في لقاء خاص جمع قيادي إسلامي لبناني بارز بعدد من الكوادر
الإسلاميين في بيروت، قال لهم: "إن أي حزب إسلامي أو حركة إسلامية مهما بلغت
قوتهما لا يمكن لهما أن يحلا مكان
الدولة والقيام بمهامها، وإن هناك حاجة ماسة من
قبل كل الحركات الإسلامية على مختلف اتجاهاتها لأن تعيد نظرتها
الفكرية والسياسية
لموقع الدولة في مشروعها".
هذه
الخلاصة، التي توصل إليها هذا القيادي الإسلامي اللبناني، لا تختلف كثيرا عن
الخلاصات التي بدأت معظم الحركات الإسلامية الإشارة إليها في رؤيتها السياسية
والفكرية، وإذا استثنينا حزب التحرير الإسلامي الذي يدعو لإقامة الخلافة
الإسلامية، وبعض التيارات السلفية أو الجهادية التي ترفض مشروع الدولة الحديثة وتعمل
لهدم الدول القائمة، أو ترفض فكرة الديمقراطية أو أي نموذج غربي في الحكم، فان
موقع الدولة وكيفية التعاطي معها من قبل الحركات الإسلامية قد تغير كثيرا عما كان
عليه في مراحل الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
في رؤية بعض الاتجاهات الإسلامية الشيعية، كان العمل
لإقامة دولة حديثة، وحتى لو كانت ذات طابع إسلامي، مرفوض كلية
ففي
رؤية بعض الاتجاهات الإسلامية الشيعية، كان العمل لإقامة دولة حديثة، وحتى لو كانت
ذات طابع إسلامي، مرفوض كلية، وكان بعض هذه الاتجاهات الإخبارية أو ما يسمى
"تيار الحجتية"؛ تعتبر أن "قيام أية راية قبل ظهور الإمام المهدي
مرفوض كلية، وهي راية ضلال". وكان العديد من فقهاء
الشيعة يرفض التعاطي مع
الدولة الحديثة أو الانضمام إليها كلية، أو حتى الدخول في مؤسساتها، في حين أن بعض
الأحزاب الإسلامية، كحزب الدعوة الإسلامية، تبنت الدعوة لإقامة الدولة الإسلامية،
وكان متأثرا كثيرا بفكر حركة الإخوان المسلمين وحزب التحرير.
طبعا
كانت هناك استثناءات عديدة لدى بعض فقهاء وعلماء الشيعة الذين قبلوا بالدولة
الحديثة والتعاون معها، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر: الإمام موسى الصدر في
لبنان، وإن كان التطور المهم في الفكر والفقه الشيعي كان تبني الإمام الخميني
لمشروع " الجمهورية الإسلامية" القائم على الدمج بين النظرة الشيعية
التقليدية للدولة، وبين أسس الدولة الحديثة القائمة على الديمقراطية والانتخابات
والفصل بين السلطات. وهناك آراء أخرى لعلماء شيعة تحدثوا عن موقفهم من الدولة
الحديثة، ودور الأمة أو الجمهور في اختيار الحاكم.
أما
على صعيد الحركات الإسلامية السنية، فقد كانت بمجملها تدعو لإقامة الحكم الإسلامي،
سواء باسم الدولة الإسلامية، أو دولة الخلافة، أو الحكومة الإسلامية التي تتبنى
المشروع الإسلامي بالكامل، وصولا لفكرة الأمة الإسلامية الواحدة.
الحركات الإسلامية السنية، فقد كانت بمجملها تدعو
لإقامة الحكم الإسلامي، سواء باسم الدولة الإسلامية، أو دولة الخلافة، أو الحكومة
الإسلامية
لكن
في العقود الأربعة الأخيرة تطور موقف حركات الإخوان المسلمين من مشروع الدولة،
وبدأت بعض هذه الحركات تنتج اجتهادات جديدة حول موقفها من الدولة، وانخرطت معظم
هذه الحركات في أنظمة الحكم والسلطات القائمة، سواء كانت جمهورية أو ملكية أو تجمع
بين النظامين في الحكم، وشارك الإخوان المسلمون في الحكم والانتخابات، سواء في
مواقع وزارية أو في المجالس النيابية، وصولا لتولي مواقع في الرئاسة ورئاسة
الحكومة.
لكن
رغم كل التطور الذي برز في فكر ومشروع الحركات الإسلامية السنية أو الشيعية تجاه
الدولة والمشاركة فيها، أو تبني خيار الديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة، فإن
معظم هذه الحركات كانت تمتلك مشروعين: مشروعا ظاهريا يتمثل بالمشاركة في الدولة
والانتخابات والديمقراطية، ومشروعا باطنيا ينتظر تغير الظروف والمعطيات من أجل
العودة لإقامة الحكومة الإسلامية أو العودة لخيار الدولة الإسلامية أو الخلافة أو
مشروع الأمة.
معظم هذه الحركات كانت تمتلك مشروعين: مشروعا
ظاهريا يتمثل بالمشاركة في الدولة والانتخابات والديمقراطية، ومشروعا باطنيا ينتظر
تغير الظروف
وكانت
أدبيات معظم الحركات الإسلامية لا تتبنى بوضوح مشروع الدولة الحديثة بكامل مندرجاته
أو تفاصيله، وكانت الثقافة السائدة لدى معظم الإسلاميين أن "الدولة الحديثة
كائن غير مشروع ومرفوض، ويمكن الانقلاب عليه أو استغلاله والسيطرة على موارده، لأن
"مال الدولة مجهول المالك، ويمكن التصرف به بالعودة إلى الحاكم الشرعي أو
الفقيه".
ويبدو
أنه في السنوات الأخيرة، وبعد التجارب الفاشلة للعديد من الحركات الإسلامية في
علاقتها بالدولة الحديثة، أو بسبب عدم الوضوح في الرؤية الفقهية والسياسية
والفكرية للدولة، أو الدمج بين المشروع الإسلامي الخاص وبين الانخراط الجزئي
بالدولة ومؤسساتها، أن العديد من هذه الحركات بدأت تعيد النظر بمشروعها السياسي
والفكري، وبتبني مشروع الدولة الحديثة بشكل كامل، وتعتبر أن الانخراط في هذه
الدولة ومؤسساتها هو الطريق الأصح لتحقيق مصالح العباد، وحتى لتأمين الظروف الأفضل
للتعبير عن المشروع الإسلامي الحديث.
على كل الإسلاميين أن ينطلقوا في مراجعة شاملة
لمواقفهم من مشروع الدولة الحديثة، وأن يقدموا رؤى جديدة فكرية وفقهية وسياسية حول
دور الدولة وموقعها في المشروع الإسلامي
ونظرا
لأن هذه الرؤى والأفكار لا تزال في إطار التبلور الكامل نظريا وتطبيقيا، ولأن هناك
العديد من الإشكالات والأسئلة والاستفهامات حول الموقف الحقيقي للحركات الإسلامية
من مفهوم الدولة الحديثة، فإن على كل الإسلاميين أن ينطلقوا في مراجعة شاملة
لمواقفهم من مشروع الدولة الحديثة، وأن يقدموا رؤى جديدة فكرية وفقهية وسياسية حول
دور الدولة وموقعها في المشروع الإسلامي، وإلا فإن استمرار التخبط الفكري والفقهي
في النظر إلى الدولة الحديثة ومؤسساتها ستكون له تداعيات سلبية على كل الواقع السياسي
والشعبي في العالمين العربي والإسلامي.