلطة والتفريط
في حقوق الوطن واستباحة كرامة الإنسان، ولا مانع أن يحدثنا السيسي الذي انقلب على
إرادة الشعب؛ عن سماحة الإسلام وقبوله للآخر وحرية التدين، وهو يقتل ويسجن من يعارضه
أو حتى يجادله.
يحدثنا
السيسي عن الوسطية وهو يقود التطرف.. يرتكبون أبشع الجرائم في حق الشعوب ويستخدمون
الإسلام لتبرير جرائمهم والإسلام بريء منهم.. يحدثنا السيسي عن الكذب وهو يكذب كما
يتنفس.. يحدثنا عن الأمانة وهو من خان الأمانة.. يحدثنا عن الاحترام وهو من لا
يحترم إرادة الشعب، ويحدثنا عن الرحمة وهو قد مارس كل وسائل الإهانة والظلم
والتعذيب والإهمال حتى الموت.
إن
السكوت على ما يفعله حكام "مسلمون" بالشعوب، من قتل وانتهاك الأعراض
والتنكيل بالخصوم السياسيين، ما هو إلا جريمة في حق الإسلام سنحاسب جميعا للسكوت
عليها.
لا
يمكننا أن نختم كلمتنا هذه بدون تهنئة الأمة الإسلامية بذكرى مولد الرسول الكريم
عليه الصلاة والسلام، بل ونهنئ البشرية كلها بمولد من نادى بالحق وعمل به، ونادى
بالعدل وطبقه، ونادى باحترام الإنسان وارتقى به. ولعلنا جميعا، مسلمين وغير
مسلمين، نسير على هديه، ونرفض الظلم وقمع الحريات وانتهاك كرامة الإنسان. فمن
قَبَلَ بغير ذلك فلا صلاة له ولا صوم له ولا دين له، ولا ننسى "كما تكونوا
يولى عليكم".
هل "تجزأرت" مصر أم مُصّرت الجزائر؟
فتنة الدستور والانقلاب الثالث للسيسي
اتهام الجماعة الإسلامية بالإرهاب إفلاس للثورة المضادة