نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للباحث في معهد بروكينغز والكاتب المشارك فيها شادي حميد، يقول فيه إن قرار المحكمة العليا الأخير، تثبيت قرار الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب بمنع مواطني خمس دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة، يضفي الشرعية على العداء ضد المسلمين، ويجعله جزءا من الخطاب الرسمي الأمريكي، مؤكدا أن المحكمة ليس من مهمتها إصدار أحكام أخلاقية حول القانون.
ويقول حميد في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إنه "في كانون الثاني/ يناير، عندما أصدر الرئيس الأمريكي قراره، الذي صار يطلق عليه منع المسلمين، كنت معارضا له بشدة، وكان من أكثر النصوص المخيفة التي قرأتها من مسؤول أمريكي في حياتي كلها، لكن المحكمة العليا قررت تثبيت القرار في نسخته المكررة الثالثة، فيما يطلق عليه ترامب ضد هاواي، وأجد نفسي في وضع غريب لمعارضة قرار المحكمة بناء على أرضية أخلاقية، مع أن التفسير القانوني يبدو معقولا".
ويضيف الباحث: "فمثل التطورات كلها في عهد ترامب، فإن هناك توترا بين ما هو موقف (صائب) وموقف (صحيح)، فموقف معارض لترامب يعني معارضة قرار المحكمة مهما كان جوهره، وهذا موقف أخلاقي صحيح لكن ذلك لا يجعله صحيحا، فالمحكمة العليا مثل الكونغرس ليست مكلفة بإصدار أحكام أخلاقية حول القانون، على الأقل بطريقة واضحة".
ويجد حميد أن "النسخة الأولى من القرار كانت تهدف على ما يبدو لتقزيم الليبراليين، والتمييز بشكل واضح بناء على الدين، ويقوم القرار على أن كونك مسلما يعني أنك خطر على الأمن، وفي القرار بند يدعو بشكل واضح لإجراء فحص ديني، ولا يتم إدخال اللاجئين إلا في حالة كان دين الفرد من أقلية في بلده".
ويشير الكاتب إلى أنه "في النسخة المعدلة، التي صدرت في أيلول/ سبتمبر 2017، تم حذف هذه اللغة، وأضيفت إليه بلدان غير مسلمة، وهما كوريا الشمالية وفنزويلا، وفيما يتعلق باللاجئين السوريين فإن هذا يعني من الناحية النظرية أن قيود الدخول ستطبق بشكل متساو على المسلمين والمسيحيين، وبناء عليه فإن القاضي جون روبرتس كتب أن توجيه الرئيس كان محايدا".
ويعلق حميد قائلا إن "توجيه الرئيس لم يكن محايدا في نيته؛ لأنه والمجموعة التي تساعده يحملون عداء واضحا للمسلمين أو الإسلام أو لكليها، وقال ترامب في أثناء الحملة الانتخابية عام 2016 إنه يعتقد أن (الإسلام يكرهنا)".
ويتساءل الكاتب هنا عن أهمية النية في القرار، مشيرا إلى أن علماء القانون الدستوري، وبالطبع المحكمة العليا ذاتها، منقسمون، فعبرت القاضية سونيا سوتوماير عن اعتراضها على القرار، واستشهدت بكل ما غرد به ترامب على "تويتر" للمجادلة والقول إنه "بجمع الأدلة كلها معا، فإن المراقب العقلاني سيتوصل إلى أن الإعلان كان مدفوعا بمعاداة المسلمين".
ويستدرك حميد بأنه "من الصعب تحديد هذه الدوافع، خاصة أن نية الشخص قد تتغير مع مرور الوقت، وليس من السهل استنباط ما كان يقصده ترامب في نيته (الأولية) و(الثانوية) حول موضوع محدد، وما نعلمه الآن أن الطبيعة التمييزية في النص لم تعد واضحة ضمنا، فما كان واضحا أنه تمييز واضح ضد المسلمين أصبح أمرا آخر".
ويقول الباحث: "لا أزال غير مرتاح لحكم المحكمة العليا، فهو يسهم في شرعنة معاداة المسلمين وجعلها جزءا من التيار الرسمي، وبهذه الطريقة سيفسره ملايين الأمريكيين، لكن هذا لا يعني أن القرار في حده ضمن النظرة الضيقة يرتفع إلى كونه واحدا من الأسئلة الأخلاقية الكبرى في زمننا، ولا يحول الحكم المسلمين الأمريكيين إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وسيكون من الصعوبة بمكان علينا أن نثبت أننا أصبحنا في الحقيقة مواطنين من الدرجة الثانية لو حدث هذا أصلا، فأن تزعم أن قوانين جيم كرو (
العنصرية التي تفصل السود عن البيض في الجنوب) والهولوكوست شيئا واحدا من الناحية القانونية، فإنك ستقضي على الخطورة الأخلاقية التي يجمع الأمريكيون اليوم ودون جدال على خطئها، ولا يوجد هذا الإجماع في قرار ترامب ضد هاواي، وأن تفترض وجودها في نقطة معينة مستقبلا هو أن تفترض أن الأخلاقية يجب أن تكون دائما تقدمية، وحتى نستخدم مثالا أقل مدعاة للغضب فإنه من الصعب القول إن قرار ترامب ضد هاواي يشبه قانون كورماستو ضد الولايات عام 1944، الذي سمح بحجز اليابانيين الأمريكيين، ومن الناحية العامة فإن الدول القطرية لديها قوانينها التي تحدد من يدخل ويخرج عبر حدودها من المواطنين الأجانب، فيما استهدف كورماستو المواطنين الأمريكيين".
ويرى حميد أنه "يجب أن يكون للمواطنين الحق في مناقشة أي من سياسات الدخول والهجرة الاكثر مناسبة وفعالية وأخلاقية عندما تتعلق بغير المواطنين خارج حدودنا، لكن أن تصر على اتخاذ القرارات خارج إطارات النقاش الديمقراطي فإن ذلك يضعف الرد الديمقراطي والمحاسبة، وهذا خطر في وقت أصبحت فيه الهجرة، سواء كان ذلك خطأ أو صوابا، أهم قلق للناخبين في الديمقراطيات الغربية، وعندما تعتقد أنه يمكن حل المشكلة من خلال رفص او تجاوز موقف مواطنيك، فهي (وصفة للتهميش والخيبة)، كما كتب يائير روزنبيرغ في (تابلت)، وقد تكون المحاكم هي المكان الأعظم لحرف قوس التاريخ باتجاه العدل، لكنها المكان الأعظم عندما تتفق مع ما نراه جميعا أنه عدالة".
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن "صحيفة (نيويورك تايمز) لاحظت أن من يشعرون بعدم الراحة أو الاشمئزاز من قرارات المحكمة العليا الأخيرة عليهم النظر إلى أماكن أخرى، أي صناديق الاقتراع، وهي المكان المناسب لإقناع الناخبين بألا يصوتوا لرؤساء معادين للمسلمين".