وإذ فجأة يا مؤمن، تنبعث رائحة نفاذة من "التابوت"، فيهرول الأثريون مفزوعين، ليتدخل رجال المهام الصعبة، وهم بطبيعة الحال ينتمون لخير أجناد الأرض، فيقتحمون الخندق ويخرجون "التابوت"؛ غير مبالين بالرائحة التي أزعجت السادة الأثريين، وقد تبين أنها مياه للصرف الصحي، كما قال كبير الأثريين في مؤتمر صحفي. فهل رائحة المجاري غريبة على الأثريين؟ أم لم يعد أحد في البلاد قادراً على اقتحام الصعاب، وعدم المبالاة بالروائح الكريهة سوى رجال القوات المسلحة؟!
"أصل الحكاية" أنه تم العثور على مقبرة، وهو حدث مثير في أي مجتمع، وعند الحفر شاهد الناس مياها تميل للون الأحمر، وقد تغير اللون بعد ذلك بعد انتقال حيازة الأثر إلى أصحاب "القسمة والنصيب". وقد جرت تصرفات دعت للريبة، منها فزع الأثريين وتركهم للموقع، ومنها حضور قوات من الجيش، ليس للحماية ولكن للتصرف، ومنها وضع ستارة تحول دون الجماهير و"التابوت". وقد ظهر بعد ذلك للعامة وقد تغير لونه، ثم اكتمل الأمر بالإعلان أن الشكوك تثور حول "الانتماء الوظيفي" لمن هم في "التابوت"، فقد قال كبيرهم إنهم على ما يبدو جنود من عصر البطالمة!
لم يتعرف الزعيم الأثري على الرتبة العسكرية للجثامين، وهل كانوا جنوداً مقاتلين على خط الجمبري، أم هم عساكر مراسلة؟ وهل هم ضباط نظاميون أم "ضباط مخلة"؟ ولماذا كان التسليم بحسب الوظيفة وليس بحسب الانتماء الأسري؟ وباعتبار أنهم من البطالمة، فلا بد أن يسلموا لأهلهم. صحيح أننا لا نعرف من ينتمي لهذه السلالة الآن، لكن من المؤكد أن البطالمة ليسوا عقيماً، حتى ينتهي ملكهم وتنتهي سلالتهم، فلا تجد وزارة الأثار أحداً تسلمه "التابوت"، ما دام يجوز التسليم، وهو إجراء غير مسبوق في تاريخ وزارة الآثار، ذلك بأن الأثر ملك للدولة، وليس للذرية، أو الاعتبار الوظيفي. وهل لو كان المرجح في حق سكان "التابوت" أنهم كانوا يعملون في الفلاحة، أن يتم تسليمهم لنقابة الفلاحين، أو للسيد وزير الزراعة؟!
فلا تجد وزارة الأثار أحداً تسلمه "التابوت"، ما دام يجوز التسليم، وهو إجراء غير مسبوق في تاريخ وزارة الآثار، ذلك بأن الأثر ملك للدولة، وليس للذرية، أو الاعتبار الوظيفي
كان كبيرهم يقف في المؤتمر الصحفي، وخلفه كتيبة من السادة ضباط الجيش، ولم أتعرف على وضعه الوظيفي، وهل هو وزير الآثار أم رئيس هيئة الأثار، لكن ما يعنيني أنه كان يهوّن من الأمر، كما لو كان من في "التابوت" ماتوا في السنة الماضية في حادث "توك توك"، وعلى أساس أن المرجح أن عمر التابوت هو ألف عام، مع أن القاعدة القانونية هي أن كل عقار مضى عليه مئة عام هو أثر، وعلى هذا الأساس تضع هيئة الآثار يدها على مبان تخص الحملة الفرنسية، ومنها قصر كان مملوكا لشامبليون في وسط القاهرة، ورفضت حتى بيعه للسفارة الفرنسية، فقد وافقت ثم تراجعت خوفاً من ردة فعل المصريين على عملية البيع والتفريط. كان هذا قبل الثورة، ولا أستبعد أن يتم بيعه الآن، ولو لمحمد بن زايد، بتزوير شهادة نسب له تفيد أن جده السابع هو شامبليون!
المسؤول الأثري كان منزعجاً، وهو يبرر تسليم التابوت للقوات المسلحة، فيكاد المريب أن يقول خذوني، ولم ينتبه إلى أن الجيش المصري جرى تمصيره، ولم تعد جذوره تمتد إلى الجند، سواء من المماليك أو البطالمة. وقد وفدوا إلى مصر وليسوا من أبنائها الأصلاء، لكن من الواضح أن كله يهون مقابل حيازة "التابوت"، وباعتبار أن السيسي هو أكثر قدرة على التعامل مع آثار العائلة!
مصر في مرحلة عبد الفتاح السيسي هي المرحلة الأكثر تهريباً للآثار، وباتت عملية انقطاع التيار الكهربائي بالمطار لافتة
قد رأينا كيف أن إمارة أبو ظبي نظمت مؤتمراً للآثار يشتمل على آثار مهربة من مصر، فلا يثير هذا قلقاً على التراث المصري، ولا يسأل سائل من قام بالتهريب
لقد تجاوزنا مرحلة "المصريين القدماء"، ونحن الآن نعيش مرحلة "العسكريين القدماء".. يا لها من مسخرة!
هل يمكن حل مشكلة السكة الحديد المصرية خلال 5 سنوات؟